شبكة ذي قار
عـاجـل










صنعة تحقيق الأمن تتطلّب ممّن يقودها ثقافة أمنيّة شاملة لا تبتعد عن قراءات علم النفس وتاريخ الشعوب والأمم قراءة واعية وليست قراءة حسينيّة ! فهي ثقافة أوسع بكثير من السابقة "الاحتراب الطائفي" , ففعّاليّتها تأتي وفق المستجدّات الدوليّة والسياسات الاقتصاديّة ومافياتها العالميّة لا تبتعد أيضاً نتائجها ساعة التأزّم منإشعالها الحروب المناطقيّة  أو الشاملة , ومنها الحروب الطائفيّة نفسها ! , ووضع العراق المباح أمام دول الجوار والدول المجاورة لدول الجوار وما بعدها والأبعد , دليل واضح وباعتراف حكومة المنطقة الخضراء على ما نقول , فالحرب الطائفيّة مهما عظمت تبقى مهمّتها في نطاق ما جاورها كأسوأ الاحتمالات , ولكنّ تحقيق الأمن الداخلي ومكافحة التجسّس يرتبط أمره دوماً بالخارج , يعني بجميع بلدان العالم , بما فيها التأثيرات الطائفيّة الوافدة , لذا تتنوّع فنونه الإجراميّة , وذلك يتطلّب مواجهتها , علاوة على بنية لوجستيّة متينة ؛ شخصيّة لها دراية بثقافة كلّ بلد ومقاصد سياساته يستطيع تلمّس نوع ومعدن جرم المخرّب الذي يلقى القبض عليه ويقرأها قراءة سريعة غالباً , لا أن يهرع للمايكرفون يتّهم "عمياوي"  بلداً آخر كل المؤشّرات المنطقيّة تقول عكس ذلك ! ...


ولنقل , إذا لم نكن مقنعين في طرح استفساراتنا هذه , ونسلم أنّ المالكي قد حقّق الأمن أيضاً ! .. إذاً , لِمَ لم يترك الحكم بعد تحقيقه ؟! , فبحسب قوله أنّه قد حقّقه وبحسب ترديد ذلك من قبل الناطقين باسمه في وسائل الإعلام المختلفة , الكاتمة منها والناطقة و"الصاهلة" و"الجاعرة" , فهل سعادته متأكّد أنّه مخلّد في الدنيا وسوف لن تقوم للعراق قائمة في حالة وفاته ! إذن الذي حقّقه , أمن هش , قابل للاستعمال لمرّة واحدة !...


كما ولا أعتقد أنّ سعادة الوزير تصلح قدراته التي لا نعلم بعد عنها شيئاً لتأسيس البنى التحتيّة في البلد !؟ فهذا غير ممكن إطلاقاً لشخص متواضع مثله قضى حياته بكاءاً على الحسين فانغلق على حبّه وعانى بحدود معاناة مأساته وتطوّق بها , والدليل الذي نستند به على أنّ المالكي غير أهلاً لهذا هي مجموعة آثار وعلامات متاحة ترى الآن بالعين المجرّدة لكلّ العراقيين , أوّلها أنّ الأمّيّة أصبحت تستشري في الجسد العراقي مثل النار في الهشيم بعد أن تمّ القضاء عليها تماماً بمبالغ زهيدة نهاية سبعينيّات القرن الماضي قبل أن يعتلي خميني سدّة حكم إيران !!؟؟ , ثمّ وكيف تكون هنالك بنى وإعمار يأتي من اقتطاع أراضي البلد  تحت مختلف المسمّيات  "فدراليّة , إقليم , متنازع عليه , حقول نفطيّة مشتركة! , طب "بالغلط" وطلع يَمِسعِده ! ,  خط أحمر... الخ" ثمّ أنّ التأميم العظيم نفسه قد قرضه السيّد المالكي وأفرغه من محتواه بالعقود والاتفاقيّات الغير متوازنة مع شراكة الشيطان الأكبر! فبماذا سيعتمد على إعمار العراق إذاً ابو اسراء؟ ... خاصّة وأنّ الإعمار , كما نفهمه , ليس عوارض كونكريتيّة وعمارات شاهقة وكهرباء شمسيّة أو نوويّة أو خدمات  أخرى رغم أهميّتها , إذ بنائها يجب أن يعتمد , وفق المنطق السليم الذي تنشأ عليه الدول التي تحترم نفسها وذاتها , على الطاقة العلميّة لأبناء البلد نفسه بعد أن يكونوا قد أعدّوا إعداداً سليماً لا تزويراً ! لا إعمار شركات عابرة ! , ويأتي جني محصوله العلمي برؤيا استراتيجيّة تدعمها خطط لوجستيّة راسخة لابدّ وأن تكون محميّة ذاتيّاً لا محميّة من قبل حراب المحتل , وخاصّة إعمار بلد  بمستوى العراق وحجمه , الذي تطلّب تنفيذ مشروع الإعمار الشامل فيه بحسب رؤى "المعارضة" ووعودهم قلب نظام حكمه لغرض تحقيق الديمقراطيّة ومطالب حقوق الإنسان والنهوض به بمستوى نهوض اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبيّة , خاصّة إذا تطلّب تحقيق قلب الحكم جلب قوّة عظمى هي الأعظم , قوّة متعطّشة للنفط والاستغلال والهيمنة الكاملة على بلدان العالم ! , ومشروعها هي الأخرى هكذا "استعمار العالم بأسره" , أيّ انطبق عليهم المثل "وداوني بالتي كانت هي الداءُ !" , إذن ستكون مثل هذه التضحية من قبل مثل هذه المعارضة , إن كان يمتلك أعضائها ذرّة من ضمير, بمستوى الحرص الكامل على مصالح بلدها وشعبها ! , ولكنّ مثل هكذا "تضحية" كما ادّعت هذه المعارضة وفجّرت لأجلها وقتلت الآلاف من العراقيين طيلة ثلاثة عقود , يجب أن يبزّ مشروعها , إن كان لديها مشروع غير مشروع النهب , الإعمار الموعود ويزيد على ما هو موجود أضعافاً مضاعفة تتساوى وعظم المذلّة الكبرى التي أوقع فريق راكبي الدبّابات العراق وشعبه في مهانتها بعدما عجزت هي عن الإطاحة بالنظام العراقي رغم قوّة الإيمان الحسيني الذي ادّعته هذه المعارضة والـ"حق" الكووردي العنصري الشوفيني  ولم تشفع لهم تسميات أفواجهم , مثل  تسمية "بدر" التي سبق لواقعتها , الغير مزوّرة , أن غيّرت مجرى التأريخ من غير أن يكون هناك من بين قادتها لا سامري ولا عامري ! ...


 إعمار البلد يجب أن يكون إعماراً شاملاً إذن سيادة أبا إسراء , وخاصّة بلد بعمق حضارات العراق .. ولا عليك .. فبحساب وطرح وجمع وقسمة سنتوصل في نهاية الأمر أنّكم  ستصطدمون ببنود الاتّفاقيّات الأمنيّة التي وقعتموها مع المحتلّ في نهاية الحسبة , إذا ما تجاوزنا جميع فقراتها الصادمة والمانعة التي تقف حائلاً وخططك في البناء المفترض , فعلى الأقل كان يجب عليك أن تضع في حساباتك لزوم تأسيس جيش عظيم تأتيه الأوامر من قيادة مؤمنة ببلدها يستطيع النهوض نهوضاً ذاتيّاً بصناعات أسلحته باستقلاليّة تامّة قدر الإمكان تدخل من ضمن السياقات الستراتيجيّة البعيدة المدى للدفاع عن البلد مهما تكون قوّة المعتدي ويستطيع أن يحمي الانجازات العظيمة "المستقلّة" التي ستحققها على افتراض , والانجازات يجب أن تكون منافسة تأخذ بالحسبان استقلاليّة القرار بما يخدم بلد مثل العراق كما قلنا لكم , لا أن يكون بلداً "مكمّلاً" في قرارته لبلد آخر ! فمثل هذا البلد بالضرورة ستكون انجازاته مكمّلة لذلك البلد ! , وبلد  "متطوّر" أمّا أن يكون تطوّره ذاتيّاً , أي صانع لحضارة , أو لا يكون , فما أكثر البلدان التي يقلق بها مسامعنا الإعلام العالمي يوميّاً وينفخها في رؤوسنا على أنّها بلدان متطوّرة ومستقلّة وذات سيادة أنتجت "نفس التراكسود ونفس قمع الرأس ونفس كيس التبضع ونفس أشكال بقيّة الملابس ونفس طعم الشكولاتا ونفس علب وقناني الشراب الغازيّة ألواناً وأشكالاً وتصميماً وتفصالاً وأسعاراً ونفس الآليّة في التنقّل , تصميما وموديلاً ونفس النظرة إلى الكون .. الخ" وفي نهاية الأمر نكتشف أنّها تعجّ برؤوس الأموال من كل حدب وصوب ونكتشف أيضاً أنّها محميّة بـ"اتفاقيّات" عسكريّة مع هذه القوّة العظمى أو تلك أو كلاهما معاً من بلدان الاستعمار الغربي , ككوريا واليابان وما تسمّى بالنمور السبعة مثلاً , لا تستطيع أن تتجاوز الحدّ المسموح به في القرار مهما لمّعت من نفسها , وتكون في أحسن أحوالها مكبّ نفايات بأنواعها من قبل الدول الحامية , وأبنائها عرضة لمشاركة الدول الاستعماريّة أينما تكون حروبها , تحت مسمّيات المجتمع الدولي وقوّات الأمم المتّحدة !... وبلدي العراق يا سيادة رئيس الوزراء لا يشرفني أن يكون بمثل هكذا بلدان وإن باركتها دعايات آلة الإعلام ذات العمل الآليّ المزدوج ـ المشيطن والمبخّر ! ـ  . فقد أدرك الكثير من شعوب العالم مثل هذه الحقيقة , ليس اليوم , وإنّما منذ عهود الرومان والفرس وغيرهما , ومنهم عرب الصحراء الذين فضّلوا العيش في الصحارى والاقتتات على مواردها الشحيحة من غذاء وماء ولا أن يرى أحدهم البزّة العسكريّة الرومانية أو الفارسيّة تجوب طرقاته وترقبه عينا صاحبها بتحذير ! ولا ندري بماذا نفسّر ألوان زيّ الجيش العراقي الحالي المشابه لزيّ الجيش الأميركيّ المحتل وجنوده يمشون نفس مشيتهم العسكريّة المشابهة لمشية البط ! ... ثمّ يقال أنّه جيش مستقل ! , لا بل ويحتفى به بـ(تزوير) بطاقة الانتماء ذات التسعين عاماً واستغلال سنوات الجهد الجهيد في بنائه استغلالاً قبيحاً , تلك السنوات الذهبيّة من العزّ والكرامة والشموخ والتي تطوّر خلالها جيش العراق العظيم الذي أوقع بخبراته العظيمة والطويلة التي خاض حروب الدفاع فيها عن المقدّسات خلال سنواتها التسعين تلك  , ومن موقع المواجهة بالكرّ والفرّ والتخندق , أوقع بأعتى قوى الأرض الخسائر الفادحة اضطرّت لها هذه القوّة أن تحتمي باتفاقيّة قد تخدع شعوب العالم بها بضنّها لتهرب تحت جنح ظلامها من أرض العراق ...


بعد كل هذا .. أين مشروعك الاعماري الشامل  يا أبو إسراء الذي تدّعي في كلّ مناسبة أن وجودك من وجوده وبسببه لازلت متشبّثاً بكرسيّ الحكم أكثر من تشبّث عبيد الله ابن زياد به ! ؟ أرنا خرائط مشاريعك المستقلّة "ذات السيادة" التي لا تخطئها عينا خبير , ولا ترنا أحلامك وتسوّقها لنا على أنّها حقائق , فاعلم أنّ أيّ موظف بسيط جدّا باستطاعته أن يبني حدائق وأرصفة شوارع وعمارات شاهقة , وبدليل أعراب دبي العاربة ! , فإن كشفت عن مثل هذه البرامج الجادّة , وأوّلها قطع صلتك بالشيطان الأكبر وحليفه وليّ  "عج" عندها سنقتنع بجدوى وجودك على سدّة حكم العراق ...

 

 





الاربعاء١٥ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة