شبكة ذي قار
عـاجـل










أعترف, وأعتذر للقاريء الكريم أيضا, بان أفكاري تبدأ بالتشتت وذهني يأخذ بالشرود والضياع كلما عزمت على الكتابة عن العراق الجديد وديمقراطيته النادرة جدا. فمنذ إحتلاله والى يومنا هذايعيش العراق أيامه ولياليه بين تراجديا مرعبة لا تُطاق وبين كوميديا مثيرة تكاد تفقد الانسان صوابه من شدة الضحك. والأبطال, في كلا الحالتين, هم "قادة" العراق الجديد. يلعبون نفس الأدوار بلا كلل ولا ملل. فبعد سنوات طويلة من العمل والخدمة باجر زهيد لدى الكثير من أجهزة المخابرات الأجنبية التابعة لدول معادية للعراق وشعبه, إكتسبوا خبرة عالية وعالمية في إداء كل ما يُطلب منهم. ومن يرى وجوه المهرّجين وحثالات السياسيين من أمثال الطلباني والمالكي وعلاوي والبارزاني وعمار اللاحكيم لا يجد بدّا من الضحك المتواصل, مع أنهم, في نفس الوقت, قتلة ولصوص وعملاء وسماسرة سياسة وأشياء أخرى.


لا نريد هنا الحديث, فله شجون وفنون, عن ما يعانيه العراقيون من فقر وبطالة ونقص خدمات وحرمان, وهم يرون ثرواتهم وخيراتهم تُسرق في وضح النهار وفي الظلام وتحت ضوء القمر من قبل عصابة تربّت منذ عقود على السرقة والتزوير واللاستحواذ بابشع الطرق وأبعدها عن كل شرعية. هنا نريد اليوم التحدّث عن الجانب الكوميدي المضحك المتعلّق بدولة المنطقة الخضراء, دولة الرشاوى والتزوير والسرقات, والذي يمكن إدراجه بكل سهولة ضمن سلسلة "نوادر جحا" الشيقة جدا.


والموضوع له صلة بفخامة آمر لواء النهب السريع, عفوا أقصد "الرد السريع" اللواء الركن نعمان داخل, التابع مباشرة الى مكتب"دولة" العميل نوري المالكي رئيس حكومة الحضيرة الخضراء. فالمدعو نعمان داخل, والذي أصبح بقدرة قادر لواء ركن بعد أن كان قبل الاحتلال مجرد نقيب, متّهم بالرشوة وتم ضبطه متلبسا بالجرم المشهود من قبل محققي "هيئةالنزاهة"عندما كان يستلم رشوة "بخشيش"من أحد المقاولين. لكنه تمكّن من الفرار بعد أن قامت حمايته بالاعتداء بالسلاح على موظّفي هيئة النزاهة مما سهل له طريقا آمنا للهروب الى جهة مجهولة, والله أعلم. ولكن لا يُستبعد أن تكون تلك الجهة المجهولة - المعلومة هي مكتب رئيس الوزراء نفسه, لمَ لا؟ فالأصدقاء تُّعرف عند الشدائد !


ومن يقرأ قصة آمر لواء "النهب السريع" المنشورة على مواقع الأنترنت لا يساوره الشك بأن حكام المنطقة الخضراء, مدنيين وعسكريين ومعمّمين وبسراويل أو عباءات, هم أولا وأخيرا لصوص محترفون إنفتحت شهيتهم على مصراعيها لالتهام كل دينار أو دولار يقع بين أيديهم. ولم يكتفوا بالرواتب المجزية والامتيازات العالية والمخصصات الكثيرة الممنوحة لهم وفق الدستور والقانون الذي وضعوه على مقاسهم. وفيه تركيز مقصود ومدروس حول كيفية نهب وسرقة المال العام والتنافس فيما بينهم على الفوز باكبر قدر منه.


فبالله عليكم, ما حاجة ضابط في الجيش, يتقاضى بكل تأكيد راتبا كبيرا ومخصصات أخرى, الى الرشوة والسرقة لولا خسّة النفس وإنعدام القيم والأخلاق وموت الضمير؟ وهل يُعقل أن ضابطا في الجيش يأخذ الرشوة من المواطنين مستغلا منصبه لو لم يكن قد رأى سيده "القائد العام للقوات المسلّحة"يفعل ذلك من قبله؟ وإذا كانت هذه هي أخلاق وصفات آمر لواء "النهب السريع" فما هي يا ترى أخلاق وسلوكيات الضباط الصغار ومن هم أدنى رتبا منهم؟


ولكي نمنح القاري الكريم فرصة للتمتع والترفيه عن نفسه قليلا نروي له بعض المشاهد من قصّة آمر لواء "النهب السريع" اللواء الركن نعمان داخل الذي قام, كما تقول آخر الأخبار, بتسليم نفسه الى هيئة النزاهة بعد طلب من "دولة" رئيس الوزراء له بذلك. ولعلّ المالكي, اللص الأكبر, شجّع الضابط الكبير على تسليم نفسه بعد أن أعطاه ضمانات كافية بأن الموضوع كلّه سوف يُرمى في سلّة المهملات ويطويه النسيان التام, كما حصل وجرى لعشرات بل لمئات من الجُنح والجرائم والانتهاكات المماثلة في عراقهم الجديد.


وعلى القاري الكريم أن يتخيّل المشهد سينمائيا ويحبس أنفاسه قدر المستطاع لآلتقاط عناصر الاثارة والتشويق التي تتضمّنها كل لقطة وحركة. والراوي لهذه الواقعة "المشرّفة" لحكام المنطقة الخضراء هو صباح الساعدي عضو هيئة النزاهة في برلمانهم العتيد, حيث قال"إن ثمانية من محقّقي هيئة النزاهة ضبطوا اللواء نعمان داخل بالجرم المشهود وبالدليل القاطع وهويتسلّم المبلغ من المقاول بعد أن تمّ تثبيت الواقعة وفق الأدلّة القانونية"


وبما أن جناب آمر اللواء يعمل بالمكشوف لأنه بلا ضمير ويدرك أن أمرا كهذا عادي جدا في ظل حُكم رئيسه "القائد العام للقوات المسلّحة" نوري المالكي. وبديهي إذا كان ربّ البيت بالرشوة والنهب متورّطا فأن شيمة أهل البيت هي النهبُ والسلب والاثراء الغير شرعي. لكن المشهد الأكثر إثارة في الموضوع هو الآتي كما يرويه عضو هيئة النزاهة المذكور أعلاه: "على أثر عملية الضبط قام محقّقو النزاهة بخلع الرتب العسكرية من اللواء الركن نعمان داخل في نفس المكان الاّ أن المحقّقين فوجئوا باعتداء حمايته عليهم وضربهم باعقاب البنادق مما سمح للمتّهم بالفرار الى جهة مجهولة".


عموما, إن القاريء الكريم يعلم إن واقعة كهذه ما هي الاّ قطرة في بحر متلاطم الأمواج تطفو على سطحه وفي أعماقه ما لا تُعدّ وتُحصى من الوقائع والأحداث المماثلة وغيرها. ويكفيكم إن هيئة النزاهة, مع تحفّظناعلى إسمها, توصّلت الى وجود 20 ألف وثيقة دراسية مزوّرة في مؤسسات ودوائر الدولة تشمل جميع الوظائف والمناصب والمسمّيات الكبرى, من وزراء وأعضاء برلمان ومدراء عامين ورؤساء مؤسسات ودوائر حكومية مهمّة. لكن ما هي النتيجة, كالعدة لا شيء, وإكتفت هيئة النزاهة بارسال كتاب الى تلك الوزارات والدوائر تطالبهم فيه بارسال الوثائق الدراسية الحقيقية, إن وجدت طبعا, للتدقيق والتأكّد, لا أكثر ولا أقلّ. والله يرحم والديكم. فيا للعار من هكذا دولة ومن هكذا بشر, عفوا, أقصد هكذا حمير!


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد٠٨ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٣ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة