شبكة ذي قار
عـاجـل










التغيير سنة الحياة , والارتقاء قانون عام , والتأريخ يسَجَّل مرتين .. مرة بيد أمينة هي اليد التي تنتصر لإرادة الحياة بالحق والاتجاه الجمعي ،  ويد أخرى طارئة أول خصالها إنها لا تصدق إنها أنجزت ما تمسكه أو لأنها متيقنة أن ما تمسكه قد وضع في كفها بواسطة يد أخرى ،  ونحن الآن نتلامس مع زمن التزوير أكثر من تلامسنا مع زمن التأريخ الأمين الصادق. والأعمال بالنيات ليس مجرد موقف ذاتي متداول ،  بل هي حكمة ومنطق وجدل فيه قدر كبير من الروحانية والقدسية واليقين ،  ومنه ننطلق إن نيات وتوجهات ثوّار شباط من أسُود البعث تنطلق ليس من سرائر صادقة نقية فقط ،  بل كانت نوايا مفعمة بآمال الشعب ورجاء الفقراء والمعدمين وضحايا الفقر والجهل والإنسانية المستلبة. ثورة شباط كانت مشروع تحرر لإدراك مستوى الحرية الذي يمثل الممر الوحيد لتطبيق الديمقراطية.

 

مجتمعاتنا لم تنتقل انتقالا طبيعيا وطوعيا لما يطوّق عنقها الآن من ديمقراطية دعيّة مزيّفة وانتخابات لتداول السلطة أجبرتها عليها وأقحمتها القوة الامبريالية والصهيونية الغاشمة والمحاصصة التي ينظر لها الطوائفيون الآن على أنها قدر أزلي كان مطمورا تحت سطوة الدولة المركزية الشمولية حتى أخرجتها أميركا من قمقمها وأطلقت لها العنان لتمزق وحدة الوطن وتُطيح ،  في نواياها على أقل تقدير ،  بوحدة الأمة. غير إننا نحن نخوض في تأريخ التزييف. التاريخ الذي صار فيه البعض شهود زور حتى على تتالي أنفاسهم وعلى حواضر لم تنقرض وشواهد انجاز لمّا تزل أناشيد التغني به , وقصائد تمجيدها تصدح في الأذان. إن إلغاء الحرية والسيادة تحت ادعاء زائف وباطل هو تطبيق الديمقراطية إنما هو تزوير يستهدف تطويق الروح والمنهج والتطبيقات الثورية التحررية وينفذ عبر هذا التزوير والانتهاك الصارخ لحقوق الأوطان والإنسان لتطبيق نهج استعماري جديد.

 

الفكرة الأساسية , بل التحدي الجديد , في أن نحزم أمرنا ونحدد اتجاه خطانا ونجزم : هل كانت ثوراتنا ومنها ثورة 8 شباط المجيدة انقلابات غايتها تغيير السلطة وعبّرت عن نوايا محددة لنخبة سياسية , أم إنها اتجاه فعل وتغيير جذري تصدت له الطليعة المؤمنة الواعية الثائرة المنبثقة من رحم الشعب وتطلعاته وإرادته وطموحاته. نحن علينا أن لا ندافع ،  بل علينا أن نقتحم .. فزمن الثورات لم تلغه أبدا أحجية الديمقراطية المصدّرة بفوهات المدافع وقوة دفع ولهب الصواريخ. الثورة ما زالت وستبقى هي سبيلنا الوحيد لتحقيق إرادتنا الوطنية الحرة المستقلة وإرادتنا القومية الإنسانية ووحدتنا الحلم. والمنطق المبدئي سيجعلنا نعلن عن التمسك بالثورة وبنهجها لأنها ليست مجرد عمل نخبة طليعية منقلبة على ذاتها وليست مجرد قوائم من نوايا طيبة ،  بل هي المنفذ للحرية والديمقراطية فضلا عن كونها المفتاح لتحقيق النمو والتقدم والازدهار. والمنطق أيضا إن هكذا منهج لا يمكن أن يكون مستساغا أو مقبولا من القوى المضادة لثورة العرب من امبرياليين وصهاينة وفئويين وطوائفيين أنتجهم عصر الديمقراطية بالغزو العسكري واستلاب السيادة!!

 

لا نعني أبدا إننا ضد الديمقراطية و لا نعني إننا نرفضها كطريق لتداول السلطة طبقا للتعاريف التي اختزنتها ذاكرتنا الموجوعة. ولكننا نعني إن حال امتنا موبوءة بالجهل والتخلف والفقر. وأنظمتنا لم ترتق بعد إلى مستوى إدراك بديهية الطبيعة الخدمية المسلّم بها للدولة , و رجال السياسة عندنا لا يضعون المصلحة الجمعية فوق الأنا التي تحكم رقابهم وتعزل بإتقان حركة الرأس عن حركة الأطراف. وعلى هذا فان التغيير الجذري الشامل الذي يرتقي إلى مستوى إرادة الخالق الجبار العظيم التي عبّر عنها بتغيير الذات الجمعية كيما تتغير ظواهر المرفوض في واقع الحال (أي الانقلاب). الثورة التي تعني تحقيق عوامل الانقلاب على الذات وتحريرها بعوامل وتفاعلات شخصية هي حاصل مخاض الاصطراع بين مكونات الانتكاس والوهن وبين عوامل النمو والازدهار وما هو مشرق من الأفعال والنتائج.

 

إذن الديمقراطية , مرحلة , تبلغها الشعوب المطوّقة بعوامل الانحطاط , عن طريق الثورة بواسطة الطليعة التي تمكنت من الوصول إلى الانقلاب على الذات طبقا لقانون رب العزة وصارت لا تمثل نفسها كمجموعة موصوفة بحزب أو حركة ،  بل هي العينة القادرة على استلام السلطة ليس لكي تصبح ذات مال وجاه وسلطة ،  بل لكي تستخدم السلطة لنقل الشعب كله عبر برامج الثورة الشاملة الجذرية ليكون بمواصفات الطليعة أو يقترب منها اقترابا يجعل تنفيذ برامج الحداثة ومنها الديمقراطية , كسمة من سمات مؤسسات الدولة ،  هو ناتج طبيعي وليس إقحامي. وهذا بعض مفهوم الدور الرسالي الذي تعلمناه في عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي , العقيدة القومية التحررية الاشتراكية الوحدوية المؤمنة. في عالم العلوم مثل , ليس بوسعنا أن نطلب من حامل البكالوريوس أن يكون باحثا علميا لأنه غير مؤهل علميا وفكريا وليس لانتقاص مقصود بشخصه في حين يمكننا أن نسلمه مهام مساعد باحث تحت قيادة حامل الدكتوراه الذي إن لم ينتج بحوثا تتضمن نتائج وأفكار جديدة فهو لا يستحق أن يحمل اللقب العلمي مثلما سيكون محض هراء أن نطلب من فلاح أو مزارع القيام بتجربة تطفير وراثي لإنتاج صنف جديد من الرز أو الحنطة أو سلالة جديدة من النعاج. وفي عالم العسكرية يتجسد مفهوم الطليعة على أحسن ما يمكن حيث ثمة تدرج موصوف بالتفصيل بين القيادة بتدرجها المعروف وبين المعيّة التي تمثل السواد الأعظم من قطعات الجيش. معنى هذا إن دور الطليعة الثائرة هو إنتاج الحرية التي لا يستطيع الشعب إنتاجها ككتلة جمعية متفاوتة في مستويات الانقلاب على النفس طبقا لتعرضه لعوامل التفرقة والتجزئة والفقر والجهل وغيره , ومن ثم منح الشعب فرصته الكاملة للانتقال بسلسلة خطوات ميدانية اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية تجعله مؤهلا لإنتاج نظامه الديمقراطي. أما الديمقراطية بالاحتلال بالقوة الغاشمة فهي استلاب للحرية التي بدونها لا يمكن أن تكون هناك تطبيقات أو نظام حكم ديمقراطي البتة.

 

هنا مفارقة الإقحام التآمرية التي تقودها أميركا والصهيونية وتجند معها (مرحليا) شرَه الصفوية الفارسية الباحثة عن انتصار لها تحت أجنحة طائرات أميركا. إنهم يريدون من الديمقراطية المزّيفة أن تبتلع دور الإنسان الموصوف ربانيا بالتغيير وصولا للانعتاق. ليس من المنطق أن تكون الامبريالية والصهيونية بديلا لإرادة الحرية والتحرر والانعتاق لان كليهم , إن نظرنا جدلا لهما ككيانين منفصلين.. ولا حتى الذات الامبريالية الصهيونية تغالط في الانتماء إلى إرادة الشعوب ،  بل هي تدرك إنها تسعى لتحقيق أغراضها الاستعمارية والاستثمارية الاقتصادية التي تعزز سطوتها كاتجاه حكم وكسلطة منهج بعينه. إنهم يخلطون بطريقة مجحفة بين مرحلة التحرر وامتلاك نواصي الحرية وبين الديمقراطية لأنهم يريدون منعنا من تحقيق التحرر والحرية ويقفزون بنا إلى ممارسة لا نرفضها قطعا لكننا غير منتمين إلى زمنها انتماءا منطقيا وعلميا يجعل منها ممارسة تخدم تطلعاتنا حقا بل محض خداع. إنهم يدبرون المؤامرة تلو الأخرى ليجبرونا على القبول بنظريتهم التي تسوّق منهجهم الديمقراطي على حساب منهجنا الرسالي في تغيير أحوالنا بالتحرر من ربقة عبوديتهم واستغلالهم الجشع لنا ولثرواتنا وتغييبهم القسري لإنسانيتنا. إنهم هنا يضعون أشد أدوات التعسف لإرغامنا على القبول بفكرة امبريالية صهيونية هي أن نستسلم لمنطق إننا طوائف لا تصلح للعيش في وطن واحد و أقليات دينية وعرقية ليس بوسعها التعايش وان علينا أن نقبل الديمقراطية التي هي ليست تداول السلطة بالانتخابات ولا هي إدارة مؤسسات الدولة بما يحقق مشاركة الجماهير والشعب في انجاز خطوات الحياة اليومية ،  بل هي الانفلات من حالة الوحدة الوطنية والنزوع إلى التمرد الأهوج على جغرافية الوحدة المجتمعية. إنهم يغتالون فكرة الثورة ليسود مكانها التغيير بأدوات التمزيق والتفتيت وإنهاء الوجود الوطني وصولا إلى إلغاء تدريجي لمفهوم الوجود القومي. والمحنة التي نحن إزاءها إنهم يحافظون بالروح وبالدم وبالعدوان الغاشم وبالاقتصاد القوي والمال الفعال على كل ما يريدوننا أن نتخلى عنه ،  بل يرغموننا على أن نفهم الديمقراطية على إنها وسيلة لخنقه والتخلص من حاضره ومن ارثه.

 

إذن .. نحن في مفترق طرق .. بين أن نعود إلى منهج الثورة بقوة وبإرادة لا تلين لنحقق الحرية أولا ومن ثم نعانق المنظومات الدولية التي سبقتنا بأرقى معاني الديمقراطية. ننتخب ونتداول السلطة ونحرر الفكر والإعلام ونفصل السلطات ونطلق العنان للتظاهر والاعتصام والإضراب في مجتمع يضع الوطن فوق الأنا أو فوق تجمع القبيلة أو الفئة أو الحزب. أما أن نقبل بديمقراطية تقفز فوق إدراكنا وممكنات عيشنا وقدراتنا الفكرية الجمعية فضلا عن كونها ديمقراطية بلا حرية  فهذا يعني إننا نستسلم لإدارتهم لنا ونعلن عن عبوديتنا إلى يوم الدين .... من جهة وبين أن نتعلق بحبال الهواء في ما يصدرونه لنا من مفاهيم وقيم ويرغموننا على أن ننقاد لها تماما كما لو أنهم يطلبون من حامل البكالوريوس أن ينتج علما جديدا. ولكي لا ابتعد كثيرا عن الفكرة اؤؤكد إن منهجنا الصحيح لنصل إلى التطبيقات الإنسانية التي سبقنا إليها العالم المتقدم ،  فان ليس أمامنا إلاّ أن نثور بذات الطريقة التي ثار بها البعث عام 1963 ليوفر الفرصة , عبر الطليعة , لكل الأمة كيما تنهض وتنتقل بإرادة جمعية إلى مستوى الوصف بأنها انقلبت على النفوس وأنتجت نفوسا بمعاني الوعي والفكر والثقافة والإدراك المؤهل لممارسة أنماط الحياة الحديثة. وفي كل هذا علينا أن نمسك بقوة بما انجزناه فعلا على هذا الطريق وان لا نتركه يضيع بيد كتاب التاريخ العاهر فنحن قد أنجزنا بثورتنا المكملة لعروس الثورات عام 1968 انتخابات برلمانية ومهنية ونقابية واسعة ونفذنا استفتاءات رئاسية حتى لو لم تعجب البعض ممَن سقط في معسكرات غسل الدماغ المخابراتية وارتضى لنفسه أن يكون جسرا تعبر عليه إرادة الغزو والاحتلال وتقزيم إرادتنا كشعب وكأمة في كل شئ بما في ذلك انتقاء طريقنا الخاص في تأسيس الديمقراطية التي تتماشى مع درجة تحررنا ودرجة التمدن التي أوصلنا لها شعبنا وامتنا.

 

إن فشل أميركا الغازية ومن اعتمدتهم كواجهة خيانية يتأتى في تقديري المرتبط بوعي العروبي القومي البعثي المؤمن من أن أميركا لم تُدرك إن عملاءها لم يتحرروا ولم ينقلبوا لكي يمارسوا الديمقراطية التي أقحمتها أميركا كلعبة سياسية تغطي بها على منهجها الاستعماري لا أكثر ولا اقل. وأميركا لم تدرك إن عملاءها كانوا يتظاهرون بالفهم فقط وهم لا يفقهون شيئا في حقيقة الأمر واعتقدت إن بقاء معظمهم في معسكرات التدريب التي وظّفتها لإعدادهم قد غسلت أدمغتهم ليمارسوا الحد الأدنى من التطبيقات التي تساعد وجه أميركا البشع على التلون بصبغة من الجمال المفتعل. لقد أقحمت أميركا مناهج فوق مستوى الإدراك لعملائها فأغرقتهم في تطبيقات ليسوا أهلا لها ولا ينتمون إلى جوهرها لأنهم عبيد وفاقد الشئ لا يعطيه. وكان الصدام بين أحرار العراق والأمة وبين منهج أميركا الذي قادها إلى قرار الغزو والاحتلال هو صدام بين منهج الحرية أولا وبين منهجها في إقحام المفهوم الليبرالي للديمقراطية كغطاء لتقاطع المصالح بين ثوار الأمة المؤمنين بوحدتها وحريتها والعدل الإنساني الاجتماعي المنشود. والاستنتاج الأهم هنا هو إن أميركا لم تكن تريد تطبيق الديمقراطية لأنها تعرف يقينا إن أدواتها غير ديمقراطيين بل جهلة فئويين عرقيين وكلاب مسعورة تلهث لسلطة تمنحهم فرصة نهب المال العام.

 

إن العجب العجاب هو أن يركب البعض على  حافات منهج الغزو والاحتلال ويسمونه تحريرا في حين يستهجنون فكرة الانقلاب أو الثورة ويعتبرونها تعبيرات وتطبيقات قاصرة ولا تمثل إرادة الشعوب ... انه التزوير الأقبح مذ ولدت الإنسانية. إن هؤلاء بتصرفهم الخياني قد قدموا من غير أن يدركوا البرهان الأعظم للطلائع الثورية على صحة منهجها وفسحوا الطريق واسع ،  من غير أن يدركو ،  أمام معاني الثورة أو الانقلاب الجذري الشامل لتغيير ما في النفوس أمام الشعب بصفة عامة .. أي إنهم بكيلهم المزدوج وتزويرهم قد ساعدوا على الانتقال ببعض مفاهيم ودلالات الثورة من طبقة النخبة إلى طيف شعبي واسع فخسروا الرهان حتى لو كانت بعض دبابيسهم مازالت تمسك ببعض الثنايا. مازال هدف الثورة الشعبية هو تحقيق الحرية لأنها تتصدى للاستغلال الطبقي والجوع وانتهاك حقوق الإنسان قبل أن يكون هاجسها تداول السلطة وفق الوصف الذي تحاول ماكنة الإعلام الامبريالية إقحامه وتقوم بتلقينه للأفواه الجائعة. الحرية هي الطريق لإشباع البطون وإلغاء العبودية والديمقراطية هي التطبيق الأمثل لشعب حر.

 

أمتنا تتمثل روح ثورة شباط وتموز وثورة مصر والجزائر وتثور الآن بملايين من أبناءها لتنتقل إلى عصر الحرية تمهيدا لدخول ايجابي وخلاق وبولادة غير قيصرية إلى تطبيق الديمقراطية .. واليقين إن مقاومة العراق قد كانت هي رأس النفيضة كونها الوليد المعافى لثورات العراق والأمة ولحركة القوى الخيرة عبر سفر سنوات الولادة الثورية ومخاضها العسير ،  ولأنها قد برهنت بما لايقبل أي شك أو جدل أن الديمقراطية غير ممكنة من غير حرية..

 

 

aarabnation@yahoo.com

 

 





الخميس١٤ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة