شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ اندلاع الثورة التونسيّة وبعدها لحقتها شقيقتها الثورة المصريّة المباركة ـ 25 / 1 / 2011 ـ بقيادة شباب مصر , والولايات المتحدة الاميركية والغرب وربيبتهما "إسرائيل" متصدّعون من حالة "التغيير" الذي أرادوه أن يكون ليس بهذا الشكل من الذي نراه والمقبل عليه وطننا العربي من خلال ثورتي تونس ومصر , إذ لو كانت ثورة مصر تخصّها لوحدها لهان الأمر عليهم ولناسبت فوضاهم الخلاّقة ولسيطروا عليها بعد انتهاء أغراضها التي صنعوها من أجلها , ولكنهم يعلمون جيدا أن مثل هذا الامر سيكون خطيرا جدا على المصالح الاميركية والغربية في حالتها هذه المنفلتة عن ما أرادوه , عموما , في وقت أصبح غير بعيد, وسيفت في عضد سيطرتهم على منطقتنا إلى الأبد إذا ما فقدوا مصر ! , إذ لو استعرضنا التصريحات الغربيّة , وخاصّة الاميركيّة منها التي بدأت تنهال من فم الرئيس الاميركي اوباما على ضوء الأحداث هذه , ومن فم وزير خارجيته , كلنتون , وما نطقه ساركوزي .. الخ , سنجد وسنكتشف كم هي مؤثرة ثورة شباب مصر عليهم , وكم هي مقدار الصعوبة على أميركا وعلى الغرب لو علمنا , إذا ما تخلّى الغرب عن نظام حسني مبارك .. ومبارك عنوان لمنصب اقصد به , فليس بالضرورة بالنسبة للغرب من سيشغل هذا المنصب , مبارك , أم غير مبارك , فالمهمّ لدى الغرب أن تبقى قرارات مصر حبيسة قرارات وسياسات الغرب , وبما أن المشهد المصري لغاية هذه اللحظات المصيريّة على العالم ينذر بزوال النظام المصري واحتمال اقتلاعه من جذوره على أيدي جماهير مصر الغاضبة , والذي تعب الغرب على تشكيل هذا النظام المتواقع ووقع سياساتهم , طيلة عقود طويلة من الزمن , وجد الغرب أزاء ما يجري الآن , وبقيادة الولايات المتحدة الاميركية , نفسه مجبراً , على دخول ساحة "القتال" , بكامل ثقله , ولكن بألاعيبه الدوليّة التي اشتهر بها , ووجد أن لا بأس أن "يصغّر" الغرب من تلك الألاعيب وينقلها من ساحات الصراع الدولي الواسعة الحجم والتأثير ويحوّلها لتتناسب وساحة ميدان التحرير في القاهرة ! والتي يسيطر عليها حاليّاً الشعب المصري الغاضب لكرامته ولإنسانيّته المهدورتين , بطليعته الثوريّة المسالمة , فلو دقّقنا النظر في الأساليب الغربيّة المطبّقة الآن على الساحة المصريّة , لوجدناها نسخة طبق الأصل من تلك التي نسمع بها أو نقرأها عبر نشرات الأخبار يوميّاً وتنقلها لنا بجميع متغيّراته وتقلّباتها السياسيّة الأميركيّة البرغماتيّة الصرفة , والتي تعصف بجميع أنحاء العالم , ولاكتشفنا أنّ بصماتها بما يجري في مصر , واضحة فيها جميعها , إذ , ونحن نتابع ما يجري في مصر , وبينما الغرب يصدر تصريحاته المتضاربة على لسان ساسته , وبينما هو يبدي "أسفه" بارتباك على الذي يحدث من "انتهاك" لحقوق الإنسان تطال المتظاهرين المصريين الرافضين لتولّي النظام المصري بكامل طاقمه حكم مصر , وبينما يعبّر هذا الرئيس الأوروبّي أو ذاك عن "قناعته" بمطالب المتظاهرين , ويدعون جميعهم "للديمقراطيّة ولحقوق الإنسان وبحق الشعب المصري في تقرير مصيره" وأن على الرئيس المصري , "أن يلبّي إرادة الجماهير" وأن يغادر ويترك السلطة ! نجده , أي الغرب , وبالتساوق مع ما يبديه هذا الغرب وكأنّه بات متعاطفاً معهم الثوّار المصريين , في خطاباته الموجّهة إليهم , يستخدم لهجة أخرى يطلقها من منصّة أخرى في مكان آخر ولكن في نفس الموضوع , تبدو التصريحات فيها وكأنها ترجمان لتلك التصريحات السابقة , ولكن بمضامين مختلفة ! , فنسمع منه عبارات خبيثة مغلّفة تبان من بينها أنيابه الوحشيّة , منها , مثلاً .. على الرئيس المصري أن "يغيّر!" من سياسته , وأن "يتنازل" للجماهير في بعض ما يريدوه! .. وأن يجري تغييرات في هيكل نظام حكمه! .. و , "ليس كافياً" ما يقوم به الرئيس المصري من تعيين وإقالات! .. "نطالبه بالمزيد !" ..ثمّ .. وبحسب آخر فلتات الخبث الغربي على لسان رئيسهم .. "ندعوا لضبط النفس لكلا الطرفين !!!" .. يعني يصنعون جهة المعارضة ويحشروها في الجهة المقابلة لقوى الرفض والتغيير بأمل اختراقها بعد أن يزوّدونها بكافّة وسائل الظهور , بما فيها , وهو أهم ما في نواياهم الشرّيرة , الأسلحة ! , لإرهاب الطرف المقابل وإرعابه , الغرض منها واضح , كما عوّدنا الغرب بمثل هذه الأساليب الخسيسة التي اشتهر بها وطبّقها في أنحاء كثيرة من العالم التي يدّعي فيها مصالحه , لتحريكه وإثارته , على امل أن يبادلها المقابل بنفس الأسلوب الدموي رغم دفاعه فيها عن نفسه , وهنا يجد ضالّته! , بعد أن يكونوا قد حصروه في زاوية ردّة الفعل , وكما نجده يطبّق حرفيّاً في ميدان التحرير بمصر ! , ثمّ نجد بعد ذلك دموع الغرب تسيل على الشعب المصري , فيصدرون , بما فيهم نتنياهو المرعوب بما يجري في مصر أوّل الأمر ! , بياناً يدعون فيه "الطرفين" لـ"ضبط" النفس وعدم الانجرار للعنف !!! للإيحاء وكأنّ المعادلة أصبحت متكافأة بين "الطرفين" بين مؤيّد للرئيس وبين معارض ! , ... وأخر سفالات الغرب , والتي تعوّدنا عليها في تصريحاتهم , هو "وقت التغيير في مصر قد حان"! .. و .. شعب مصر لا يود أن يرى خطابات بل يريد أن يرى أفعالاً ملموسه .. الخ , وكأنهم أصبحوا ثوّاراً اكثر مصريّةً من المصريين ! ..

ما وصل إليه محمد حسني مبارك من هوان وذل وافتضاح لحقيقته السلطويّة التسلّطيّة وافتضاح لكامل عمالته وخيانته لمصر وللأمّة العربيّة والاسلاميّة , كان من فعل يديه , وتحديداً منذ أن اشتغل "نائحة ومولولة" على دخول الجيش العراقي الكويت , فلم يترك حينها فرصة أو مناسبة تؤذي العراق وتؤذي العراقيين إلاّ وسلكها هذا المتسلّط بدل أن يساهم في لملمة الأمر .. ولا ندري سرّ كل هذا العداء الذي يكنّه حسني للعراق ولأهل العراق ! هل لأنّ العراق آوى أربعة ملايين مصري من الأيدي العاملة "الشقيقة" , بدل أن يستقدمها , كما يفعل الخليجيّون , من جنوب شرق وغرب آسيا ومن أنحاء كافّة من العالم , لبناء العراق الذي كان ينهض بقوّة آنذاك , جميعهم "الأشقاء المصريّين المستقدمين" كان يملأ خزائن مصر بمليارات من الدولارات العراقيّة شهريّاً !! .. ثمّ , وهل لأنّ العراق جعل من شقيقه المصري أن يتمتّع بجميع الحقوق التي يتمتّع بها المواطن العراقي ابن البلد , بل ويزيد عليه ! بينما رأينا كيف يعامل المصري في ممالك وامارات الخليج العربي وفي ليبيا وفي غيرهما ! , ولا زلنا نرى , وبشكل لا لبس فيه , وعلى الهواء مباشرةً , كيف يعامل حسني مبارك مواطنيه المصريين !! ..


حسني ساهم في إيقاد النار ضدّ العراق منذ عام 1990م وساهم في تدميره , مع الأدوار التي أنيطت به وبحكومات الخليج ومملكة آل سعود , توافقا وعلى نفس الإيقاع , بعد تسهيله لمرور القوّات الغازية من مياهه لتدمير العراق , وزادها في عام 2003 م , وقد مارس نفس الدور الذي انتهجه من قبل بعد "تحرير" الكويت , بل وزاد في تسعيره نار تدمير العراق يوم ساهم في دماره بعد الاحتلال , واعترف بكل ما أقدم عليه المحتل من تدمير للعراق ومن ذبح وقتل وتفجير وتيتيم وتهجير الملايين من خيرة أبناءه , بل وسكت مبارك وشجّع عمليّات الاغتيال التي طالت ضبّاط العراق وطيّاريه وعلمائه وأساتذته على أيدي عناصر موساد أشقائه الاسرائيليين ! , وزاد في غيّه حين صدّ عن جميع نداءات التحذير التي ستصل فوضاها مصر وجميع أقطار ودول المنطقة إذا ما احتلّ العراق , إن آجلاً أو عاجلاً , "وستتهاوي" الأنظمة العربيّة واحداً بعد الآخر و "ستكنس" جميعها , كما صرّح بها المحذّرون ! , خاصّة إذا ما استمرّ تجويع العراقيين وإذا ما استمرّ حصارهم ثمّ وإذا ما سهّلوا احتلال العراق وإذا ما استمرّ احتلاله , وقد صدق المتنبّئون , فها هي نار العراق التي أوقدها محمد حسني مبارك وأشقائه الأعراب , تطاله , وتطالهم , وتحرقه , وستحرقهم , بعد أن تخلّى عنه أشقاءه الإسرائيليين وشيوخ الخليج التي ستحرقهم أيضاً , بشكل أو بآخر , نار العراق الموقدة , لا محالة ...


من المحتمل , وهو المرجّح , أن حسني مبارك محتجز أو مجبر على البقاء على كرسيّ الحكم السلطوي , يذكّرنا عناده بالعناد الذي أبداه المالكي "مع الفارق بالطبع" عندما تشبّث بكرسيّ الحكم واستمر خارج مدّة حكمه بثمانية أشهر واخرج قانونه ! رغم خسارته في الانتخابات , وقال "ما أنطيهه"! لأن العراق ملك أجدادي الكياسرة , والتصق , لحين ما يرتبّ الغرب مستجدّاته , كما يجري الآن في مصر وراء الكواليس , ويعثر على ضالّته التي داخ فيها بين دهاليز مفاجأة "التغيير" التي أتت عكس ما اشتهاها , فانقلبت ملامحها من "شرق أوسط جديد" مقزّم يسيّره هو على هواه ويستطيع استعباده , إلى شرق ـ عراقي مقاوم ـ تونسي ـ مصري ـ عربي جماهيري ـ بدأ يفرض إرادته على الغرب فرضاً , بل وستصل مديات التغيير فيه إلى الداخل الغربي نفسه ! .. أو قد يكون من المحتمل أنّ الذين احتجزوه هم أنفسهم أعضاء طاقم الحكم التي كان يترأّسه , لا يخلوا أعضائها من عضو مشكوك بصهيونيّته , هو بمثابة "لولب" ورث ويورّث "منصبه" كشرط من شروط سدّة حكم مصر لمن يريده , تبقي فيها مصر تابعة للغرب , رومانيّاً ! ..


على ضوء ما قدّمناه , ربّما سنكون غير مخطئين , ونرجوا الله أن لا نكون كذلك , إذا ما توصّلنا إلى قناعة او استنتاج يفصح عن أنّ هنالك , لربّما , لا سامح الله , مساومة , تجري فصولها وتطبخ تحت التهديد , بين الغرب بقيادة اوباما وكلينتون , وبين حسني مبارك وطاقمه , غطائها التأييد الغربي المزعوم لتنحي حسني عن الرئاسة , وبازار عرض البضاعة , للتساوم ؛ الجماهير المصريّة الحاشدة المحتشدة في مسلخ ميدان ساحة التحرير والمصرّة على تغيير النظام المصري , بينما يقف المتساومون على شرفات الساحة بين مهدّد وبين معترض ويبيعون ويشترون بالرؤوس !....


فعلى الشباب ثوّار مصر العظيمة أن يعوا أن لا يكونوا كذلك , وعليهم أن يواصلوا الضغط باتّجاه الاستيلاء على القصر الرئاسي تسبقها الاستيلاء على مراكز الدولة الرئيسيّة لتربك أيّة مساومة تستهدف المتاجرة بهم , ومهما كانت ..
 

 

 





الخميس٣٠ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة