شبكة ذي قار
عـاجـل










ربما كانت المفاجأة التي تعرض لها المحتجون في ميدان التحرير في القاهرة بما زعمه علي خامنئي ونسبه لولاية الفقيه من فضل في تصدير الثورة إلى أكبر بلد عربي وإسلامي في المنطقة ربما كانت أكبر بكثير من مفاجأة قادة الأحزاب والكتل السياسية بذلك الحديث المفعم بالخيال المريض والأمنيات الشيطانية التي ذهب إليها خامنئي مدفوعا برغبة جامحة في قيادة العالم الإسلامي وتنصيب حكوماته وجعلها أداة طيعة بيده ورهن مشيئته وطوع بنانه ، كخطوة أولى على طريق إلحاقها كليا بالحلم الامبراطوري لدولة قورش وعلى دين زرادشت المعدل ، فالشباب الذين تجمعت في صدورهم أسباب ثورة الغضب المستمرة منذ أكثر من اسبوعين لم يتحركوا أصلا بناء على أوامر من القوى السياسية في الداخل أيا كان حجمها ودورها وتأثيرها وهم بالتالي لم يتحركوا بناء على وصلات إعلامية خارجية مفعمة بأسباب الحقد والضغينة ، بل أن هذه الأحزاب متهمة من قبل الشارع المصري بانها جزء من مأساة الشعب المصري لأنها عطلت الثورة طويلا على الرغم من توفر كل أسبابها السياسية والاجتماعية بسبب ادعائها القدرة على إحداث التغيير عبر الوسائل التقليدية ومن تحت قبة البرلمان أو الصفقات السياسية في الغرف المغلقة والتي ظلت تعتمدها لعدة عقود من الزمن ، ولكن هذه الأحزاب التي فوجئت بثورة الشباب وعمق تمثيلها لإرادة التغيير واتساع رقعتها لكل طبقات الشعب المصري ومكوناته ، حاولت جهد امكانها ركوب عجلة القيادة ولعب دور الموجه السياسي والفكري لموجة الاحتجاجات .


لقد انطلقت الثورة الشعبية في كل من تونس وبعدها في مصر نتيجة حالة حادة من الاحتقان السياسي الذي يتعرض له جيل الشباب وبخاصة أن الكثير منهم ممن أكمل دراسته الجامعية واستطاع التعرف عن قرب على أنهم يعيشون في قلب محنة مأساوية نتيجة لما يعانون من كبت سياسي مروع واضطهاد فكري ثقيل يضغط على العقول والصدور ، يضاف إلى ذلك البطالة التي تعتصر طاقات الشباب وترمي بهم على قارعة انتظار الفرصة التي لن تأتي جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة التي ضاعفت من غنى الطبقات الغنية وأضافت أليها المئات من أثرياء الفرصة الخاطئة والفساد المالي الذي يعتمد على الرشى والعمولات والإثراء غير المشروع ، وألقت في أحياء أكواخ الصفيح لملايين الفقراء من الناقمين المتحفزين للثورة بحثا عن الحرية ورغيف الخبز ، ولم تتمكن الأحزاب القائمة من تحريك تظاهرة واحدة في رفض الأوضاع القائمة وإنما تحركت الجماهير من تلقاء نفسها مدفوعة بعامل رئيس وهو أن صبرها وصل إلى الخط الأحمر الذي لم يعد عنده ممكنا تلافي تفجر برميل بارود الغضب ، فكانت ثورتا تونس ومصر إيذانا بفجر جديد هو عصر ثورة الشعوب التي تتجاوز كل القيادات الهيكلية التي ظلت تعيش في أبراجها العاجية وتجتر شعارات التغيير في صالوناتها الفاخرة ومكاتبها الأنيقة دون أن تقدم دليلا واحدا على قدرتها على النزول إلى الشارع والتصدي للطغاة والفاسدين ، ولقد انتزعت ثورة الشعبين التونسي والمصري عنصر المبادأة من الأحزاب التي تشكلت بمراسيم جمهورية واستمدت شرعيتها من تلك النظم وارتبطت معها بصلات تعاهدية عكست شيخوخة سياسية وإنسانية أصابت جميع الأطراف بعطل منهجي أدى إلى شلل كامل للحياة السياسية في البلدين ، ولم تعد هناك فرصة للإصلاح دون المرور عبر طريق ملئ بالتحدي والآلام والتضحيات .


إن مزاعم علي خامنئي بتأثير ما أسماه بالثورة الإسلامية على ثورة الغضب في تونس ومصر يمكن النظر إليها ضمن المحاور التالية :


1 - إن خامنئي يسطح أفكاره بطريقة تنم عن جهل بطبيعة الشعب المصري خاصة والذي يعتز بتاريخه وحضارته الموغلة في أعماق التاريخ ، وبثقل مصر الحالي باعتبارها أكبر بلد عربي أسهم في معارك الأمة ضد التحديات التي واجهتها ولا يمكن أن يفقد هذا الترابط المصيري ولا هويته العربية التي ترسخت منذ ثورة 23 يوليو 1952 ، لذلك يظن علي خامنئي أنه يستطيع القفز فوق هذه الحقائق ويتمكن من أدلجة حركة الشعب العربي في مصر بما يخدم خطط ولاية الفقيه في تصدير الثورة إلى الوطن العربي أولا لسلخه عن هويته القومية ، ومن ثم إلى سائر دول العالم الإسلامي لفرض قالب جامد من التفكير القاصر عن استيعاب التطورات الفكرية التي عاشها الوطن العربي والعالم الإسلامي ، وبذلك يحاول أن يقول بأن الثورة الإسلامية في إيران ما تزال تحتفظ بشيء من ألقها الذي سوقته خلال السنوات الأولى لقيامها ، وخاصة بعد النكسات الكبرى التي صادفتها التجربة الميدانية لتطبيقاتها على أرض الواقع .


2 – إن خامنئي يوجه إهانة بالغة إلى وعي الشعب المصري ومشاعره والتي أدت إلى هذا التحرك المبارك لوضع حد لسنوات من القهر والضياع والاستبداد ، ويحاول أن يرسل رسالة خاطئة بأن الشعب المصري شعب معطل المدارك والأحاسيس لولا دور الولي الفقيه في إيران ، وربما يسعى إلى تصدير نزعة سفك الدماء التي برعت فيها الطبقة الحاكمة الآن في طهران وبهذا فإنه ينسب لنفسه فضلا لا دخل له به لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا السلوك المنحرف أمر راسخ في العقلية الإيرانية التي تبحث عن أي دور لتنسبه لنفسها متجاهلة حقائق التاريخ والجغرافية والفكر والتباين الكبير في أساليب العيش والمعتقد وأهم من كل هذا الطبيعة المتسامحة للشعب المصري مع المخالفين والمعارضين على خلاف روح الانتقام العميقة الجذور في مجتمع بلاد فارس عبر التاريخ والتي رسخها أكثر فأكثر نظام الولي الفقيه في إيران منذ عام 1979 وحتى الآن .


3 – إن التضحيات الكبرى التي قدمها الشعب المصري كانت غالية على كل عربي ولكنها لم تكن لتحسب على رصيد إيران بأي حال من الأحوال ، هي تضحيات أملاها وعي الشعب المصري أن يعيش في بلد يليق بقدراته وينسجم مع ثقافته ومستوى تطوره ويلحق بركب الأمم التي سبقته في مجالات الحقوق المدنية والديمقراطية ، وحينما يأت خامنئي ليطرح فريته الجديدة فإنهما يحاول أن يصادر مكاسب الشعب المصري ويحرض عليه نظام الحكم والأطراف الدولية المساندة وذلك عن طريق تخويفها من انتشار رقعة تأثير الإسلام السياسي في المنطقة والعالم ، وهي محاولة للسطو المبكر على نتائج ثورة الشباب إن حققت أهدافها وذلك من أجل الحصول على ثمن مكافئ لدعم مزعوم قدمته إيران لها .


4 – إن إيران التي تعيش في صندوق سياسي مغلق تحت حكم الولي الفقيه ويعاني شعبها من أسوأ اضطهاد عرفته الإنسانية في مسيرتها التاريخية والتي انتفض شعبها قبل أكثر من عام على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فرضت أحمدي نجاد مرشح الولي الفقيه ووصل الأمر إلى الطعن في شرعية النظام من أساسه ، وما تزال تعيش فوق بركان من غضب جارف وسخط على احتكار الحكم من طبقة المعممين وتزوير إرادة الناخب وتكبيل الشعب بقوالب سياسية جامدة مفروضة بقوة قمع الحرس الثوري ، ولا يمكن لإيران أن تكون النموذج الناجح والتجربة الجاذبة للتطبيق في أي مكان في العالم ، بل هي تجربة منفرة وطاردة بكل معنى الكلمة وجالبة للبؤس والجوع والفقر ، وبالتالي فإن من يزعم أنه هو الذي أثر في الشعب المصري يجب أن يمتلك خواص النظام العصري المتقدم والذي يعيش الشعب في كنفه أعلى مراتب الإنسانية والديمقراطية والحريات العامة والبحبوحة الاقتصادية والمعاشية ، ولا يظلم شعبه ولا يعتدي على الشعوب الاخرى ويفرض عليها أجندات بقوة القمع والارهاب كما يفعل النظام الإيراني ، فهل يستطيع النظام الإيراني أن يقدم شيئا مقنعا لشعب متحضر كالشعب المصري ؟


يبدو أن رسالة خامنئي أعطت نتائج عكسية على مستوى الشارع المصري بالدرجة الأولى ، ولهذا أوعز إلى ممثله في الوطن العربي حسن نصر الله لتعديل الرسالة وامتصاص النقمة التي ووجهت بها كلمة خامنئي ، وذلك عندما قال نصر الله إن ثورة الشعب المصري لم يؤثر بها أحد وأنها نتيجة ظروف مصر ، فأي الرأيين هو الصائب ؟ أم هو تبادل للأدوار من داخل مؤسسة واحدة ؟ أم هو خروج للتابع على المتبوع بعد أن تأكد له عدم معرفته بطبيعة الشعب المصري ؟ ذلك ما ستؤكده الأحداث اللاحقة ، وإن كانت الساحة العربية لم تعد تحتمل المزيد من الاختبارات لتجارب فاشلة في فصلها الأول .

 

 





الخميس٠٧ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة