شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم


 

تحدثنا في الجزء السابق من مقالتنا عن مازق المشروع الجهادي في العراق ، حيث اوضحنا بان ذلك المازق لا ياتي من اهل العراق وقيادته المجاهدة ، انما ياتي من الاقطار العربية المجاورة للعراق والغير مجاورة . أي ان المازق الذي يمر به المشروع الجهادي في العراق ناتج عن المازق الذي تعيشه امتنا العربية بعد اقدام الولايات المتحدة على توريث هيمنتها في المنطقة لايران الصهيونية.

 

اما في هذا الجزء فسناتي باذن الله عزوجل ما سبق ووعدنا القراء الكرام به ، حيث سنناقش قدرة القيادة العراقية العراقية على كسب الحرب وتحقيق الانتصار وتحرير العراق العظيم ، وسنتطرق الى مسائل مهمة ذات صلة بهذا الموضوع ولذلك وقبل الدخول في موضوعنا هذا نود ان نلفت انتباه الاخوة القراء الكرام الى حقيقة مهمة للغاية ، الا وهي ان القيادة العراقية هي من رحم حزب البعث العربي الاشتراكي هذا الحزب الذي يتمتع بصفات  لا نجني على بقية الاحزاب التي شهدتها الساحة السياسية في العراق اذا ما قلنا بانها صفات قد انفرد بها حزب البعث دون غيره . لذا فنخصص هذا الجزء لمناقشة هذه المسالة .

 

ان من اهم الصفات التي تفرد بها حزب البعث دون غيره ، هي قابليته على التجدد حيث يقول مؤسس البعث رحمه الله واسكنه فسيح جناته في حديثه مع وفد البعث من لبنان عند زيارته لمقر الحزب في دمشق، نيسان 1955 بهذا الصدد مايلي :-

 

(( اياكم والنظرة الجامدة التي لا تفهم سر الحياة وكنه الحياة، فليس من عمل جدي يؤثر في الواقع ويخلق منه واقعا جديدا الا ويكون هذا العمل عملا فيه ما في البحر الواسع المتحرك من شوائب، فاذا اردتم عمل حزبكم تاريخيا فليكن كالبحر لا كالساقية الصافية، فمن السهل أن تكون حركتنا ساقية صافية ولكنها لن تروي أمة ولن تصنع تاريخا. ففي الحزب كثير من النقص، وبين ما تحقق وبين ما نرجو أن يتحقق فارق  كبير، ولكننا نستطيع أن نقترب من مثالنا اذا نحن تابعنا السير، اذا ضاعفنا الهمة، لا اذا وقفنا وحولنا حيويتنا الى نقد جامد وتفكير نظري، فالحياة لا تعرف التوقف وتيار الحياة تيار مبارك طاهر مهما تكن الشوائب التي تعلق به )) .

 

وبالتالي فقد اعطت هذه الصفة "صفة التجدد والحيوية لا الجمود والادعاء بالكمال" قابلية رائعة على التكييف مع المتغيرات دون المساس بثوابت ومبادئ الحزب .

 

فحزب البعث رغم انه قد تاسس رسميا في عام 1947 الا ان بداياته الحقيقية تعود الى ثلاثينيات القرن الماضي ، أي قد مرت عليه قرابة ثمانية عقود مليئة بالاحداث الجسام سواء على مستوى حياة الحزب نفسه او على مستوى الامة او حتى على مستوى العالم باسره . وبالتالي فقد ولدت هذه الفترة الطويلة الكثير من التجارب والدروس لاعضاء وقيادة حزب البعث ، سواء بالتعاطي من متغيرات الحياة خارج الحزب او بالتعاطي مع المتغيرات التي شهدتها الحياة الداخلية للحزب .

 

أي ان صفة التجدد والتفاعل التي تميز بها  البعث ، خلقت عنده قابلية كبيرة للتكيف والتفاعل مع الاحداث ، وبالتالي فقد مكنت الحزب من الديمومة والاستمرار لفترة تناهز الثمانية عقود ، والثمانية عقود هذه قد مررت البعث في احداث جسام سواء على المستوى الداخلي للحزب او على مستوى احداث الامة والعالم ، والمرور بهذه الاحداث خلقت خبرة كبيرة لدى حزب البعث اعضاء وقيادة سواء في التعاطي مع المتغيرات السياسية او في التعاطي مع الفكر السياسي ، وهذه الخبرة التي اكتسبها البعث خلقت روحا امنيا عالية المستوى لدى قيادة واعضاء الحزب . تلك الروح التي خلقت بدورها جهاز مخابرات من الطراز الاول .

 

وهنا قد يتبادر الى ذهن القارئ الكريم ، سؤال مهم جدا وهو كيف ادت الخبرة السياسية والفكرية للبعث الى نشوء روح امنية عالية المستوى ؟!

 

ان الاجابة على هذا التساؤل المهم يكمن في فهم وادارك مسيرة البعث بعد عام 1958، واحد اهم احداثها واولها هي محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم من قبل مجموعة من اعضاء الحزب وعلى رأسهم الرفيق صدام حسين المجيد . فرغم اصابته الشديدة ورغم عدم خضوعه لعلاج طبي نظامي ، اصر الرفيق صدام حسين على ضرورة مغادرة الشقة التي التقى فيها منفذوا عميلة الاغتيال . ان اصرار الرفيق صدام حسين وان بدا حدثا عاديا متوقعا في مثل هكذا ظرف الا انه يعد المؤشر الاول لبزوغ فجر قائد رجال حنين نواة المخابرات العراقية الوطنية .

 

ان مغادرة الرفيق صدام حسين لتلك الشقة ومن ثم السفر الى سوريا بظروف صحية سيئة وتكبده عناء السفر بعد محاولة اغتيال فاشلة لرئيس الوزاء العراقي حينئذ ، لم يكن هروبا من المسؤولية او تجردا من فكر البعث . أي ان طريقة تفكير الرفيق صدام حسين كانت متناسبة مع ذلك الظرف فلم يستهن برد فعل السلطات الحكومية مثلما لم يتخلى عن فكره ومسؤوليته بل ان التزامه الفكري وانضباطه الحزبي حتم عليه الهروب ومغادرة العراق ، حماية لنفسه ولحزبه وكان على باقي رفاقه الاستماع الى نصيحة رفيقهم والعمل بها . ان هذه التجربة خلقت روحا امنيا عالية المستوى عند الرفيق صدام حسين المجيد والتي ستكون خير معين للرفيق صدام حسين في مسيرته الحزبية والقيادية وفي بناء جهاز المخابرات العراقي .

 

اما على مستوى الحزب فقد خلقت هذه التجربة .. تجربة اغتيال عبد الكريم قاسم درسا مهما له حيث تخلى عن مبدا الاغتيالات كوسيلة لتغيير الحكم واللجوء الى العمل السري المنظم داخل الجيش العراقي لاحداث انقلاب عسكري يطيح بحكم عبد الكريم قاسم.

 

ان محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم رحمه الله لم تكن حدثا عاديا عند حزب البعث ولم تكن مجرد تجربة اغنت العمل السياسي والامني للحزب او طريقة تعاطيه مع الاحداث فحسب بل كانت درسا طور طريقة تفكير البعث .

 

ان الحديث عن هذه التجربة نجد صداها في احداث عام 1963، حيث نجح البعث في اسقاط حكم عبد الكريم قاسم عن طريق الجيش .

 

وهنا نجد انفسنا امام تساول مهم اخر ، الا وهو كيف فشل البعث في الاحتفاظ بالسلطة بعد ثورة 14 / رمضان - 8 / شباط / 1963 ، وسقط حكمه في 18 / 11 / 1963 ؟!

 

ان اخفاق ثورة 8 / شباط  لم يكن بسبب خرق امني او خلل فكري في البعث انما بسبب الخلافات السياسية التي نشئت بين البعث وعبد السلام عارف ، خاصة وان شخصية عبد السلام عارف رحمه الله كانت ذات طبيعة انفعالية وعاطفية وارتجالية وكان يعتبر نفسه السبب الرئيسي في تفجير ثورة 14 / تموز / 1958 ، وان كان هنالك ثمة خلل في البعث فللأمانة نقول قد كان الخلل ممارسات الحرس القومي وردة فعلها على مجازر الشوعيين التي حدثت في عهد عبد الكريم قاسم بحق ابناء كركوك والموصل من التيار القومي البعثي والغير بعثي اضف الى ذلك تلكوء الحكومة " والبعث كان جزءا اسياسيا منها " في اجراء التغييرات الايجابية التي كان ينتظرها الشعب .

 

وفي حادثة تاريخية مهمة والتي تنم عن مدى نضج الحس الامني للرفيق صدام حسين المجيد وعن مدى نضج قراءته للاحداث الجارية ، فقد حذر الرفيق صدام حسين المجيد من فشل ثورة 14 رمضان قبل شهر تقريبا من سقوطها ، وذلك في الكلمة التي القاها في المؤتمر القومي السادس الذي عقد في دمشق بتاريخ 12 / 10 / 1963 والذي اصر الرفيق صدام حسين المجيد على حضوره الامر الذي جعل القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله واسكنه فسيح جناته يعجب بهذا الرفيق الشاب صاحب النظرة الثاقبة والتي دلت واكدت الاحداث التالية مدى صحة توقعاته وقراءاته للاحداث السياسية الجارية في العراق .

 

اما بعد سقوط ثورة 14 رمضان وعلى الرغم من حملة الاعتقالات التي طالت اعضاء البعث ، فقد اخذ دور الرفيق صدام حسين المجيد بعدا سياسيا وامنيا اكبر من ذي قبل حيث بدا في بناء " جهاز حنين "  نواة المخابرات العراقية الوطنية والعمل على استعادة السلطة.

 

الا ان محاولة البعث لاستعادة السلطة في ايلول 1964 لم يكتب لها النجاح فانكشف أمرها قبل يوم واحد من تنفيذها ، الأمر الذي أدى إلى قيام الأجهزة الأمنية الحكومية بشن حملة اعتقالات جديدة ضد أعضاء البعث قدر الله عز وجل ان يكون احدهم الرفيق صدام حسين المجيد بعد قرابة شهر ونصف الشهر على فشل تلك المحاولة حيث سجن مابين أواخر 1964 – أوائل 1966 .

 

وفي اوائل 1966 شاء الله سبحانه وتعالى ان يتم الافراج عن الرفيق صدام حسين المجيد حيث عادا مجددا الى نشاطه الحيوي في حزب البعث فلم يتخلى عن فكره ومبادئه ومسؤوليته الحزبية والاخلاقية ولم يساوم عليها . بل ان الرفيق صدام حسين المجيد بدا متمسكا بمبادئ وفكر البعث وبمسؤوليته الحزبية اكثر من ذي قبل واكثر اصرارا على اعادة بناء البعث بعد حملات الاعتقالات الواسعة التي طالت اعضاء وقيادة البعث في العراق في عهد عبد السلام عارف . وعلى اثر نشاطه في اعادة بناء حزب البعث حدث انعطاف كبير بدور الرفيق صدام حسين المجيد في حزب البعث ، خاصة بعد انعقاد المؤتمر القطري السادس في نهاية عام 1966 ، حيث انتخاب الرفيق صدام حسين المجيد عضواً في القيادة القطرية ، وبعد المؤتمر القومي التاسع للحزب في بيروت عام 1968 حيث انتخب الرفيق صدام حسين المجيد عضواً في القيادة القومية.

 

ومن خلال موقعه الجديد في حزب البعث ومن خلال مسؤوليته لجهاز حنين الجناح الامني العسكري للحزب وبعد ان قررت قيادة البعث بالقيام بثورة شاملة على النظام السياسي الضعيف والمتلكئ في العراق ، نجح الرفيق صدام حسين المجيد في اعتلاء اول دبابة ليدخل القصر الجمهوري وليفرض على الرئيس العراقي حينئذ عبد الرحمن عارف الامر الواقع في 17 / 7 / 1968 . الا ان ارغام البعث على قبوله التعاون مع عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية وابراهيم عبد الرحمن الداوود أمر الحرس الجمهوري جعل من الثورة المنتظرة مجرد انقلاب عسكري ، ولهذا ومن اجل احداث ثورة فعلية في العراق ومن اجل ا ن الا تتكرر اخفاقات ثورة 14 رمضان 8 / 2 / 1963 تم اقصاء النايف والداوود من مناصبيهما في يوم 30 / 7 / 1968 ، وبذلك تمكن البعث من تحقيق ما كان يصبوا اليه وبدون اراقة اي دماء على العكس مما جرى عقب ثورة 14 رمضان ، فاستحقت فعلا ان تسمى ثورة 17 – 30 تموز 1968 بلقب الثورة البيضاء .

 

من هنا نؤكد مرة اخرى بان عدم تبني البعث لايديولوجية النظرة الجامدة جعل منه حزبا عملاقا ذا مسيرة تاريخية غنية بالاحداث والتجارب والدروس والعبر تلك التجارب التي خلق لدى البعث روحا امنيا عالية المستوى وهي الشرط المسبق لقيام جهاز مخابرات وطني كفوء قادر على تنفيذ المهمام المكلف بها . ان الامر الذي قد يجهله الكثير منا خاصة من الشباب العربي والعراقي هو ان سر نجاح أي حزب او دولة مرتبط بمدى نجاح جهازه المخابراتي ، وسر نجاح جهاز المخابرات لا يكمن فقط في التدريب والتمويل انما يكمن  ايضا في الطبيعة البنيوية للجهاز ، والتي من اهمها طريقة تفكير القائمين على هذا الجهاز .

 

وبسبب طبيعة البعث وطبيعة الاحداث التي مر بها فقد تميز القائمين على جهاز المخابرات الوطني بميزة مهمة جدا الا وهي الثقة الكاملة بالنفس وتحدي الصعاب وقهر المستحيل وبذل كل الجهود في سبيل تحقيق الهدف المنشود وعدم الاكتفاء بالوصول الى حد معين فالبعث ثبت فعلا انه حزب لا حدود لطموحه .

 

ولتوضيح هذا الامر نقول ، في الحياة العامة نجد ان هناك اشخاصا ناجحين متميزين واخرين نجدهم اقل كفاءة او حتى فاشلين على الرغم من ان هؤلاء الاشخاص بدؤوا حياتهم بتميز وكفاءة .. فما السبب وراء تراجع ادائهم وكفائتهم وزوال تميزهم ؟!

 

لو تحققنا من الاسباب فاننا سنجد ان اولى الاسباب وراء ذلك التراجع ، هو لفقدان اولئك الاشخاص لعنصر الحماس والاصرار لتحقيق الهدف المنشود ، اما بسبب اكتفائهم بما وصلوا اليه وحققوه ، أي انهم وضعوا حدا لتميزهم فتميز عليهم الاخرون وسبقوهم . او بسبب الصعوبات التي واجهوها في مجال عملهم حتى استسلموا لها ففقدوا الثقة بالنفس على الاستمرار بالتميز والنجاح فلم يستطيعوا الحفاظ على تميزهم . واحيانا لسبب اخر وهو لانعدام عنصر التشجيع والتاييد والدعم وتقدير الجهود .

 

هكذا سنجد اسباب تراجع كفاءة وتميز الطالب او الاستاذ .. التاجر او الفلاح .. المهندس او الطبيب .. الجندي او  القائد أي كان موقعه في قمة هرم السلطة او في قمة مؤسسة او شركة ومنظمة او حزب ما.

 

وهكذا نستطيع ان نفهم طريقة تفكير قيادة البعث وطريقة تفكير القائمين على جهاز المخابرات الوطني ، اناس يسعون للتميز وتحقيق الاهداف التي لاحدود لها ولا حدود لطموح القائمين عليها مهما بلغت التحديات والصعاب ومهما غلت التضحيات .

 

ان قيام البعث ببناء جهاز مخابرات عراقي على اسس علمية وبرامج مدروسة بعناية فائقة وتخصيص وتوفير كل مايلزم من دعم مادي او معنوي من اجل قيام هذا الجهاز بواجبه على اتم صورة وافضلها ، قد عاد على العراق وعلى البعث بالخير الوفير .

 

ولتوضيح هذه المسالة دعونا نوضحها اكثر ، فبعد قيام ثورة 17-30 تموز 1968وبحسب توجيهات البعث لتحقيق استقرار سياسي وازدهار اقتصادي وثقافي واجتماعي وعلمي وعسكري ، فقد كان على عاتق البعث تحقيق عدة مهمام من اولها تاميم النفط والقضاء على الاقطاع وشبكات التجسس وحل القضية الكردية واستثمار الثروات الطبيعية وبناء صناعة مدنية وعسكرية ونووية على مستوى من الحيوية والنشاط لامجرد معامل متناثرة هنا وهناك او برامج على الورق او مشاريع متعثرة لا تلبي طموحات وحاجات العراق الحيوية .

 

ان الامر الذي قد يجهله الكثير منا هو ان تحقيق تلك البرامج والمشاريع والخطط ما كان لها ان تنجح فعليا لولا وجود جهاز مخابرات عراقي كفوء قادر على دعم تلك الاهداف بما يلزم لتحقيقها وللاستمرار فيها .

 

كيف ؟!

ان من بين مهام جهاز المخابرات وفضلا عن تقديم المعلومات السياسية والاقتصادية واعسكرية وتحليلها وكشف نوايا الاعداء والانداد والخصوم ، هو الحفاظ على ارواح العاملين في تلك المشاريع والخطط والبرامج خاصة العلماء او من هم طلاب اليوم وعلماء المستقبل ، ان الدولة العراقية لم تكن لتمتلك العلماء لولا وجود جهاز مخابرات كفوء قادر على تامين السلامة لهذا العالم او ذاك وسواء اثناء دراسته خارج القطر في الجامعات العالمية او سواء حين مباشرته للعمل في هذا البرنامج او ذلك المشروع . ونفس الشئ ينطبق على تاميم النفط او صناعة السلاح او البتروكمياويات واحيانا حتى على المشاريع الزراعية والاروائية والدوائية بل وحتى حينما تقدم الدولة على استيراد ماكنة او معدة مهمة لمشروع او مصنع مهم .

 

ان الدليل على ماتقدم هو تمكن العراق من تحقيق استقرار سياسي وازدهار اقتصادي وثقافي واجتماعي وعلمي وعسكري خلال فترة السبعينيات وحتى خلال الثمانينيات رغم الحرب التي فرضتها ايران والصهيونية العالمية ضد العراق ، وما حيازة العراق على الآلاف العلماء المبدعين في شتى الميادين المدنية والعسكرية الا خير دليل على صحة ما نقول .

 

نعم فبضل من الله جلى في علاه ومن ثم بهمة وحماس رجال البعث ورجال جهاز المخابرات فقد تمكن العراق العظيم من تحقيق كل هذه الانجازات ومن تحقيق النصر الساحق على ايران الصهيونية ومن دك عروش الرجعية والعمالة ومن قصف قلب تل ابيب ولاول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني المسخ ، مثلما تمكن العراق من الصمود امام اطول حصار ولا اقول اقتصادي فحسب ، فالصهيونية العالمية قد اصدرت اوامرها بفرض حصار شامل على العراق حتى وصل الامر ابتداءا من قلم الرصاص الى حبة الدواء الى كيس الطحين الى البعثات الدبلوماسية والعلمية والنشاطات الثقافية الاعلامية ، بل وصل الحال بالادارة الامريكية الى محاولة فرض تشويش الكتروني على القنوات التلفازية العراقية رغم ضالة وضعف الاعلام العراقي نتيجة الحصار مقارنة بالاعلام الصهيوني والمتصهين .

 

ان تمكن العراق من الصمود بوجه اعتى حصار شهدته الانسانية على مر العصور والعهود لم يكن محض اجراءات حكومية عادية مثلما قد يخيل للبعض تنحصر في سن قوانين اقتصادية واصدار قرارات سياسية ، كما هو في اصدار البطاقة التموينية او تقنين الكهرباء والوقود والاعتماد على التمويل الذاتي لبعض مؤسسات ودوائر الدولة العراقية . انما كان وراء هذا الصمود الاسطوري جهود متفانية من اجل الحفاظ على العراق اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا واعلاميا وعلميا وامنيا وعسكريا وسياسيا ، واول تلك الجهود التي بذلت في سبيل صمود العراق ومن ثم كسر الحصار الشامل عليه ، هي جهود رجال حنين .. رجال المخابرات العراقية .

 

وقد يتسال البعض عن تلك الجهود ، بل وقد يشكك فيها عن نية سوء او عن جهل بما كان يجري ؟!

 

وهنا نوضح بان احدى صور تلك الجهود التي مكنت العراق من الاحتفاظ بقدر مهم من قدراته العلمية والاقتصادية والصمود بوجه الحصار الشامل .. هي جهود رجال المخابرات في الحفاظ على علماء العراق من الخطف والتهريب و القتل الاعاقة و التجسس و المراقبة خاصة وان فرق التفتيش سيئة الصيت التي بعثتها الامم المتحدة لتجريد العراق من اسلحته الحيوية ومن القدرة على تصنيعها "وعلى تصنيع الكثير من المنتجات المدنية " والعقول هي احدى مكونات تلك القدرة بل هي اهم من المصانع والمعدات والالات التي تستخدم في صناعة تلك الاسلحة والمنتوجات المدنية .

 

ومن بين تلك الجهود، الجهود التي انصبت في جانب العسكري ومنها على سبيل المثال ما تمحور حول الدفاع الجوي العراقي ومعرفة الطلعات الجوية التي تقوم بها طائرات العدو الامريكي البرطاني لمراقبة الاجواء العراقية والتجسس على مايجري على ارض العراق العظيم ، من بناء ومشاريع وتمارين تعبوية للقوات المسلحة وتحركات لواحدات الجيش العراقي فضلا عن التجسس على القيادة العراقية وكبار المسؤولين والضباط والعلماء . ان جهاز المخابرات كان احد اهم الوسائل المتاحة للقيادة العراقية في معرفة طلعات طائرات العدو مساراتها ومناطق اقلاعها وهبوطها ، وهنا لابد ان نذكر ما صرح به الشهيد طه ياسين رمضان رحمه الله واسكنه فسيح جناته امام عدد من الشبكات الاخبارية العالمية  وعرض حينها شريطا مصورا لقلاع الطائرات الامريكية من مطارات كويتية ، على عكس ما كانت تدعي به الحكومة الكويتية بان الطائرات الامريكية المكلفة بمهمام مراقبة الاجواء العراقية لاتنطلق من المطارات الكويتية .

 

ولم تكتفي القيادة العراقية بعرض ذلك الشريط المصور ومسارات الطلعات المعادية بل عرض خرائط لمسار طائرة اليو تو (U2) الامريكية التجسسية المتطورة والتي تحلق على ارتفاع 27 كم وهو اقصى ارتفاع وصلت له طائرة في العالم حتى ان قائد الطائرة يرتدي بزة طيار خاصة شبيهة ببزة رواد الفضاء ، الامر الذي شكل صدمة للسي اي ايه وللقوات الجوية الامريكية لان العراق لم يكن قادرا على رصد طائرة اليوتو حسب معلومات المخابرات الامريكية .

 

وبعد مدة تمكنت القيادة العراقية من تفجير احدى المفاجئات ، حيث تمكن الدفاع الجوي العراقي من ارغام واحدة من اهم واحدث الطائرات الامريكية التجسسية وهي طائرة البراديتور (الفك المفترس) على الهبوط في احدى المطارات العراقية وهي على اتم سلامتها ، ومن الجدير بالذكر فان طائرة البراديتور هي طائرة الية يتم التحكم بها عن بعد مئات الكليومترات وتملك القدرة على تنفيذ مهمام قصف جراحي دقيق كاغتيال الشخصيات المهمة وقصف المواقع السرية فهي طائرة تجسس وقتالية خاصة معا .

 

ان تمكن الدفاع الجوي العراقي من ارغام البراديتور على الهبوط في مدرج عراقية وهي سالمة ، يعكس لنا مدى نجاح المخابرات العراقية في اختراق واحدة من اهم اسرار الصناعات العسكرية والعلمية المتطورة في الولايات المتحدة الامريكية ومعرفة خصائص تلك الطائرة وطبيعة استخدامها والية طيرانها والتحكم بها .

 

ما الذي يعني هذا لنا ؟!

ان جهود جهاز المخابرات العراقي اعلاه مكنت العراق من الحفاظ على العديد من منشأته ومعداته الحيوية وانقذها من قصف طائرات العدو الامريكي البريطاني حيث شن العدو اربع حملات جوية " سميت بعدوان الرجعة الاولى والثانية والثالثة والرابعة" مابين عام 1991 وعام 2003. 

 

اما في جانب المدني والسياسي ، فقد بذلت المخابرات العراقية جهودا جبارة اخرى لاتقل اهمية عن ما بذلته في الجانب العسكري . حيث وفرت معلومات كافية للقيادة العراقية عن خطط وستراتيجيات العدو لتقويض العراق وتعريض امنه القومي للخطر. فلولا جهود رجال المخابرات لما تمت عملية تقويض الحصار ، حيث استطاعت المخابرات العراقية من استمالة عدد مهم من المسؤوليين في الامم المتحدة للموافقة على برنامج النفط مقابل الغذاء الامر الذي انعكس ايجابيا على الحياة المعاشية للمواطن العراقي وبداءت دوائر الدولة باعادة تطويرها وانماء قدراتها .

 

ان ما بذلته المخابرات العراقية من جهود لتمكين العراق من الحفاظ على قدراته وامنه القومي والصمود بوجه الحصار الشامل سيكتبه التاريخ بكل فخر واعتزاز بهذا الجهاز الحيوي الذي قدم للعراق ما لم يقدمه احدا غيره ، هذا الجهاز الذي اشرف الرفيق القائد صدام حسين المجيد بنفسه على بناءه وتغذيته بارقى الكفاءات والخبرات وتمنيته تنمية علمية مدروسة ليضاهي بذلك اجهزة المخابرات العالمية كي جي بي والسي اي ايه . واغنته تجارب البعث عبر تاريخه الطويل بالعديد من الدروس وكان صاحب الفضل الاول في خلق الروح الامنية الناضجة.

 

يتبع الجزء الثالث .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الرفيق رافت علي والمقاتل النسر

بغداد الجهاد

١٣ / شبــاط / ٢٠١١

 

 





الاحد١٧ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رافت علي والمقاتل النسر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة