شبكة ذي قار
عـاجـل










ما الذي قدَمتهُ يا سيد حُسني لمصر العروبة ارض الكنانة؟ ما الذي قدمتهُ لشعبها العظيم ولتاريخها العريق؟ ما الذي قدَمتهُ لأمة العرب والإسلام؟؟؟


قَدَمتَ لمصر الكثير كضابط طيار في القوات الجوية .. لا أحد يُشككْ في شجاعتكَ وحِرَفيتكَ كعسكري وكطيار سواء في المناصب الصغيرة أو الكبيرة التي أشغلتها في الجيش المصري .. نعم لقد شاركتَ في الحروب .. وكُنت من أبطال العبور في حرب تشرين1973 .. نعم لقد دافعتَ عن مصر .. ويقينا أن الشباب المصري أكثرُ مني درايةً بما قدمت من منجزات لا يمكن إنكارها عندما اعتليتَ سدة الرئاسة .. ولكن وكما يُقال إن الخطأ  ( وليد لقيط )  والفشل  ( وليد بلا أب )  والنجاح  ( وليد بملايين الآباء )  ..


مصر تراجعت كثيرا وعلى كافة الأصعدة في سنوات حُكمكَ من بعد الخمس سنوات الأولى .. إنسلختْ مصر من محيطها العربي وهي التي كانت الشقيقة الكبرى للعرب والحريصة على قضايا العرب المركزية .. إرتمتْ مصر في حضن الأمريكان مقابل مليار وربع المليار دولار كمساعدات أمريكية .. صُرتَ الأقرب إلى قادة الكيان الصهيوني أكثر من قربك لأشقاءك القادة العرب والمسلمين .. أضعتَ مكانة مصر ودورها الإقليمي لتحتل مكانتها ثلاثة دول شرق أوسطية هي إيران وتركيا والكيان الصهيوني .. زادت أعداد الفقراء في شعب مصر الأبي وأصبح أكثر من 40% منهم تحت خط الفقر .. ازدادت أعداد العاطلين عن العمل .. قلتْ الخدمات وانهارت البُنى التحتية وتهدمت منازل الفقراء المصريين على رؤوسهم من جراء الأمطار وزحف الجبال .. اصطفَ المئات من المصريين الشرفاء في طوابير طويلة على رغيف الخبز (  العيش )  .. تدهورت الصناعة، وانعدمت الزراعة وأصبحت مصر ارض الكنانة التي منحها الله أرضا ومياها لم يمنحها إلا للقليل لما سواها ارض مُقفرة. فمصر في عهدك يا سيد حُسني تستورد 50% من احتياجها للقمح من الخارج .. كيف بربك ومصر لديها أمهر الفلاحين والمزارعين ولديها عشرات ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة وحصتها من نهر النيل  ( 55 )  مليار متر مكعب .. كانت الأسواق العربية تزخر بالمنتجات المصرية والمحاصيل الزراعية، والصناعة الحربية كانت متطورة وتوقف إنتاج الصواريخ في مصر .. تدهور التعليم وتراجعت مكانة مصر العالمية ولم نجد أسماء جامعاتها العريقة ولا حتى ضمن تسلسل الألف جامعة الأولى عالمي .. تراجع دور الأزهر الشريف قبلة العرب والمسلمين العلمية وحاولتَ تسخيره لخدمة سياستك .. ثم جاء دور الفساد لينخر جسد ولحمة ووحدة الشعب المصري ، فقد قَربتَ أعداد من الفاسدين سيطروا على ثروة مصر وأموالها وأراضيها وعقاراتها وحديدها وصناعتها وسياحته .. ابتعدتَ كُليا عن الشعب ولم تحب أن تعرف معاناتهم .. فَرضتَ أحكاما عرفية قاهرة وقوانين طوارئ لثلاثين سنة ، امتلئت السجون بمعارضيك .. لم تقبل حتى بتعيين نائبا لك طيلة ثلاثين عام .. تُعدل الدستور كيفما تريد ومتى تريد .. تُزورالانتخابات .. وتوجه بالتوريث .. ثم خلقت حولك دوائر متعددة لحمايتك ولتفصلك عن شعبك من حرس خاص إلى حرس جمهوري إلى مخابرا ت خاصة وعامة ومخابرات عسكرية وكأنك أردت أن تعيش في تيجان بعيدا عن جيشك الوطني وشعبك العظيم .. و شهد المجتمع المصري محاولات التفرقة بين المسلمين والأقباط وهذه لم تكن مصر تعرفها قبلك ..


وكما ذكرتُ آنفا فان دور مصر تراجع عربيا وإقليميا في عهدك .. صارت مصر مصدرا للمشاكل في الأقطار العربية تحت حكمك، بعد أن كانت الشقيقة الكبرى في حل مشاكل العرب الداخلية والخارجية .. ضَعُفَ دور الجامعة العربية وأصبحت مجرد مناسبة للقاءات وتبادل الصور والابتسامات أو التجهمات .. ماتت السوق العربية المشتركة .. واندفنت معاهدة الدفاع العربية المشتركة .. واندثرت معاهدات التعريفة الكمركية والاتفاقات التجارية العربية ..


اسمح لي يا سيد "حُسني" أن أقول لك لقد دَمرتَ مصر والأمة العربية .. في قضية العراق والكويت لعبت دورا كاريثيا لا زلنا ندفع وسنبقى ندفع ثمنه .. فبدلا من أن تعطي المجال للحكماء للعرب وتسعى لإزالة التوتر بين البلدين رُحتَ تُشجع هذا على العمل العسكري وتُشجع ذاك على العناد والإصرار فوقع المكروه المحذور .. وهُنا لعبتَ دورا قذرا، فبدلا من أن تعطي الفرصة للحكماء الخيرين من قادة العرب  (  رحم الله الذين انتقلوا إلى جواره وحفظ البقية الأحياء )  ،رُحتَ تستعجل إصدار القرارات باستقدام القوات الأجنبية .. وأحدثتَ شرخا كبيرا في العلاقات العربية- العربية، كُنتَ تمنع حتى الحكماء المتطوعين الذين أرادوا أن يضحوا بأنفسهم من اجل إيجاد مخرج سلمي للازمة ..


نعم سيد "حُسني" تنكرت للعراق الذي عَملتَ فيه طيارا مُعززا مكرما لسنوات وتنكرت لإخوانك الطيارين العراقيين وتنكرت حتى لقائد القاعدة الجوية العراقية التي كنت تعمل فيها ،وتنكرت لصقور الجو العراقيين الذين شاركوك في الضربة الجوية الأولى على الكيان الصهيوني عام 1973 .. وفي مراحل التفتيش وتدمير العراق للفترة من 1991-2003 كان إلحاحك كبيرا على الأمريكان وفرق التفتيش بان العراق يمتلك السلاح النووي حتى عندما يقولوا لك ،العراق لا يمتلك أسلحة الدمار الشامل تقول لهم  ( رأيتها بعيني )  .. وعندما تدخلت بعض الأطراف والحكماء من القادة العرب لمنع الهجوم على العراق، كُنتَ أنتَ تُشجع على الاستعجال باحتلال العراق وإسقاط نظامه .. وبعد احتلال العراق لم يبرز لك يا سيد حُسني اي موقف ايجابي فقد حرصت ووزيرك سليمان على استقبال عملاء الاحتلال ممن يحملون الجنسية الأمريكية والبريطانية فقط وهمَشتَ الوطنيين ولم تسمع لهم .. وأطلقت صرختك المدوية  (  كل الشيعة في البلاد العربية موالين لإيران وليس لبلدانهم )  في محاولة لصب الزيت على الفتنة الطائفية التي ظهرت على السطح في العراق ولبنان واليمن وأماكن أخرى ..


وفي الحرب الإسرائيلية على غزة وقفتَ إلى جانب الصهاينة وعملائهم وذبحت شعب غزة من الأطفال والشيوخ والنساء وحاصرتهم حصارا لم يسبق له مثيل في مساهمة منك في تشجيع الصهاينة للإبادة الكاملة .. مَنعتَ عن شعب غزة الدواء والعلاج .. أغلقتَ المعابر بوجه المساعدات .. مَنعتَ قوافل الإغاثة الإنسانية العربية والإسلامية والأجنبية .. مَنعتَ التواصل بين العوائل ولم شمل العوائل .. ثم وَجهتَ بإنشاء سور  ( غزة العظيم  )  بالحفر له بأعماق كبيرة جدا لسد الأنفاق .. وبعد أن جرت محاولات عربية لتوحيد الصف الفلسطيني ، انحزت لطرف على حساب الآخر وَسلمتَ الملف إلى عمر سليمان  (  حبيب إسرائيل )  .. ولهذا أفشلتَ الوحدة الفلسطينية .. ما الذي جناه العرب من اتفاقياتك مع الصهاينة والأمريكان؟؟؟؟هل حصلنا على الحد الأدنى وهو دولة فلسطين على حدود 1967؟؟؟


حاولتَ اختلاق مشاكل مع لبنان وسوريا وقطر .. بمعنى آخر لم يخلص من شرك إلا ما رحم ربي ..
انتفضَ شعب مصر العظيم .. ثار شباب مصر الإبطال .. ولم تسمع لشعاراتهم وهتافاتهم .. وجهتَ أجهزتك القمعية، فوجهتْ بدورها الرصاص إلى صدور الشباب العارية المؤمنة فسقط أكثر من  ( 310 )  شهيد .. وأطلقتَ كلابك  ( البلطجية )  فجرحت أكثر من  ( 3000 )  شاب .. وفي الوقت الذي لاحت فيه بشائر النصر للثورة ، رُحتَ تجري إصلاحات في  ( 5 )  دقائق امتنعت عن إجراءها في  ( 30 )  عاما وكما يُقال ( بجرة قلم ) ، عَينتَ نائبا للرئيس، وأعلنتَ عدم الترشيح لولاية جديدة وعدم التوريث وأقلتَ الحكومة .. ثم تابعت في  ( 3 )  دقائق أخرى بإجراء انتخابات وتسليم الحُكم في سبتمبر ومعاقبة المفسدين والاقتصاص من الذين أطلقوا الرصاص على الشهداء .. و .. و .. ولكن ( لات حين مناص )  .. انتهى كل شيء .. حاولت دق إسفين بين جيش مصر والشباب الثوار،إلا أن الجيش والشعب كانوا يدا واحدة وكانوا أرقى من ظنونك


فرد عليك الشباب (  ارحل ) و (  مش حنمشي إلا تمشي )  .. كُنتَ تُراهن على صبر الشباب ونسيتَ أن للباطل (  ساعة )  وللحق ( إلى قيام الساعة )  .. نسيت نصائحك للآخرين (  يا أخي اطلع وخلص شعبك )  .. ونسيت (  ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )  .. ونسيتَ أن الله ينصر عباده المؤمنين .. فزحف الشعب المصري البطل على قصورك وعندما لم تقتنع بمظاهرة المليون خرجوا لك بـ  ( 3 )  ملايين ثم  ( 10 )  ملايين ثم بـ  ( 30 )  مليون يوم النصر في كل أرجاء مصر الكنانة مصر العروبة .. فحان وقتك  (  وتخليتَ أو تنحيت )  فخرج الـ  ( 80 )  مليون مصري مهللين ومكبرين  (  جاءَ الحقُ وزهقَ الباطل )  ..


يبدو انك يا سيد "حُسني" لم تكلف نفسك حتى مشاهدة التلفزيون لتعرف ما حدث في تونس لأنك اتبعتَ نفس خطوات علي زين العابدين ولم تستفد من دروس ثورة تونس .. لقد أذلك الله وشعب مصر بهذا الخروج المهين كما أذلَ بن علي على يد شعب تونس .. لأنكم حاولتم مخطئين إذلال شعوبكم .. فرح العرب من المحيط إلى الخليج برحيلك لأنك بعتَ العروبة والإسلام بثمنٍ بخسٍ ..



الله اكبر كم أنتَ عظيمٌ يا شعب مصر .. وكم أنتِ كبيرة وشامخة يا مصر .. وكم انتم رائعون يا شباب مصر .. وكم أنتَ شجاع وبطل يا جيش مصر الكبير يا سور مصر وحامي حمى مصر والعرب .. انتصرت مصر وستعود كما كانت  ( أم الدني )  و ( الشقيقة الكبرى للعرب )  .. المجد والخلود والرحمة لشهداء تونس ومصر .. تحيا تونس .. تحيا مصر .. عاشت فلسطين حرة عربية .. وعاشت الأمة العربية ..


ترحل الحكام وتبقى الشعوب والبلدان .. رحل الذين سبقوك يا سيد حُسني .. وسيرحل الآخرون .. رحلوا ورحلتَ يا سيد حُسني .. ولكن شتان بين رحيل ورحيل .. وهذا ما جنيته علينا وما جنينا عليك يا "حُسني"!!
 

 

 





السبت٠٩ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب اللواء الركن الدكتور نـوري غافـل الدليمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة