شبكة ذي قار
عـاجـل










يخطأ كثيرا من يتصوّر أن الزعماء العرب أصيبوا بالاحراج بسبب ما نشره موقع ويكيليكس من فضائح وأكاذيب ونفاق سياستهم وموقفهم من بعضهم البعض أو من الآخرين. فالحكام العرب بلا إستثناءعاجزون وبلا أرادة, وليس على العاجز حرح كما يُقال. فهاهم عُراة حُفاة أمام العالم وأمام شعوبهم التي سبقت "وكيليكس" بعشرات السنين في كشف الطينة العفنة والمعدن الصدي لحكامها الغير أشاوس, رغم أن هؤلاء الحكام إستخدموا كل أوراق الشجر على وجه الأرض لسترعوراتهم السياسية الأخلاقية القذرة.


فلم تنفع معهم لا ورقة توت ولا عنب ولا حتى الأوراق الصفراء التي تصدرها إمبراطوريات الصحافة والاعلام التي يملكونها وتسير في فلكهم وتنشر كل خطوة وشهقة أو رمشة جفن لهذا الحاكم أو ذاك الرئيس. فما قاله"ويكيليكس" عنهم ليس الاّ قطرة في بحر نفاقهم وكذبهم وحقدهم المتأصّل على كل مّن يخالفهم الرأي ويعارض, ولو همسا أو في قرارة نفسه, سياسة الفساد والبذخ والقمع والحرمان التي أصبحت ماركة مسجّلة عالميا لهم فقط , وللذين سيأتون من بعدهم من أولاد وأحفاد وحبايب وفاسقين وعاهرات.


أمّا في الجانب الآخر من العالم فان وثائق ويكيليكس وضعت الكثير من الساسة والحكومات في وضع محرج لا تُحسد عليه. وإنبرى أكثر من سياسي أو مسؤول في الغرب مدافعا أو نافيا أو مكذّبا ما ورد في تلك الوثائق. بل أنهم نصبوا الشراك من كل جانب وإستخدموا ماكنتهم الاعلامية الضخمة من أجل تحويل مسؤول موقع ويكيليكس جوليان أسانج الى مجرم عالمي مطلوب من قبل الجميع, تحاصره ذئاب الديمقراطية من كل جانب, حتى وجد نفسه خلف القضبان إنتقاما وثأرا منهم لجرأته وشجاعته على هتك "شرفهم"السياسي الزائف وديمقراطيتهم العوراء.


وبالرغم أن معظم شعوب العالم تعرف جيدا طرق ووسائل تعامل الادارات الأمريكية, وبالأخص على المستوى الدبلوماسي, مع قادة وحكام الدول الأخرى, الاّ أن وثائق ويكيليكس, وهنا تكمن أهميتها الأساسية, تأتي من المصدر الرئيس لها, أي قائلها وكاتبها, وليس من خلال فلان الذي نقلها بدوره الى فلان آخر ثم قام بصياغتها ونشرها فُلان ثالث. وفي كل هذه المعمعة يبدو إن الحكام العرب هُم أقل المتضرّرين من نتائج أو تأثيرات فضائحهم التي وردت في وثائق ويكيليكس. فالمبلّل ما يخاف من المطر كما يقال, ومَن يهن يسهل الهوان عليه. فكم من الفضائح والمخازي والاهانات التي تلقّاها بتلذّذ ونشوة حكامنا الغير الأشاوس على أيدى أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني, دون أن يرمش لهم جفن أو يهتز لهم شارب, إذا كانت شواربهم تعني شيئا.


ومع أن موقع ويكيليكس كشف لنا بشكل خاص أراء وملاحظات وتصورات الساسة الأمريكان فيما يخص الزعماء والحكام العرب وغيرهم وأعطى تصورا واضحا وصفة خاصة لكل واحد منهم الاّ أننا بحاجة, بدافع الفضول ليس الاّ, الى ويكيليكس عربي يكشف لنا رأي وتصوّر وملاحظات حكامنا العرب عن ساسة أمريكا ودول الغرب عموما. وما يدور في خلدهم, أي حكامنا, من أفكار وأراء عندما يجدون أنفسهم وجها لوجه مع الأمريكان, عسكريين كانوا أم مدنيين. وهل يجرأ رئيس عربي, ولا نقول سفير عربي, أن يصف أو ينعت مسؤول أو حتى موظف أمريكي صغير بكلمة غير لائقة؟ دون أن يُصاب بتأنيب الضمير لأنه يعتبر الأمريكي, حتى وإن كان فراشا في القنصلية الأمريكية في البلد, ربّ نعمته وحامي عرشه وراعي ثرواته وحساباته المصرفية في الخارج.


من الطبيعي أن يشوب تصرفات وعلاقات حكومات ودول العالم مع أمريكا شيء من الحذر والبرود والريبة, خصوصا في تعاملهم مع سفراء أمريكا. وسيكون شعار الجميع خير الكلام ما قلّ ودلّ. لكن الأمر بالنسبة لحكامنا وزعمائنا العرب, رغم عواصف الفضائح والأكاذيب والنفاق التي خرجت من بركان ويكيليكس, يبدو عاديا جدا. فالحاكم العربي, وهذه ميزة لا يمتلكها سواه, يجري دائما عكس التيار. وكأنه مؤمن حتى النخاع بنظرية خالف تُعرف. فالنفي بالنسبة له إثبات وتأكيد. وكلمة"لا" قد تعني ألف نعم تسبقها نظرات وإبتسامات غزل وإنبطاح سياسي, خصوصا إذا كان المقابل المتصابية هيلاي كلينتون أو سلفها كوندوليزا رايس, حمالة حطب الحروب والغزوات"الديمقراطية"الأمريكية ضد العالم.


وإذا كان ثمة متضرر أو خاسر على المدى البعيد فهو بالتأكيد باراك أوباما وإدارته الديمقراطية مهما تنازل وراوغ وإنحاز كليّا الى اللوبي الصهيوني الحاكم في واشنطن. فهاهم خصومه الجمهوريون بدأوا يشحذون هممهم ويسنّون سكاكينهم إستعدادا للانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد وجدوا دون أدنى شك في وثائق ويكيليكس المسرّبة سلاحا فتاكا ضد باراك أوباما وإدارته, خصوصا وزارة الخارجية, متهمينها بالتسيّب والفلتان وعدم القدرة على الحفاظ على أسرار ومراسلات ووثائق ممثلي أمريكا في الخارج.


بل إن تهمة "تعريض المواطنين الأمريكيين في الخارج الى الخطر"بدأت تطفو على سطح الأحداث ولا بدّ من وجود مسؤول كبير ينبغي عليه أن يدفع الثمن. وقد لا تكتفي أمريكا حتى لو وقعَ مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج بين شراكها ووقف خلف قضبان ديمقراطيتها ذات المخالب الملطّخة بدماء آلاف الأبرياء في أكثر من بلد ودولة. وما إستماتة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسعيها الدؤوب من أجل حفظ ماء وجهها الملوّن بالأصباغ والمساحيق الاّ تأكيدا على أن أكثر من علامة إستفهام كبيرة الحجم بدأت تحوم حول مستقبلها السياسي, وربما مستقبل أدارة باراك أوباما أيضا.


mkhalaf@alice.it

 

 





السبت٠٥ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة