شبكة ذي قار
عـاجـل










تطفو على سطح الأحداث, كما يحصل عادة في جميع ثورات العالم, نفايات بشرية وشخوص لا ناقة ولا جمل لهم في ما يحصل سوى إنتهاز الفرصة الذهبية التي توفّرها الظروف المضطربة حتى عندما يكون هدف الجميع واضحا. وهذا يحصل في الغالب عندما تتفجّر الثورات من أعماق المجتمع نفسه دون أن تكون لها قيادة مركزية أو أـحزاب تقليدية أو معارضة رسمية أو ما شايه ذلك. والتاريخ يقول أن الثورة الشعبية نادرا ما تفشل, لكن يمكن عرقلة مسيرتها أو حرفها عن الطريق الصحيح. كما أن أشدّ أعداء الثورة, والتاريخ مليء بالعبر أيضا, هم أولئك الأشخاص الذين سرعان ما يركبون الموجة ويتصدّرون الصفوف بعد أن قضوا عمرهم في كنف النظام يستمدون منه وجودهم السياسي وترفهم الأقتصادي.


في الثورة المصرية المشتعلة هذه الأيام ضد نظام الفرعون حسني مبارك ظهرت ذات الوجوه التي كانت ترقص وتزمّر على أيقاع النظام الفاسد المستبد, حتى وأن شغلت, بعيدا عن ذالك النظام بضع خطوات, مناصب معيّنة قد تبدو للغافل الساذج مستقلّة وتتمتع بخصوصية وحرية قرار ونزهة. ومن هذا الشخصيات, التي تبحث عن أية فرصة أو وسيلة للوصول الى الهدف, هو السيد عمرو موسى, أمين عام ما يُسمى للمسخرة والتندر بجامعة الدول العربية. لقد أصبح السيد عمرو موسى بين ليلة وضُحاها "حكيما" ودخل في لجنة حكماء هدفها الأساسي إيجاد "طريقة آمنة ونهاية مشرّفة" للفرعون حسني مبارك.


ولا ندري ما جواب حكيم الجامعة العربية عمرو موسى لو سألناه, هل يستحق دكتاتور جائر مستبد كحسني اللامبارك, بعد أن إتنفض ضده شعبه عن بكرة ابيه وثار عليه, نهاية مشرفة أو خروجا آمنا؟ ثم أين كانت "حكمة"عمرو موسى حين كان يقود, وما زال, جامعة الدول العربية التي تحوّلت تحت قيادته"الحكيمة" الى ما يشبه النتادي الخاص بالمتقاعدين والعجزة الذين يقضون أوقاتهم في تصفّح الجرائد وكتابة تقارير وبيانتا شجب وإددانة ضد هذا وذاك, سرعان ما تُرسل الى كتبة الجامعة مرفقة بعبارة " للحفظ فقط" حيث يقومون بدورهم بترتيبها عاى أحسن ما يُرام فوق الرفوف التي تضم "كنوز" جامعة عمرو موسى, من بيانات أدانة وتنديد ورفض وما شابه.


ينبغي أن لا يكتفي الشعب المصري الثائر اليوم برحيل حسني اللامبارك كما تخطط ما يُسمى بلجنة الحُكماء. فالشعوب عندما تقوم بانتفاضة أو ثورة ضد الظلم والطغيان والاستبداد لا تفعل ذلك من أجل "خروج مشرّف أو نهاية كريمة" لمن حكمها بالحديد والنار وإحتقرها وإنتهك حقوق مواطنيها بشكل صارخ على مدى ثلاثة عقود. وبالتالي, فان الشعب المصري وقواه الحيّة المنتفضة يجب أن تعدّ العدة, قبل رحيل الفرعون مبارك, لتقديمه الى المحاكمة هو وأفراد عائلته الذين هربوا وهرّبوا معهم ملايين الدولاارات المسروقة من أموال الشعب المصري.


ومن المضحك أن تصدر النيابة العامة في مصر أمرا بمنع بعض وزراء نظام مبارك وتجمّد أموالهم تاركة في الوقت نفسه جمال وعلاء مبارك وسيدة مصر الأولى )سابقا( سوزان مبارك الذين تقدّر ثروتهم, حسب مصادر غربية مطّلعة, بحدود سبعين مليار دولار. وحتى إستقالات أو عمليات الاقصاء التي حصلت وتحصل حاليا في صفوف الحزب الوطني الحاكم "حزب رجال الأهمال والمليارديرات اللصوص" سوف لا تنفع الفرعون الذي قرر أن يمضي الأشهر المتبقية من ولايته, هذا إذا سمح له الشعب المصري البطل, جالسا على جثث المصريين متمتعا بالخراب والدمار الذي جلبه للبلاد حكمه الاستبدادي. وليس غريبا ان يقوم فرعون مبارك, لأن طبيعة الطُغاة واحدة, بحرق القاهرة كما قام نيرون قبله بحرق روما.


لا بد من إتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر من كل متصيّد في الماء العكر, كعمرو موسى الذي صار حكيما في هذه الأيام بعد أن أمضى عقودا في ظل حكم حسني اللامبارك وحوّل الجامعة العربية, رغم لا جدوى وجودها وعدم تأثيرها على أي حدث, الى فرع تابع لوزارة الخارجية المصرية. وليس من االعدل في رأينا المتواضع أن يأتي هذا االباحث عن "الفُرص الذهبية" ليقطف ثمار ثورة شعب بأكمله, قدم التضحيات الجسام وعشرات الشهداء وصمد وتحدى ومازال, معتمدا على نفسه في كل شيء, حتى في الطعام والدواء والماء. فأين كان عمرو موسى من هذا الشعب قبل شهر واحد مثلا؟


إن ثورة الشعب المصري, شأن أية ثورة عارمة, لم تستهدف رأس النظام فقط كما يتوهّم البعض من لجنة الحُكماء. إنها ثورة على النظام نفسه. والهدف منها ليس ترقيع أو تجميل أو إصلاح بل إقتلاع ذلك النظام الفاسد الجائر من جذوره, وهدم ألأسس التي بُنيَ عليها حتى تخرج مصر, بعد عقود من الهوان والخنوع والاذلال, الى عالم الحرية والديمقراطية والحُكم السليم المبني على مباديء عصرية. وبالتالي, فان الشعب المصري مُطالب, رغم أنه ليس بحاجة الى نصيحة أو مشرورة, الى فتح صفحة جديدة في تاريخه. ولا أظنّ إن عمرو موسى, الذي يمثّل النظام العربي الرسمي,الرجعي والمتخلّف والتابع لواشنطن وتل أبيب, يستحق أن يضع إسمه في السطور الأولى من كتاب الثورة الشعبية في أرض الكنانة.


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد٠٣ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة