شبكة ذي قار
عـاجـل










لا شك أن أية ثورة في العالم ,  خصوصا إذا جاءت بعد عقود من القمع والاذلال وخنق الحريات ,  لا تحقق أهدافها بين ليلة وضحاها. فثمة إنتفاضات وثورات إستمرت لأسابيع بل لأشهر عديدة مع خسائر وتضحيات جسام بغية الوصول الى الهدف المنشود ,  الا وهو إسقاط النظام الفاسد المستبد وفتح صفحة جديدة تماما في حياة الشعب والوطن. مع الأخذ بالاعتبار أن الظروف الموضوعية والذاتية لأية ثورة تصبو لتحقيق هدفها ليست متساويةأو متشابهة ,  بل مختلفة تماما من بلد لآخر. وهذه من أبسط البديهيات.


لكن أخطر ما يمكن أن يعيق الثورة أو يحرفها عن الهدف الحقيقي هو ليس النظام الآيل للسقوط أو الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة فقط ,  كما هي حال نظام فرعون مصر مبارك ,  بل تلك الأحزاب والشخصيات التي عاشت على هوامش التاريخ وفي زوايا النسيان وكان لديه ,  ربما بسبب الحرمان السياسي ,  إذا جاز التعبير ,  الاستعداد التام لتقبّل فُتات وهِبات نظام فقدَ شرعيته بنظر الشعب ولم يعد أمامه الاّ خياران لا ثالث لهم ,  فاما الرحيل ,  المذلّ والغير مشرّف طبع ,  وأما تقبّل حُكم الجماهير الذي سوف لا يكون ,  في كل الأحوال ,  رحيما أو مخفّفا. فلا بدّ للمجرم ,  مهما طال الزمن وحظيّ بدعم هذا أو ذاك ,  من أن ينال العقاب الذي يستحقّه.


في رأينا المتواضع ,  الذي هو رأي الكثير من المحلّلين والمتابعين ,  إن النظام المصري إستطاع بعد أن أدرك نقطة ضعف ما يُسمى باحزاب المعارضة ,  أن يلتقط أنفاسه ولو مؤقت ,  مدركا أن عامل الوقت مهم جدا في الحركات والانتفاضات والثورات. فاحداث ومجريات يوم واحد أو اقلّ يمكن أن تأثرّ سلبا أو إيحابا على مجمل العملية الثورية. وبديهي إن نظام الفرعون مبارك واللواء عمر سليمان ,  رجل أمريكا والكيان الصهيوني المفضّل ,  يمتلك ثروة كبيرة في الخداع والتضليل واللعب على جميع الحبال التي يوفّرها له البعض في بعض الأحزاب.


ومن المؤسف حقّا أن تجد ممثّلي تلك الاحزاب "يتشرّفون" بالجلوس وجها لوجه مع نائب الرئيس المصري المخلوع شعبي ,  ويقدّمون مطالبهم وشروطهم ويجرون معه حوارا غير مجدٍ أصلا حول إجراء إصلاحات أو تعديل دستور أو إطلاق سراح معتقلين ,  وكأننا نعيش في دولة ديمقراطية تمرّ بازمة سياسية عابرة تتطلّب تظافر جهود الجميع ,  وليست ثورة شعبية إندلعت من عمق الشعب المصري المسحوق لتعيّر كل شيء وليس النظام فقط. بل راح البعض من تلك الأحزاب ,  رغم نفيها أمام عدسات التلفزة ,  يعطي موافقته على بقاء الفرعون في منصبه حتى إنتهاء ولايته. وهذا في رأيي المتواضع ليس فقط إعتراف مجاني بشرعية نظام سقط عمليا وفقد شرعيته أمام الشعب ,  بل نوعا من الخيانة الوةطنية والأخلاقية والدينية.


ولكي لا تبقى الثورة تراوح في مكانها وتكرر نفس المشاهد ,  حتى وأن شارك فيها ملايين المصريين ,  ينبغي على الشعب المصري الثائر أن يخطو الخطوة الحاسمة التي قامت بها جميع شعوب الأرض عندما إنتفضت وثارت على جلاديها وحكامها الطُغاة ,  الا وهي التوجّه بالالاف الى قصور وقلاع السلطة ومؤسساتها القمعية ,  كالقصر الجمهوري والبرلمان وزئاسة الوزراء ووزارة الداخلية..ألخ ,  وتطويقها سلميا من جميع الجهات حتى إخراج فئران النظام المختفية في داخلها.


ولا مانع إذا إقتضت الحال من إقتحامها وإنتزاعها من المدافعين عنها بالقوة. لأنه لا توجد ثورة ,  والشعب المصري أدرى من سواه ,  بلا تضحيات أو خسائر كبيرة. وبالتالي ,  فبدل من التظاهر والتواجد المستمر في ميدان التحرير ,  حتى وأن أصبح رمزا مشرفا للثورة المصرية ,  ينبغي التحرّك الى ما هو أبعد من ذلك. لأن خطة النظام البوليسي الفرعوني وفكرته المدروسة جيدا هي ترك الناس يتظاهرون ويرفعون الشعارات ويلقون الخُّطب النارية كما يحلو لهم على نمط "هايد بارك" في لندن محاصرين بدبابات الجيش الذي يزعم أن يتواجد هناك لحمايتهم وحفظ الأمن.


بل أن نظام فرعون مبارك لم يكفّ عن اللاستهزاء من ملايين المصريين وإحتقارهم وصمّ آذانه وعيونه لمطالبتهم برحيله فورا بل أصدر أوامره ,  وكأن شيئا لم يكن ,  عن طريق نائبه اللواء عمر سليمان الذي قال "مبارك تعهّد بعدم ملاحقة المحتجّين - وكأنهم حفنة من الهييبز ودُعاة التعرّي والخلاعة وليس شعب ثائر - واستمرار السماح لهم بحرية التعبير". بينما الواقع هو أن الشعب المصري ,  ونأمل أن يحسم أمره وأمر فرعونه ,  هو الذي ما زال يسمح لمبارك وعصابته بالكلام والتعبير وإتحاذ قرارت معيّنة رغم كونه ,  أي النظام ,  فقد كلّ شرعية له سواء كانت دستورية أم سياسية أم أخلاقية ,  لا بنظر الشعب المصري الثائر فقط بل في نظر جميع شعوب ودول العالم ,  باستثناء أمريكا والكيان الصهيوني.


لقد دخلت الثورة المصرية بقوة دفعها الشبابي الرائع كل شارع وزقاق وبيت في مصر ,  أم الدنيا. وأصبح شعارها الداعي الى إسقاط النظام وليس رحيل الفرعون مبارك فقط ,  شعار جميع المصريين. ونضجت ثمارها تحت أصوات وهتافات وقبضات ملايين المصريين المطالبة بتغيير جذري ,  لا ترقيع وتجميل وتعديل هنا وهناك. وقد آن الأوان ,  بعد أن بلغ السيل الزُبى ,  أن تتحرّك جموعكم أيها المصريون الأماجد الى أوكار السلطة وجحور النظام الفرعوني الفاسد. وإدركوا أنه لا يوجد نصر مؤزّر بلا تضحيات ولا تغيير حقيقي يحصل دون أن يُراق على جوانبه الدمُ.


لستم بحاجة الى مدافع وبنادق وعبوات ناسفة. فقد أثبتم بصدوركم العارية وبقلوبكم العامرة بالايمان وبارادتكم التي لا تلين بانكم أقوى من حسني اللامبارك وكل ملكت يداهُ من أسلحة أمريكية وقوات أمن وشرطة ومباحث تدرّبت على أيدي الجنرالات الصهاينة والأمريكان. وتذكّروا قول أمير الشعراء أحمد شوقي: "فما إستعصى على قومٍ منالٌ - إذا الاقدامُ كان لهم رِكابا/ وما نيلُ المطالبِ بالتمنّي - ولكن تؤخذ الدنيا غلابا". ولا تتركوا عمرو موسى ومحمد البرادعي وشعيط ومعيط ,  ومن وراءهم الوزير أحمد أبو الغيط ,  يقطفون ثمار ثورتكم المباركة.

 


mkhalaf@alice.it

 

 





الاربعاء٠٦ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة