شبكة ذي قار
عـاجـل










• الديمقراطية الأمريكية .. وسيلة غير تمثيلية في الداخل .
• الديمقراطية الأمريكية .. أداة إستراتيجية تدميرية في الخارج .
• العالم كله .. لا يحتاج إلى الديمقراطية الأمريكية .
• لأن الشعوب .. تصنع ديمقراطياتها على مقاساتها، وكما تريد !!


في مقال سابق نشر تحت عنوان " هل توجد في علوم السياسة خرائط نهائية ؟ " استعرضت فيه النظريات الأمريكية التي تنتجها مراكز الأبحاث الأمريكية، وفي مقدمتها نظرية " الفوضى الخلاقة " وتوقفت عند جذورها الفكرية وبديهياتها وأهدافها .. ووجدت أن " الديمقراطية " الأمريكية أحد أهم وأخطر أدوات هذه النظرية ، فما هي شكل هذه الديمقراطية ، وما هي قاعدتها الفكرية ، وما هي منطلقاتها وأهدافها ، وفيما إذا كانت تتلائم مع الواقع العربي الإسلامي أم تختلف من حيث المنطق والمفهوم ؟!


لقد أستعرض " ناتان شارانسكي" أحد منظري الفوضى المنظمة في كتاب له صدر عام 2004 تحت أسم ( The Case For Democracy – the power of freedom ) ، فلسفة الديمقراطية ، ويبدو أنه يعكس الإستراتيجية الأمريكية في وجهها النظري المعد للتطبيق، والتي جاءت في خطابين للرئيس الأمريكي بوش الصغير أحدهما في واشنطن والأخر في لندن، تأسيساً على مغالطة تشير إلى " أن المجتمعات الديمقراطية لا تروج للإرهاب الدولي، بينما المجتمعات غير الديمقراطية فهي تنتج الإرهاب الدولي .. وعلى هذا الأساس من الفهم المغالط .. فأن الإستراتيجية الأمريكية ينبغي أن تساعد المجتمعات غير الديمقراطية في العالم من أجل نيل الديمقراطية ) !!


وينطلق مفهوم الديمقراطية الأمريكية من فكرة تتسم بمغالطة فاضحة تقول ( إن مجتمعات "الخوف" تعتمد على العنف للحفاظ على سلامتها ، فيما تستخدم الحرب والتهديد والإرهاب نهجاً في سياستها الخارجية .. وعلى هذا الأساس ينبغي هزيمة مجتمعات "الخوف" ، إذا أرادت المجتمعات "الحرة" أن تعيش بأمن وسلام ) !! .
ويُذكَرْ أن " شارانسكي " أول من أيد استخدام القوة ضد العراق، على أساس أن العراق مصنف في دائرة مجتمعات " الخوف " ، التي تفتقر إلى الديمقراطية الأمريكية، وهو الأمر الذي - حسب شارانسكي – يستوجب حرمان النظم المعنية من الدعم المالي والتكنولوجي والسياسي حتى والدعم العسكري .. وهي الحالة غير الديمقراطية التي تشير إلى وجوب أن تكون النظم ومجتمعاتها مطابقة لنهجها ومسايرة لمنهجها السياسي مع السياسات الأمريكية وإلا فأنها تعتبر مجتمعات " خوف " غير ديمقراطية !!


ويصب " شارانسكي " اهتمامه الخبيث على الوطن العربي بشكل خاص وعموم الدول الإسلامية، وذلك بافتراضه مقولة " إن العرب والمسلمين ليسوا مهيئين للديمقراطية، الأمر الذي يستوجب نقلهم إلى الديمقراطية " !! ، ولكن الديمقراطية كما نعرفها هي منهج حياة اجتماعية، وليس عملية سياسية انتخابية يتربع بعد إجرائها الرؤساء والنواب على قمة مؤسسات الدولة الرئاسية والنيابية، وينتهي كل شيء حسبما هو جار العمل في الولايات المتحدة، التي يحتكر فيها حزبان رئيسان السيطرة على مجتمع تعداده تقريباً (350 ) مليون نسمة ، وهما لا يمتلكان القاعدة الشعبية التي تؤهلهما قيادة المجتمع الأمريكي، ولا تدعان أي من مكونات المجتمع الأمريكي القيام بتشكيل حزب المجتمع الأمريكي .. وليس من المنطق الديمقراطي أن يحتكر حزبان رئيسان في الولايات المتحدة السلطة السياسية في البلاد ، وتسمح الولايات المتحدة في ظل الاحتلال الأمريكي بتشكيل أكثر من (168) حزباً في العراق ؟! ما الهدف من ذلك ؟ هل هو الديمقراطية ؟ وإذ يزعم شارانسكي لسان حال أمريكا أن العرب والمسلمين غير مؤهلين للديمقراطية ، فكيف تسمح سلطات الاحتلال الأمريكية بأن يتأسس في العراق هذا العدد غير الطبيعي من الأحزاب غير المؤهلة وغير المستوفية لشروط العمل السياسي ؟ ألم تكن من أجل الفوضى والتخريب الداخلي وتمزيق الشعب العراقي ؟!


.. ليسوا مؤهلين لتطبيق الديمقراطية ، هذا كلام صحيح ولكنه ناقص، لأن المجتمعات العربية والإسلامية تعرف الديمقراطية قبل أن تظهر أمريكا ومجتمع المهاجرين فيها إلى الوجود ، ولكن النظم العربية الإستبدادية الأوليكارشية لا تسمح بأن تزاول هذه المجتمعات ديمقراطيتها ، وإن قاعدة الفكر الديمقراطي العربي الإسلامي كائنة ومهيأة للتطبيق " وأمركم شورى بينكم " .


أمريكا لا تسمح بالتعددية الحزبية والسياسية، ويحتكر السلطة السياسية فيها حزبان هما الديمقراطي والجمهوري بالتناوب ، وتمنع تشكيل أحزاب المجتمع الأمريكي المكون من أجناس وقوميات وأديان مختلفة تفصح صيرورتها عن مكونات ما تزال منذ ثلاثة قرون لم تنصهر بعد لتشكل (شعباً موحداً)، لأن ذلك يعد من المستحيل، إذ أن المجتمع الأمريكي هو شعب مهاجرين ينتمون إلى قوميات وأديان ومذاهب من كل بقاع العالم المختلفة، حتى أن هذه المكونات ما تزال تعبر عن نفسها في شكل (كانتونات ) بعضها يسمى الحي الصيني ، والحي العربي ، والحي الأسيوي، والحي الأفريقي ، والحي اللآتيني ، والحارات اليهودية المنتشرة في كل مكان، فضلاً عن مناطق السكن الأوربية على اختلاف دولها ، مثل الحي الإيطالي التي نعشش فيه المافيا الإيطالية ، والحي الروسي والإنكليزي في مناطق واسعة في الشمال .. إلخ من المسميات الحقيقية الكائنة على الأرض .


فهل يمكن أن نقول أن في أمريكا ديمقراطية حقيقية أم ديمقراطية للانتخابات تديرها شركات عملاقة لما وراء البحار تتولى الإنفاق على الانتخابات وتُصَعْد بالتزكية هذا الرئيس أو ذاك وحسب مصالح الشركات وبتزكية من (الإيباك) الصهيونية في الاختبار النهائي للمرشح الرئاسي ولطاقمه النفعي والصهيوني ؟!


أمريكا تريد أن تصًرفَ على العرب والمسلمين ديمقراطيتها المتفسخة من خلال أطروحات (روبرت غيتس) وزير الدفاع ، و (هيلاري كلنتون) وزيرة الخارجية ، والناطق الرسمي للبيت الأبيض، حتى الرئيس أوباما ، حيال الثورة في تونس ومصر التي هزت ليس المنطقة العربية برمتها إنما فضحت ديمقراطية أمريكا وأخواتها الغربيات .


يقول شارانسكي .. " إن العرب يحكمون بواسطة حكام مستبدين ، ويقرءون صحفاً تخضع للرقابة ، ولا رأي لديهم في سياسات بلدانهم " ، فيما يشير إلى أن الكيان الصهيوني ومصر ليسا في حالة سلام، لأن المشاعر المصرية هي في حقيقتها ضد الكيان الصهيوني أكثر مما كانت عليه قبل اتفاقية " كامب ديفيد " وإن هذا الكيان قد أصاب الفلسطينيين بالشلل من خلال هذه الاتفاقية، لأن الفلسطينيين - حسب زعمه – لم يصبحوا شعباً ديمقراطياً بعد ". بيد أن محادثات (أوسلو) و (واي ريفر) كان الجانب الأمريكي ومن معه قد اهتموا بقضية التلفيق والغش والمخادعة في قضايا أساسية من أجل وضع أطر خاوية من أي مضمون .


أين هي الديمقراطية في هذا ؟! هل استشار أنور السادات الشعب المصري حين ذهب إلى الكيان الصهيوني وألقى خطابه في الكنيست الإسرائيلي وتفاوض مع القيادة الصهيونية ؟ وهل استشارت القيادة المصرية الشعب المصري حين تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد ، وهل كان يدرك بأن هذه الاتفاقية مجحفة بحق مصر ومكانتها ومذلة لشعبها ؟! .. كما حسني مبارك ، هل استشار الشعب المصري حين أقدم على عقد اتفاقية بيع الغاز إلى الكيان الصهيوني بسعر بخس في الوقت الذي يعاني فيه الشعب المصري من الجوع والحرمان ؟! وهل تحدث حسني مع (ضميره) الميت حين اكتنز ما بين (40 إلى 70 ) مليار دولار خلال فترة حكمه التي دامت أكثر من ثلاثون عاماً وشعبه يعاني من المرض وشظف العيش ؟! وهل وقف مرة واحدة أما هذا الضمير حين كرر تزوير الانتخابات، وملء السجون بالوطنيين المصريين ؟


والغريب في الأمر أن الأنظمة العربية تتشبث بالشرعية الدستورية ولا تعمل بالديمقراطية ؟! وهنا تنشأ إشكالية من نوع خاص .. تتمثل في أن الشعب هو مصدر السلطات، وإن الشعب هو الذي يصنع الدستور وهو الذي يضفي عليه الشرعية ، ومن دون الشعب لا وجود للشرعية ولا للشرعية الدستورية .. فالإشكالية هنا في المنطقة العربية هي (الديمقراطية) .. ولكن أي ديمقراطية نعني ؟! ديمقراطية الغرب الإمبريالي .. قطعاً لا ، إنما الديمقراطية الشعبية، التي يطالب بها الشعب بعيداً عن ما يسمى بالائتلافات السياسية التمثيلية القائمة على محاصصات الأحزاب والفئات والواجهات والطبقات ، التي تفرق الشعب وتوزعه حصصاً وشراذم .


إذاً .. الديمقراطية الشعبية التي يريدها ويطالب بها الشعب العربي على وجه الخصوص تقوم على أساس المواطنة أولاً وعلى وفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية التي تكفل التمثيل الحقيقي والجوهري للشعب على مستوى التمثيل البرلماني وعلى مستوى التمثيل الرئاسي .


يؤشر "شارانسكي" في مغالط الديمقراطية ( ولأن فرنسا وألمانيا ديمقراطيتان، فأنهما لن تدخلا في حرب ) ، والمعنى في ذلك أن الديمقراطية لا تشن الحرب، وإن الدول غير الديمقراطية تشنها .. ولكن أمريكا " الديمقراطية" شنت حروب عدوانية متعددة وفي أماكن متعددة، بعضها أسمتها حرب ضرورة ، والبعض الآخر أسمتها حرب اختيار، وهي " ديمقراطية " !!


فالمسألة هنا مغالطة مطروحة تسمى الديمقراطية، وتحت يافطتها تقترف أبشع الجرائم ضد الإنسانية، ومنها جرائم الحرب والإبادة الجماعية . والحرب تشن ، كما هو معروف، إذا ما تعرض كيان الدولة إلى الخطر الخارجي، فهي دفاعية بالضرورة، ولا مسوغ لغيرها غير الحرب التوسعية العدوانية ، فهي بهذا المعنى حرب هجومية ذات صبغة استعمارية توسعية.. فهل كان احتلال العراق وتدميره حالة دفاعية ؟!


في المسألة الفلسطينية والمغالطة التي تعالج فيها .. أن " الديمقراطية هي التي تحل قضية فلسطين " . والمعنى في ذلك أن الكيان الصهيوني (ديمقراطي)، ومن أجل الوصول إلى حل يتوجب أن يصل الفلسطينيين إلى الديمقراطية من أجل حل قضيتهم !! ، فهل أن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم المحتل الاستيطاني الصهيوني منذ أكثر من ستين عاماً يحتاج إلى ديمقراطية غربية لكي يحل قضيته المشروعة ؟! فيا لبؤس منطق الديمقراطية الأمريكية الساقطة في حضيض الاستعباد والاحتلال والعدوان .


فمنذ متى كانت الديمقراطية ضمانة ضد الحرب .. فقد داس بوش الابن على الديمقراطية في بلاده وذهب إلى الحرب ضد العراق ، واستهان بديمقراطية المجتمع الدولي وشن الحرب ، وتجاهل القانون الدولي والمنظمة الدولية، وتجاوز على مبادئها ولوائحها وأعلن الحرب.. فأين الديمقراطية الأمريكية التي يتحدث عنها شارانسكي ؟ وأين الشعب الأمريكي الذي يؤمن بالديمقراطية من هذه التجاوزات ؟ وأين المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة من هذه الاستهانة ، وبالتالي أين القانون وشرعيته الدولية من الحرب العدوانية في ظل الديمقراطية الأمريكية ؟


إن مقولة " الديمقراطية " الشرط المسبق لحل النزاعات التي تنشب بين الدول كفلسفة امريكية صهيونية ، هي مقولة مضحكة تلغي القانون الدولي وتلغي أحكام ميثاق الأمم المتحدة، كما أنها تفتقر إلى المنطق في تسويقها ، لأن الكثير من النزاعات حلت بالوسائل السلمية ولم تكن للديمقراطية الأمريكية من حضور أو فعالية حاسمة في هذا الأمر !!


فإذا كان " شارانسكي " مُنَظِر الديمقراطية الأمريكية يعتقد أن مستقبل الحرية في المنطقة العربية يعتمد على احتمال انتصار الديمقراطية في أحد حروبها ضد الشعوب، فأن الديمقراطية الأمريكية لا تصلح حلولاً لمجتمعها الأمريكي ، فكيف تصلح حلولاً لمجتمعات أخرى ؟!

 

 





الجمعة١٥ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة