شبكة ذي قار
عـاجـل










تكمن المفارقة بين الانفصال الذي أجهض اول تجربة وحدوية في التأريخ العربي بين مصر وسوريا، وانفصال جنوب السودان، في ان الاول كان بالضد من ارادة الجماهير العربية التي وجدت في الجمهورية العربية المتحدة نواة لوحدة العرب وقوتهم وقرارهم المستقل.


في حين ان انفصال جنوب السودان عن شماله جاء بعد استفتاء شعبي اختار اهل الجنوب بملء ارادتهم فك عرى الوحدة مع اشقائهم في شمال السودان بطريقة سلمية.


والمسافة بين الانفصالين هي نصف قرن فالاول وقع عام 1961 واحدث ردة فعل رافضة وغاضبة في الشارع العربي فيما صوت للانفصال الثاني نحو 90 % من اهل الجنوب واعلنت نتائجه عام 2011.


ومابين الانفصالين شهدت الامة احداثا جسام غيرت وجه المنطقة برمتها وازاحة حكام بفعل الحروب والانقلابات ومتغيرات في قواعد اللعبة السياسية في معظم الدول العربية.


فالراحل جمال عبد الناصر الذي رفع شعار الوحدة وناضل من اجل تحقيقها وتثبيت نواتها سرعان ما اصيب بخيبة امل بعد وأد هذا المشروع الوحدوي بانفصال سوريا عن مصر.


ورغم ما احدثه هذا الواقع الجلل من صدمة لدى الجماهير العربية التي كانت تتطلع ان تتسع نواة الوحدة لتشمل دولا اخرى فقد تعامل عبد الناصر مع هذا الحدث بواقعه برفضه استخدام القوة لاعادة الامور الى طبيعتها والبحث عن آليات جديدة ربما تجنب الامة خيبات أمل اضافية بمشاريع قد تحقق الحد الادنى من الثوابت العربية في مواجهة التحديات.


وعندما قرر عبد الناصر سحب قواته من اليمن بمصالحة تأريخية مع السعودية كان يسعى للتفرغ لاعداد الجيش المصري والقوات العربية لمواجهة التحديات التي كانت تواجه الامة بفعل استمرار اسرائيل في مشاريعها الاستيطانية.


ولم يلبث عبد الناصر ان يستثمر هذا الاتفاق حتى جاءت نكسة حزيران التي فرضت واقعا جديدا في مصر والمنطقة عموما بعد ان بسطت اسرائيل سيطرتها على سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية ودفع عبد الناصر فاتورة الهزيمة بتحمل مسؤوليتها كاملة بقراره بالتنحي عن الرئاسة الذي رفضته الجماهير العربية واستجاب ناصر لندائها.


فالوحدة كانت وستبقى صمام امان للعرب وحلم الجماهير غير ان الواقع الحالي الذي شهد عشرات الحروب والنزاعات والانقلابات في اقطار الامة العربية يشير الى الحاجة للبحث عن مخارج لتجنب الامة مزيدا من الاخفاقات غير ان هذا الهدف على ما يبدو اصبح في اخر الاوليات ما انعكس سلبا على مسيرة العمل العربي التي بقيت اسيرة الخلافات العربية ما اصاب العمل العربي بالشلل وعدم الفاعلية السياسية.


وعندما نستذكر ما حدث ما بين الانفصالين خلال نصف قرن نستطيع القول ان دواعي المسؤولية الوطنية والقومية تستدعي مراجعة تأريخية ووقفة جادة لتقييم المرحلة خلال العقود الخمسة لان حصيلة هذه السنين هي خيبات امل خصوصا الرياح التي تعصف بالمنطقة التي قلبت موازين القوى وقواعدها من خلال استخدام العامل الخارجي في فرض ارادته ورؤيته على الامة التي كانت محصنة وموحدة قبل نصف قرن من خلال الحروب العدوانية كما جرى للعراق باحتلاله عام 2003 وما جرى لدول اخرى تعاني من تدخلات خارجية هي بالضد من ارادتها السياسية و تشكل تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية.


فالوحدة بكل الاحوال والظروف ستبقى صمان الامان والملاذ لتجاوز الفرقة والانقسام وعاملا للاستقرار لمواجهة الرياح التي تريد ان تأخذ الامة ومشروعها الى غير مبتغاها ومقاصدها النبيلة.

 


a_ahmed213@yahoo.com

 

 





السبت٠٧ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب احمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة