شبكة ذي قار
عـاجـل










عظمة الشعوب .. تأتي من عمق حضاراتها .
والحضارة .. هي أحد أهم عناصر القوة لدى الشعوب .
وحضارة شعب العراق .. حضارة عريقة ضاربة في عمق التاريخ.
فهل يرتضي شعب العراق .. أن تكون هويته طائفية أم يفخر بأنها وطنية ؟!


لم يكن سؤالاً افتراضياً يوجه إلى شعب العراق العظيم بحضاراته وإنجازاته، وبقدراته عبر التاريخ .. قد يكون في مضمون هذا التساؤل تحريضاً، بالرغم من أن الشعب من هذا الطراز لا يحتاج إلى تحريض، ولست في معرض المقارنة في أمر واضح، ولكن التساؤل موجهاً إلى كل الشعب العراقي وهو موزع في ظل الاحتلال وطغمته الطائفية العميلة لكي يعيد ترتيب وضعه برفض حالة التأطير الطائفي من أجل الإسراع في إنهاء الاحتلال وإنهاء مخلفاته وسمومه، مع إن المقاومة الوطنية العراقية البطلة ماضية في خطها المسلح لا تلوي على شيء سوى التحرير الكامل والشامل والعميق .


منذ الغزو الهمجي للعراق، وضع الاحتلال شعب العراق على طاولة التفتيت حتى غدت شريحة كبيرة منه موزعة حصصاً في متاهات طائفية وعرقية بعيداً عن الوطنية ، وحوَلَ المحتل الغازي الولاء الوطني لهذه الشريحة إلى ولاء طائفي عرقي أضعف الشعب ومن ثم أخر مقاومته الوطنية الباسلة من إنجاز هدف التحرير.


المدرك الذي يعرفه القاصي والداني هو أن الشعب العراقي حالياً في كفة يناضل ويجاهد ويقاوم بوسائل مختلفة، والاحتلال وطغمته الطائفية العميلة في كفة أخرى .. هذا المدرك الإستراتيجي صحيح تماماً، ولكن يراه البعض يأخذ بالتوصيف والعناوين التي تتحرك تحت الأضواء وعلى المسرح الخاص بالعملية السياسية، وكأن شعب العراق قد أختزل كله بهذا المشهد الذي يعكس الولاء للطائفة وللمذهب وللمرجعيات التي تروج للرياء والتضليل والخداع والنفاق والمتعة والتفسخ، وبالتالي وكأن الشعب قد استساغ القنوط والاستسلام لحالة القتل والنهب الممنهج وحالة هتك الأعراض والنيل من الكرامة الإنسانية .. هذا التوصيف غير صحيح . لأن الشعب العراقي لا يقاس وضعه وموقفه على المشهد الطائفي ولا العرقي الذي يروج له الإعلام الطائفي الفارسي والإعلام العنصري الكردي .. الشعب العراقي لا يقل في وطنيته عن الشعب العربي في تونس ومصر وغيرهما من أمة العرب، بالرغم من الخصائص الذاتية التي تتميز بها كل ساحة عربية من حيث الصفات واستيعاب الأفعال والرد على الأحداث ، حيث أن الشعب العربي في كل مكان يمتلك الخاصية الوطنية والقومية هي ذاتها .. فشعب مصر عظيم في حضارته وهو صبور لا تفرقه المذاهب والعرقيات ولا تزعزعه توجيهات الخارج، وكذا الأمر شعب تونس العظيم ، إلا أن شعب العراق إذا صبر انفجر وإن انفجاره يكون عنيفاً وهائلاً ، بالرغم من ما يعتمل فيه من طائفيات، أزعم أنه بعد ثمان سنوات أدرك دوافعها ومروجيها وبات يعرف مصدرها، ولكن الإيقاع الخاطئ في فهم مشاعره الدينية المذهبية من جهة ووطنيته من جهة أخرى باتت هي المحك وهي الاختبار .. هل يرجح طائفياته وعرقياته ثم يتمزق ويتشرذم عندها يسخر منه التاريخ والعالم، بالرغم من عمق حضاراته العريقة ، أم يرجح وطنيته على أساس المنطق الذي تأخذ به شعوب الأرض وهو ليس بعيداً عنها ؟ .. فالوطنية هي الهوية الأساسية للانتماء للوطن ومن غيرها يصعب الحديث عن انتماء حقيقي يعترف به الجميع . فالانتماء الطائفي محدود بالطائفة ولا ينسحب على الوطن إلا بنظام مذهبي طائفي مثل النظام الإيراني ونظام الكيان الصهيوني العنصري ، الذي يحتوي من الإشكاليات والعقد ما يجعل العالم ينظر إليهما بعين الشك والحذر والريبة، وبالتالي اليقين بعدم الرغبة الجدية في التعامل معهما .


فإذا احتكرت الطائفة سلطة الدولة كيف تسود .. وكيف تحقق المساواة والعدالة .. وكيف تتعامل مع موضوعة الوطن والمواطنة ؟ وأخيراً كيف تنظر إلى الحقيقة الموضوعية ، هل من الزاوية الوطنية ؟ كلا ، تنظر إليها من الزاوية المذهبية الطائفية .. وهذا الأمر لا يحقق وحدة الشعب ولا وحدة تراب الوطن !!


الوطن والانتماء الوطني والمواطنة هو الأساس في التحرر والتنمية والتماسك والوحدة الوطنية والتطور .. ومن غير هذا الأساس، هو التخندق والتشرذم والتناحر والرجوع إلى الوراء حيث قرون الظلام والفتنة وبقاء الأجنبي جاثماً فوق رقاب الجميع يذله ويمتص دمائه .


شعبنا العربي في تونس انتفض وحقق ثورته العظيمة بالوطنية وليس بغيرها .. وشعبنا العربي في مصر انتفض وحقق ثورته العظيمة بالوطنية وليس بالمذهبية والعرقية .. لم ينتفض الشعبان العربيان في تونس ومصر بالمسيحية ولا بالإسلام ولا بالقبطية ولا بغيرها، إنما انتفضا بالوطنية فاكتسبا احترام العالم كله وتقديره وسيحققان أهدافهما بالوطنية الجامعة وسيبنيان وطنهما بالوطنية .لأن العالم لم يعد يستسيغ مفهوم الدولة الدينية والمذهبية أو العرقية أبداً .. أين أصبحت ألمانيا الهتلرية حين كان سلوكها السياسي العرقي وتنظيراتها الفكرية السياسية المتعالية على شعوب العالم ؟ وكيف باتت (إسرائيل) التي تحكم بالعقيدة الدينية والعنصرية منذ ستين عاماً ؟! وأين أمست إيران التي تحكم بمذهبية طائفية عنصرية منذ عام 1979 ؟ وأمثلة التاريخ لا تنضب .. إلا أن الذي يبني البلدان ويعمرها ويسعد شعوبها وينميها ويحميها هي الوطنية .. الهند يعيش بين ظهرانيها ملايين البشر ونفوسها تقترب من مليار ومائة وخمسون مليون نسمة ، وكذلك الصين واندونيسيا ، هذه الكتل السكانية الكبيرة فيها من الأجناس والقوميات والأديان ما يثير العجب ومع ذلك فأنها تدار وتنظم وتقاد بالوطنية وليس بعقليات الذين يعبدون الأبقار والجرذان وكهان الطقوس الموسمية .. نعم ينهلون من حكمة ( بودا ) و (كونفيشيوس) ، ولكنهم يعملون بالوطنية الهندية والصينية والاندونيسية .


العراق منذ عام 1958 لم يحقق شيئاً جدياً على طريق البناء الرصين المتكامل المتوازن، ولكنه بعد عام 1968 حقق الشيء الكثير وأسس قاعدة للعلم والعلماء فأنجز التصنيع وأدخل التصنيع في الزراعة وباشر تنميته الانفجارية التي عمت كل مرفق من مرافق الحياة ، في التجارة والثقافة والتعليم والعلماء والأمن وصناعة السلاح ، وخطى خطوات متزنة لها أبعاد وطنية وقومية في آن على نهج بناء الدولة وبناء الأمة ، وبالتالي كانت خطواته جادة على نهج تحويل الولاء المذهبي إلى ولاء وطني فانتصر العراق على الطائفية التي كانت أحد أهداف الحرب الإيرانية العراقية لاجتاح المنطقة برمتها .. فأوقف العراق الهجمة الطائفية الإيرانية أكثر من ثلاثة عشر عاماً حتى أدخلها المحتلون الأمريكيون والبريطانيون والإيرانيون إلى العراق بعد عام 2003.


لننظر إلى شعب مصر، فهم يختلفون في ما بينهم ولكنهم يتفقون على أن الوطن للجميع ، وانظر إلى شريحة من شعب العراق وأكثر ينظرون إلى أن الوطن حكراً عليهم وبعضهم لا يتوانون عن بيع أجزاء منه إلى هذا الطرف الإقليمي أو ذاك الطرف الأجنبي .. أحزاب السلطة في ظل الاحتلال باعت أو في طريقها أو هي تعمل على بيع جنوب العراق إلى إيران .. والحزبان الكرديان العميلان يعملان مع الأجنبي الأمريكي والإسرائيلي والإيراني من أجل سلخ جزء من الوطن في شمال العراق .. وآخرون يريدون بكل صفاقة ونذالة أن يتشرذموا في الوسط ؟!


ما هذا القرف الذي يغمر جميع هذه النماذج بالخزي ، أمام شعب العراق الذي يشير العالم كله إليه بالبنان أنه أول من خط تاريخ البشرية في التنظيم والقانون واللغة والحضارة والمدنية والعلم والعلوم والفنون والمعرفة ، حين كان العالم من حوله يعيش في ظلام دامس من التوحش الإنساني !!


هكذا يقول لنا التاريخ .. ولكن أعداء العراق والأمة سدَوا عليه المنافذ لأنه لديه مشروع بناء جدي وقويم ومنتج وليس استهلاكياً وعقيماً كما هو حال بعض الدول الأخرى، وبثوا فيه دعوات التفرقة ، ونشروا بين أوساطه الأحقاد ، ووزعوا الصفوف بالأموال ، وأغدقوا ثروات الشعب المسروقة بما يفرق ويشرذم، فأضعفوا البنية الشعبية .. والتساؤل هنا كيف تقبل جموع من الشعب، بغض النظر عن من تكون في الجنوب أو الوسط أو الشمال هذه السيناريوهات الأجنبية، وكيف تقبل هذه المجاميع السير وراء ألأقاويل ، والدعايات ، والشعارات ، والفتاوى ، وهي تدرك أن هذا الطريق ليس وطنياً ؟! ، والمواطن يرفضه، لأنه ليس بديلاً عن الوطن في الثقة وبناء الشخصية الوطنية !!


إن بناء الشخصية الوطنية، الذي ينبغي أن يكون له الأولوية في مناهج التربية الوطنية الصادقة ، هل يأتي من خلال الفتوى والتسييس الطائفي أو العنصري ؟ من يدافع عن الوطن ، الطائفي أم العنصري ؟ ، لا أحد منهما يدافع عن الوطن وكذلك لا أحد يبنيه ، والذي يدافع ويبني الوطن هو الوطني .. الشخصية الوطنية التي لا تفرق ولا تكفر ولا تقصي ولا تهمش .. الشخصية الوطنية، التي تصنع الأحداث وتصنع التاريخ . هل ترون كيف صنع الشعب التونسي العظيم والشعب المصري العظيم تاريخ تونس وتاريخ مصر، بل حركا تاريخ الأمة العربية المعاصر؟!

 

 





الاحد١٠ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٣ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة