شبكة ذي قار
عـاجـل










مع الفارق الايديولوجي "المرغوب فيه" من قبل "جهات التغيير" الغربيّة , يمرّ عالمنا العربي اليوم بنفس الظروف التي مرّ بها الشعب الإيراني يوم سحبت تلك الجهات يدها عن قصد وإصرار عن حماية شاه إيران عندما تخلّت المخابرات الأميركيّة في تلك الأيّام السوداء المحمّلة برياح الطائفيّة الصفراء التي كانت منطقتنا على موعد معها وتركت ذلك النظام العلماني يتهاوى ويذوي تحت رحمة غطاء الانقلاب الشعبي "الإسلامي" على الحكم "الطاغوتي" الشاهنشاهي ! وتركت طائرة الشاه محمّد رضا بهلوي تطوّح بها الرياح معلّقة ما بين السماء والأرض يهشّها ويدفعها عنه بعيداً هذا الحاكم الصديق وذاك الرئيس البعيد خوفاً من أن تنتقل عدواها إليه قبل أن تستقرّ بين أضلاع أهرام مصر وتنتهي حياته ويدفن بين أمواتها ... وقراءة سريعة لخارطة الوضع السياسي في الوطن العربي اليوم ومنذ احتلال العراق وتغيير نظام الحكم فيه وتنصيب هذه الحكومات المتعاقبة عليه وتقييده وتكبيله بها تحت مختلف الحجج والبنود وجعله بالتالي عراقاً كسيحاً لا حياة ولا نبض فيه هو بحاجة لمن يعينه ويحميه ولو من أضعف دول العالم وأكثرها هواناً على الناس , فإنّنا سنرى من خلال القراءة السريعة للوضع السياسي في الوطن العربي تتحرّك خارطته السياسيّة باتّجاهات شتّى بالتزامن مع أحداث دراماتيكيّة في الداخل العربي , تقريباً متسارعة , تمسّ الخاطر الجماهيري فيه وتتسارع وتتنقل عبر حواجز سايكس بيكو منذرة المنطقة بتقزيمات جديدة تدخل الشعب العربي في أقفاصها عنوةً وبالإكراه في خطوة أخرى أكثر تقييداً للإرادة العربيّة وخطوة أخرى باتجاه إنعاش حركة "زوارق الموت" وحواجز اليونان وسبتة ومليلة المغربيّتان التي يهاجر عبرها هذا المواطن للخلاص وتحقيق أحلامه البسيطة بعد أن عجز عن أن يحقّقها على أرضه الغنيّة بالثروات , وما يجري في تونس صورة طبق الأصل لما جرى في إيران الشاه تخفي ما بعدها ...


أحداث تونس أحيت في أذهاننا ذكريات الأمس الخمينيّة الشاهنشاهيّة , وهي بكلّ تاكيد تخبّئ ورائها احداث مدوّية قادمة ومسرعة ستتلاطم لها المنطقة على إيقاعات غربيّة متوازنة إن لم يسارع الوعي العربي لأخذ مكانه الصحيح في ضميره الجمعي ويفرز أوّل ما يفرز كشف قراءات المارينز "العرب" وذووا الأصول الغير عربيّة المندسّة بين أضلعه باسم الدين وباسم حب آل البيت عليهم السلام , وهم كثر ! , فعودة وعيه إليه ستخلّصه من سحر فرعون في الرؤيا المتكسّرة لشقيقه العربيّ وسيراه بوضوح بعد أن يكون بوعيه قد تخلّص من أوهام التديّن الزائف والطائفيّة المسمومة والمذهبيّة القذرة التي زرعتها "الأخوّة الإسلاميّة" بين حناياه طيلة قرون بطريقة المثل الشعبي العراقي القائل "يذبّ حجار بالظلمة!" تمهيداً للقضاء عليه , فوعي العربي هو منجاته وهو ستره الأخير وملاذه الآمن , فالعربي أينما كان , في الشطرة أو أبو صخير أو في أغادير أو الخرطوم هو المستهدف من كلّ ما يجري تحت قبّة الأمم المتّحدة أو على أرضه , ومع أنّ ليس ببعيدة عن الأحداث الدمويّة التي تعيشها تونس تأتي عمليّة اغتيال نجل شاه إيران في نيويورك مؤخّراً من قبل جهة تابعة لنظام الحكم الإيراني تحت غطاء الانتحار ! والتزامن "المنطقي" مع التغييرات المدوّية المقبلة واستشعار إيران برياح التغيير القريبة منها فسارعت على أُثر إيقاعاتها بعمليّة الاغتيال كما استشعرت يوماً التغيير المقبل عليه العراق من قبل فاغتالت الصدر "الأب" , تحوّطاً منها للأمر المقبل عليه الوطن العربي برمّته بهزّات عنيفة قد تقوّض أعمدة أسيجة "سايكس بيكو" باتّجاه زوايا وخاصرات ونتوءات جغراسياسيّة جديدة يتشكّل منها "الشرق الأوسط الجديد" ليس فيها للعرب أيّ مكانة دوليّة تذكر ولا حتّى لإيران !...


"الدين" الصديق والرفيق الحميم للأثرياء وهذا يعني تحالفه الدائم مع الاستعمار , والتغيير الجغرافي المقبل عليه وطننا العربي , أو ما تبقى من بقايا جغرافيّة لهذا الوطن المنهوب غربيّاً وفارسيّاً , سيكون الدين وراءه ووراء محو خارطة هذا الوطن بالكامل إن عاجلاً أو آجلاً ! , فـ"الأخوّة الإسلاميّة" لا يدفع ثمنها غير العربي ! فقد تمّ توظيف هذه الأخوّة العرجاء التي تسير على ساق واحدة منذ قرون طويلة , من قبل ذووا الفهم الخاطئ للدين الإسلامي , ممّن لا يوازنون النص من منطلق فهمه الحقيقي مع ظروف إطلاقه , أو الذين تعمّدوا تحريف نصوصه , وهي مجتمعةً تعد من أهم أسباب ضياع قيم الدين الاسلامي الحقيقي وضياع العربي معها بين نزعات السيطرة الفارسيّة ـ التركيّة أوّلاً لتستمرّ بعدها عمليّة إركان العرب في زوايا المجهول شيئاً فشيئاً وحتّى يومنا هذا , وبما أنّ "الأخوّة في الدين" أهم من الانتماء القومي أو الانتماء القبلي , وفق القراءة الخاطئة للنص , فيتوجّب على العربي إفساح الطريق لجميع الملل والنحل أن تستقرّ على أرضه ولا مانع من استلامها مقاليد الحكم في الوطن العربي نفسه ولا مانع من أن يقاسم قطعة خبزه مع الوافد الغريب فيعامله على أنّه من المهاجرين ! , في حين تثور ثائرة أيّ فرد من هاتين القوميّتين ـ الفارسيّة أو التركيّة ,أو حتّى غيرهما ـ إذ ما تعارضت ومسّ مصلحتهم القوميّة أو مسّ جيبه الخاص استحقاق ديني واجب ! والشواهد كثيرة في هذا المجال ..


منذ وصول الخميني لسدّة الحكم في إيران , امتدّت مخالب الدين بشكله الطائفيّ المقيت منذ ذلك التاريخ , من ذلك الذي نراه اليوم يمزّق العراق وبدأت رطوبته العفنة تنتشر في أساسات المنطقة لتبدأ بتمزيق لبنان واليمن والبحرين ونجد والحجاز بعد أن استقرّت على أرض العراق أوّلاً , ثمّ تتبلور على موجة أخرى من التمزيق فانتقلت الصراعات إلى وجهها الديني الصرف فأخذت بتمزيق النسيج الاجتماعي المتجذّر عبر التاريخ فوصل إلى الاحتراب فيما بين الأديان بالتصفية الجسديّة والتهجير لمسيحيّي العراق لتنتقل العدوى بعده إلى مصر , علّ وعسى , أن تزلزل أساسات النسيج السوري أو الأردني وغيرهما , فيما عدى دول الخليج المجهريّة والسعوديّة المفخّمة بسقاية الحاج وعمارة المسجد ! ..


لم يغيّر "الهيجان الشعبي" نظام حكم يوماً من الأيّام إلاّ إذا كان هنالك من يقف بقوّة وراءه أو وراء ثورة شعبيّة تتقد هنا أو تفور هناك , فالهيجان يعني الفوضى , ومثلها لا يصنع دولة ,لأنّ الفورة أوردّة الفعل لا برنامج لها يمكن أن تستقرّ عليه حركة التغيير بعد نجاحها , إن نجحت , حتّى ثورة "سجن الباستيل" في فرنسا كان هنالك من يقف ورائها لتحقيق أغراض سياسيّة , وما حدث في إيران من تغيير في نظام الحكم فيه كشفت حقيقة ذلك التغيير الأيّام فيما بعد وكشفت الغايات الغربيّة الأميركيّة من وراء ذلك التغيير المتعمّد وكشفت كميّة الحصاد الدسم الذي جنته السياسة الأميركيّة بعد قدوم الخميني إلى سدّة الحكم , وأوّل نتائج خيرات الحصاد نكث قدرات العراق ثمّ سقوط الاتحاد السوفييتي القوّة الأعظم ! , فقد تبيّن مع مرور السنين وطول فترة اشتعال حرب الثمان سنوات أنّ الشعب الإيراني كان يؤدّي خدمات جليلة لرغبات الغرب الأميركي من دون أن يدرك ذلك بعدما عمت غشاوة الطائفيّة , باسم الدين , عينيه وأغلقت مسامعه وسدّت مسامات نداء الوعي فيه , عندما كانت تظاهراته الصاخبة تملأ شوارع طهران وبقيّة المدن الإيرانيّة وهي فرحة تطالب بإزاحة شاه إيران واقتلاع نظامه ! واليوم تؤدّي الجماهير التونسيّة نفس الخدمات التي سبق وأن أدّاها للغرب الشعب الإيراني الهائج ! ...


التغيير , في نظر الغرب , ووفق مفاهيم الرؤيا الاستعماريّة الشاملة , هي عمليّة تجديد لمراكز مواقع شبكة الانتشار الاستعماريّة التي يحكم السيطرة عليها منذ ثلاثة قرون , والتجديد او التحديث عادةّ ما يلجأ إليها المستعمر تحت وطأة ضغط متطلّبات إعادة الهيكلة الاقتصاديّة لبلدانه على أسس وقواعد جديدة تعيد توزيع مسارات مخزونات الطاقة والثروات المنهوبة وفق آليّة جغرافيّة جديدة ! والتغيير الجغرافي لا يتم بشكل صحيح بحسب المنظّرون لشرق أوسط جديد ولا تكتمل أبعاده , إلاّ بتغيير أنظمة الحكم في الكثير من تلك المراكز , وتونس , بشكل أو بآخر , تعتبر إحدى تلك المراكز , فالغرب يعتبر طول فترة بقاء مثل هذه الأنظمة في مثل مراكز تتماهى وجذورها الحضاريّة العميقة , تشكّل خطراً على مصالح الغرب إذا ما استمرّت بفترات أطول ؟! , فالغرب يراها أنظمة أصبحت تعرف عنه كلّ شيء ! , فالأنظمة ذات الأصول الحضاريّة , خاصّة منها تلك التي كانت تتصارع مع الغرب في القرون الوسطى وتناطحه الند للند , ليست بنظره كما هي البلدان الصحراويّة التي تتحرّك باستمرار بعيداً عن الملازمة و "العِشرة!" إلاّ بقدر مصالح كلّ طرف المادّيّة البحتة , لأنّ العِشرَة الطويلة تكسب الجانب الضعيف خبرات معاشره القويّ ! , ومثل هذا لا يجوز بنظر الغرب لدول مثل سوريا وتونس والعراق ومصر , لأعراب الصحراء نعم , لهذه الدول NO !...


والهيجان الجماهيري الدموي الجاري في تونس الحضارة لا يبتعد عن عمليّة فصل جنوب السودان , ولا يبتعد عن استلام مقاليد الحكم فيه جهات "إسلاميّة" تتناغم وإسلاميّات رئيس السودان عمر البشير التي أذهبت ديانته "الإخوانيّة" ريح السودان بفصل جنوبه عنه , وهي بالتالي الممهّد الضروري لقلب نظام الحكم في مصر بأيدي إسلاميّة إخوانيّة أيضاً ! وكذلك سيلعب الدين لعبته الأمازيغيّة الواسعة في الجزائر والمغرب , وبنظرة خاطفة لخارطة الوطن العربي بنسختها الجديدة , سنرى فعل الدين والتديّن بشكله المتصارع مع نفسه الذي نراه اليوم وتروّج له عشرات الفضائيّات قد أخذ مساره القوي في محاولته تحطيم وتقسيم العراق ويسير على خطاه لبنان واليمن ... فالدين , يجب أن تذوب وسطه القوميّة العربيّة فقط ! ... وقد لا تصحوا منه بعد ذلك إطلاقاً ! ...

 

 





الاثنين١٣ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة