شبكة ذي قار
عـاجـل










أحرق شاب نفسه في تونس فاحترقت بلاده غضباً وأسقطت نظاماً سياسيا.. وفي العراق يسقط المئات والآلاف فيبقى النظام وتظل جثث من أبناء الشعب تتساقط.


وهذا ما دفع كتّاب إلى وصف شعب العراق بالجبن، والخوف، وعدم الإقدام، ونسوا أن هذا الشعب يقاوم منذ أن خلقه الله كل طامع ومحتل وغازٍ، ونسوا قراعه للمستبدين، ونسوا مواقفه الشجاعة ضد أعداء الأمة..


لا يحتاج شعب العراق أن يتعلم من أحد كيف يدافع عن كرامته فهو من علم الكون معنى المقاومة، ففتح جنديين عراقيين النار، في معسكر الغزلاني في الموصل، على جنود احتلال، في حادثة مسبوقة مرات كثيرة، دليل على أن هذا الشعب لن ينام على ضيم، وإذا كانت هذه الحوادث فردية فإنها، في الأقل، تعكس روح هذا الشعب المقدام وتعطيك صورة عنها.


وقد تفسر لنا هذه الحوادث سرّ استهداف الشباب العراقيين الذين يتطوعون للخدمة في الجيش والشرطة الحالية، فالعراقي أينما يكون تظلُّ عراقيته متوهجةً فيه، واثبةً دوماً، تحرِّضه على الدفاع عن قيمه وأرضه، وليس هذا كلام شعارات فارغة، ولكنه كلام له في التاريخ أدلة ووثائق ومستندات وإثباتات، ليس عليّ أن أوردها، بل على من يكتب، وهو لا يعرفها، أن يتحراها في تاريخ هذا الشعب وحاضره المقاوم.


الثلاثاء الماضي، عادت التفجيرات الانتحارية التي تستهدف المتطوعين على الجيش والشرطة الذين لم يجدوا في بلدهم مجال رزق غير هذا، فقتل، في الاحصائية التي صدرت مع كتابتي هذا المقال، خمسين شخصا في الأقل وإصابة 150 آخرين بجروح في تفجير انتحاري بحزام ناسف استهدف مركزا لمتطوعي الشرطة وسط مدينة تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين، شمال بغداد.


وأفادت الأنباء أن رجلاً كان يرتدي حزاماً ناسفاً عند نقطة تفتيش أمنية تجمع فيها عدد من الأفراد ينتظرون دورهم للدخول إلى المركز، الذي يقع داخل أحد القصور السابقة للرئيس الراحل صدام حسين في تكريت التي هي مسقط رأسه.


وتعرضت مراكز التجنيد في العراق أكثر، من مرة، لهجمات انتحارية، سواء بوساطة أشخاص يرتدون أحزمة ناسفة أو بوساطة سيارات مفخخة، وقتل الآلاف في مثل هذه الحوادث، من دون أن يجري تحقيق في هذه التفجيرات، فلو كان أي تحقيق جرى لنشرت نتائجه، أي لو كان لبان.


والانتحاري الذي يستهدف مثل هذه التجمعات غالباً ما يتخفى في زي رجل يرغب في التجنيد، فيرتدي الحزام الناسف تحت ملابسه، ما يؤدي إلى سقوط العشرات من المجندين الجدد، ومعظمهم من الشباب، قتلى وجرحى جراء ذلك؟


ولو أن حادثة واحدة من هذه الحوادث حصلت في أي بلد متخلف لأوجدت القوات الأمنية في ذلك البلد آليات للتحصن من مثلها، فكم مرة يجب أن تجري في العراق لكي يعثر المختصون والفنيون في الحكومة الحالية، الذين يعتمدون في تفتيشهم على أجهزة كشف متفجرات "سونار"، وصفتها صحيفة "كريستيان مونيتر" بأنها لا تصلح حتى كلعبة اطفال.


هل العراقيون يقتلون العراقيين؟


نعم، هذا ما تريد ترسيخه قوات الاحتلال وتابعيها الصغار في أذهان العالم، لكن العراقيين يعرفون من يقتلهم، كما قلنا من قبل، وقد أراد، أحد المعممين من علماء الدين في بلد عربي أن يقنعني بأن العراقيين يقتلون العراقيين، ونسي قاعدة أن أهل مكة أدرى بشعابها.


ماذا تقول يا سيدي المعمم، مع شديد احترامي لشخصك، بما نشرته وسربته للعالمين وثائق ويكيلكس، وما تقول في ما ذكرته، قبل أيام، صحيفة "التلغراف" البريطانية أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نجحت، بالتعاون مع القوات الأمريكية بإحضار العشرات من المسلحين الأفغان إلى العراق لاستخدامهم في العمليات السرية بتدبير أمريكي، والتي شملت التفجيرات والاغتيالات التي استهدفت العراقيين.


وفي وقت سابق تم الكشف عن تقرير أمريكي يقول إن الشرطة العراقية قامت في عام 2007 بإيقاف شاحنة وجدوا بداخلها 30 إلى 40 من الأفغان التابعين لحركة طالبان.. ولكن من أعلن ذلك ومن حقّق فيه.. وإذا كان ثمة من حقّق فأين نتائج التحقيق؟.


استمعت، قبل أيام أيضاً، إلى سياسي عراقي بزي رجل دين، قدم من دولة جوار أقام فيها مدة، وهو يدعو لمقاومة المحتل، بعد أن عاثت ميليشياته الطائفية بمصائر العراقيين وحيواتهم، وقال لهذه الميليشيا: إذا أردتموني معكم فلا أريد أن أسمع شكوى من أفعالكم من الشعب العراقي أو من خارج الشعب العراقي..


وسبحان مقلب الأحوال، فهو، بقدرة قادر، انقلب من مقاومة العراقيين إلى مقاومة المحتلين.. ومن مفرق للعراقيين بالاغتيالات الطائفية إلى موحد لهم.. ولكنه يقاوم المحتل مع احتفاظه بدوره في العملية السياسية التي فرضها هذا المحتل.. وتعيينه وزراء من ميليشياته في حكومة تأتمر بأوامر المحتل؟.. فأي ضحك على الذقون مكشوف وبارد هذا؟..


هذا الرجل يسميه المغرر بهم من جماعته سيد المقاومة والمجاهد والقائد، فأي مقاومة هذه التي هو سيدها وقائدها؟..


المهم، أن الظرف المناسب لغضب العراقيين سيأتي غداً، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وسيعلم الجميع غداً من هو سيد المقاومة الحقيقة وقائدها، وغداً أيضاً، بعد أن يعود هذا القائد المجاهد إلى جحره، إن وجد جحراً يلّمه، ستنكشف وثائق ووثائق تبين كم دماً عراقياً بريئاً في رقبة هذا السيد وأمثاله سيحاسبه عليها الشعب قبل أن يحاسبه الله.. وإن غداً لناظره قريب.

 

 





الجمعة١٧ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١/ كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة