شبكة ذي قار
عـاجـل










أحيانا تطرح تساؤلات عن حدود مهمات الصحفي لا تخلو من الغرض المسيس من قبل الجهات المتضررة من الرسالة التي يؤديها الصحفيون في تغطيتهم للأحداث وخاصة أثناء الأزمات الساخنة كالتي شهدتها مدن العراق في الآونة الأخيرة وقبل العراق تونس ومصر وغيرها من مدن الصفيح المؤصدة سياسيا واجتماعيا والتي تكاد تقفز من بين أضلاعها الناتئة من فرط الجوع والحرمان في بلاد حباها الله بأثمن الثروات الطبيعية وأغزرها بحثا عن الحرية ورغيف الخبز والكرامة ، ولكنهم وبدلا من الحصول على جزء مما يريدون فإن أجهزة القمع الرسمية للنظم الفاسدة والتي سقطت أقنعتها في أول اختبار ، واجهت أنين المضطهدين بمزيد من الاضطهاد ومزيد من التنكيل والقتل ومزيد من التجويع ، وحينما يتصدى الصحفيون للانتصاف للحق بقول الكلمة الصادقة والدفاع عن المظلومين ، تفتح عليه أبواب الغضب الرسمي بلا حدود وتكاد أن تجتثهم من جذور مهنتهم وتلقي بهم على رصيف بلا طريق ولا وطن لمجرد أنهم وقفوا إلى جانب شعبهم في تبني مطالبه المشروعة ، ولم يسمحوا لأنفسهم أن يكونوا شهودا دون انتماء لوطن وإنسانية على وقائع تنحر فيها القيم وكرامة الإنسان بخنجر اللؤم والصلف والثأر في أكثر الأزمان ضجيجا كاذبا عن الحريات العامة وحقوق الإنسان .


أيام تظاهرات الغضب الشعبي التي اجتاحت مدن العراق خلال الأسابيع الأخيرة قمعت السطات الحكومية التي أقضت مضاجعنا عن أحاديثها الزائفة عن الحرية في رسالة الإعلام وحرية التظاهر المنصوص عليها في دستور عام 2005 ، قمعت المتظاهرين بلا رحمة واستخدمت الطائرات المروحية لرش مواد كيمياوية على المتظاهرين وأطلقت خراطيم المياه الملوثة عليهم من سيارات حوضية استوردت بملايين الدولارات في الصفقات الفاسدة للقمع لأن الحكومة المعزولة عن الشارع تعي جيدا أن وعي الشعب العراقي لا يمكن أن تنطلي عليه مزاعم هامش الحرية الممنوح بمنة منها للشعب ، وسقط ضحايا بأعداد كبيرة وامعانا في إلحاق الأذى بالمواطن الثائر وقفت أجهزة الأمن التي يتحدد واجبها في تقديم الخدمة للمواطن عندما يكون بحاجة إليها ، وقفت حائلا دون وصول سيارات الاسعاف لتقديم النجدة للمصابين ، ونحن نعرف أن مثل هذه الأجهزة في بلدان العالم التي تحترم مواطنها تسارع لنجدة المحتاجين ونقل المصابين إلى المراكز الطبية في حال تعذر وصول سيارات الاسعاف إما لتعذر وصولها لأي من الأسباب أو لعدم توفر العدد المناسب منها وقت الأزمات والكوارث الطبيعية أو لبعدها عن موقع الحدث ، نعم بدلا من هذا قطعت أجهزة الأمن الطريق على سيارات الاسعاف ومنعتها من تأدية واجبها الإنساني المجرد عن أي دافع سياسي أو عرقي أو مذهبي ، وكأنها تريد أن تقدم شاهدا حيا على همجيتها ووحشيتها ودرسا لبقية المتظاهرين من أن مصيرهم هو هذا في حال تعرضوا لحادث مماثل .


وحينما تسجل ذاكرة الصحفي حدثا بهذا الثقل الإنساني ، يقف متسائلا عما إذا كان واجبه المهني يحتم عليه أن يشغل كاميرته ويشحذ قلمه لتدوين الواقعة ويبقى مجرد شاهد على قضية انسانية ويقدم بها وثيقة للمنظمات الحقوقية والإنسانية كي تصدر بيانا باهتا لن يرد الروح لإنسان فقد حياته بالقتل المتعمد مع سبق الاصرار ولن يعيد حقا مسلوبا لأهله ؟ أم يترك وظيفته ويتقدم بخطوة انسانية تسمو فوق كل المهن والوظائف لإنقاذ إنسان يوشك على الموت ؟


حينذاك سيتحول الصحفي من ناقل للحدث إلى صانع له ومحرض على العنف ، وتتحول نظرة السلطة إليه على أساس الفعل الذي يؤديه ، فإذا أنقذ شرطيا حكوميا كان يمارس القمع مع المواطنين من موت محقق لأي سبب كان ، فإن السلطة ستعتبر ذلك الصحفي بطلا قوميا وربما تمنحه وسام الاستحقاق من درجة متقدمة وربما ستمهد الطريق أمامه للحصول على جوائز الجدارة الصحفية وتغدق عليه من الألقاب الكثير مما لم يتوقعه ، أما إذا أنقذ متظاهرا محتجا على الظلم والفساد ، فسوف ينزل عليه غضب السلطة وأجهزة القمع من الجهات الأربع وربما من الخمس وحتى الست لأن عليه أن يفهم حدود وجوده في التظاهرة فهو لم يخرج متظاهرا أو محتجا وعليه أن يتقيد بحدود مهنته الصحفية التي تلزمه على وفق ما يراه المستبدون آلة صماء يمكن أن تفتح عدستها حينما يسمح لها الحكام وعليها أن تغلقها أو تتحمل مسؤولية الكسر في حال لم تخضع لإملاءات سلطة القمع ، وعلى الرغم من أن الصحفيين هم نخبة بأعلى درجات الوعي والقدرة على الاستيعاب والفرز فعليهم أن يجمدوا هذه المدارك لأن السلطة تريد ذلك ، وعليه أن يقف أمام جريح ينزف حتى الموت ولا يجوز له تقديم العون له تحت أي ظرف من الظروف حتى إذا تحول المشهد إلى كابوس مرعب يزوره كل ليل بلا انقطاع حتى يرد إلى راحته الأبدية ، هنا على الصحفي أن ينزع عن نفسه نوازعها الإنسانية ويجعل قلبه من حديد صلب وينظر بعيون من حجر ويسمع بآذان من طين آهات المتوجعين وأناتهم الساخنة .


هل تحول الصحفي إلى روبوت بلا مشاعر وولاء لوطن ما ؟ أم يجب أن نستورد صحفيين من قارات العالم لتغطية أحداث بلدهم كي تضمن الحكومة لنفسها ألا يتحول الصحفيون من وسط ناقل للحدث إلى جزء صانع له ومنحاز إليه ؟ وماذا لو أن الصحفيين المستوردين تحركت فيهم لمسة إنسانية وتصرفوا على أساسها ونقلوا الوقائع كما تحدث على الأرض وبما لا يوافق مزاج السلطة ؟ ترى كيف ستتعامل معهم حكومة القبضة البوليسية الرخوة ؟ هل تنظر إليهم على أنهم مرتزقة ومخربون وحتى لو كانوا من غير الديانة الإسلامية ستعتبرهم من القاعدة والتكفيريين ؟


ما بات مؤكد أن سلطة القمع تريد الصحفي إنسانا بلا وطن أو مواطنا بلا هوية .

 

 





الثلاثاء٠٣ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة