شبكة ذي قار
عـاجـل










ربّ شرارة أحرقت سهلا !
ولذا فإن الشرارة التي إتطلقت من تونس الخضراء وتحوّلت في ظرف أيام الى بركان زلزلَ أركان نظام الدكتاتو ر زين العابدين بن على وأرغمه على الهروب كاللص تحت جنح الظلام, سوف تحرق سهل النظام العربي برمته, شاء الحكام العرب أم أبوا. وسوف لا تنفع معهم مكابرة أو لفّ ودوران. لقد دخل المارد العربي في سبات عميق لعدة عقود. ولا بد له أن يستيقظ ويتمرّد ويطيح بمعابد الكهنة وسدنتهم المأجورين. حتى أهل الكهف إستيقظوا بعد نومة دامت دهرا. وها هم العرب يستيقظون بعد أن أوشكنا أن نموت يأسا وخيبة.


واليوم نحن نرى الشعب المصري بالبث المباشر, بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة في متناول الجميع, رافعا رأسه صارخا بوجه فرعونه حسني مبارك بعد أن أراد له هذا اللامبارك أن يعيش على فضلات وفُتات أمريكا وإسرائيل ويكون درعا واقية لحماية قطعان المستوطنين اليهود الصهاينة, وهو شعب ذو تاريخ مجيد حافل بالثورات والانتفاضات وصاحب أقدم وأعرق حضارة في التاريخ. وليس غريبا على هذا الشعب ومصر, التي تشكّل العمود الفقري للأمّة العربية, أن ينتفض ويثور ضد طاغية جائر في أرذل العمر يريد أن يموت جالسا على كرسي السلطة.


إن من الميزات الجميلة التي تحملها ثورة تونس المباركة هي أنها إنطلقت في بداية عام جديد. وها نحن مقبلون على مرحلة حاسمة ومنعطف نوعي ومختلف تماما عن السابق. فبعد أن مزّقت الشعوب ستائر الخوف وتخطّت حاجز اللامبالاة وخرجت من سجون اليأس والخنوع, بدأت تعدّ العدّةة لخوض ما يمكن إعتباره "الجولة الأخيرة "مع حكّامها الطُغاة الفاسدين. وقد تكون التضحيات جسام والخسائر كبيرة لكنها في نهاية المطاف ستكون مفتاح فجر جديد وخطوة واثقة نحو أفق الحرية وجِنان الديمقراطية التي سرقها منّا وأقصانا عنها أكثر من طاغية ومستبدّ, بدعم ومباركة أسياده الأمريكان والصهاينة.


إن عجلة التاريخ تدور وسنّة التطور سائرة الى الأمام ولا يستطيع أي حاكم مهما كان ظالما أو فاسدا أو جائرا أن يوقفها, وحتى لو تشبّث بكرسي الرئاسة بيديه وأسنانه ومؤخرته فلا بد وأن تجرفه رياح الثورة العاتية. لا يمكن لأي شعب من الشعوب أن يصمت على الظلم والفساد والاذلال الى ما لا نهاية. لقد إندلعت إنتفاضات وثورات في أكثر من مكان, حتى دون سفك دماء أو تدمير مؤسسات. وقد حصل ذلك في بلدان أوروبا الشرقية سابقا. وها هو دورنا نحن العرب آتٍ لا محالة. لم تبقَ في هذا العالم المترامي الأطراف والدول دولة الاّ وإنتفض شعبها ضد حكّامه المستبدّين, باستثناء الشعوب العربية. وها هي الشعلة الأولمبية للثورة تأتينا من تونس ومن شعبها الأبيّ الذي إستحقّ بجدارة وإمتياز الفوز بالمدالية الذهبية.


إن الانتفاضة التي يعيشها الشعب المصري هذه الأيام ضد فرعون مصر حسني اللامبارك لم تأتِ من العدم. فشعب مصر تحمّل, ربما أكثر من أي شعب آخر, سنوات من الذل والاهانة وهدر الحقوق والكرامة, الشخصية والوطنية معا, على يد مبارك وعائلته وعصابات رجال الأعمال المتنفّين الذين وضعوا السياسة والأقتصاد في جيوبهم وأصبحت مصر بلا مبالغة "جمهوية رجال أعمال" إتسعت فيها بشكل مرعب الفجوة بين فقرائها الذين باتوا يشكلون الغالبية العظمى من السكان وبين أغنيائها وأباطرة المال الذين لا يتجاوز عددهم الاّ بضع مئات. فليس غريبا على شعب حوّله حكّامه الى شعب متسول يعيش على فُتات الأمريكان والصهاينة, أن يتمرّد وينتفض. ألم يقل الصحابي أبو ذر الغفاري: "عجبتُ لمن لا يجد في بيته قوت كيف لا يخرج شاهرا على الناس سيفه؟".


قد لا تجدي نفعا العمليات الجراحية التي أجراها فرعون مصر حسني مبارك في إقالة الحكومة وتعيين رئيس المخابرات عمر سليمان نائبا له, وتكليف الضابط السابق أحمد .شفيق بتشكيل حكومة جديدة قد تضم في صفوفها وجها "جديدا" ممّن يحسنون ركوب الموجة وتغيير الهوى والهوية في ليلة وضُحاها. لكن المشكلة, أي مشكلة الشعوب العربية, ليست مع الحكومات بل مع الحكّام. لأن جميع الحكومات, ربما باستثناء لبنان, هي أداة طيّعة في خدمة الحاكم ولعبة رخيصة من ألعابه الكثيرة. فالحاكم العربي يعتبر نفسه, لأنه يحتقر شعبه ويبخسه, منزّل من السماء ومعصوم عن الخطأ, أي بعبارة آخرى. ظل الله على الأرض.


كل شيء في البلاد العربية قابل للتغيير الاّ الحاكم, سوى كان ملكا أو شيخا أو رئيسا. لأن جنابه"الموقّر"ممنوع من الصرف وغير قابل للازاحة. وعليه, فان على الشعوب العربية, بغض النظر عن درجة قسوة وجور وفساد حاكمها, أن تعتمد على نفسها وتوظّف إمكانياتها الذاتية رغم تواضعها في تحقيق هدفها المنشود. وأن تتوقى الحذر كل الحذر من بعض أنواع "لمعارضة"خصوصا تلك التي كانت ترعى وتمرح وتسرح في جِنان الحاكم الفاسد. وأن تكون يقظة: "كي تعرف الشحمَ ممّن شحمه ورمُ" كما قال المتنبي.


فلا يوجد شيء أخطر على أية إنتفاضة أو ثورة من الانتهازيين والوصوليين والمتسلّقين على أكتاف الآخرين, والمتصيّدين في المياه العكرة, وما أكثرهم في الأمّة العربية من سوء الحظ. لقد كانت تونس الاولى ولا نريد لمصر أن تكون الأخيرة. فالثورة, وأن تعثّرت أو تباطأت هنا وهناك, يجب أن تستمر. وعلى الشعوب العربية أن تدرك أنها بانتفاضتها وتمردّها وثورتها ضد الطغيان والظلم سوف لا تخسر شيئا سوى حكّامها الفاسدين العملاء.


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد٢٦ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة