شبكة ذي قار
عـاجـل










قد لا يكون متاحا للمالكي أن يشكل حكومة الأمر الواقع التي كلف بتشكيلها ، خلال الثلاثين يوما التي أعطاها له دستور 2005 ، وقد لا يستطيع أن يفعل ذلك في ضعف هذه المدة ، ولكنه في كل الأحوال حصل على امتياز خاص من جلال الطالباني استنادا إلى قاعدة التخادم المتقابل والاسناد المتبادل ، حصل على اسبوعين كاملين تبرعا من رصيد الطالباني الدستوري لأنه وقف إلى جانبه عندما انفض من حوله الكثيرون ، بسبب فشل تجربته السابقة التي لم يترك بصمة واحدة على ملامح الحياة السياسية في العراق منذ ما يزيد على خمس سنوات بعنوان رئاسي بروتوكولي دون صلاحيات حقيقية تذكر الكثيرين بتجربة التجربة الديمقراطية في بريطانيا ، فالعراق نجح في اختبار واحد فقط لإثبات جدية النظام البرلماني عندما عزل عن الطالباني أية صلاحيات قد تجعله يفتخر بمنصبه بين الأمم ، وكما حاول كسر عصا الطاعة في حكومة إبراهيم الجعفري فإنه فعل الشيء نفسه لبضعة شهور بداية حكومة المالكي ، ولما أصيب بيأس كامل وإحباط مطلق من الحصول على دور ما في بغداد ، حاول التهديد بالتمرد وإعلان السخط ، ولكنه ووجه من أربيل برفض قاطع لتقديم الاسناد له إذا ما مضى في هذا التوجه إلى نقطة اللاعودة ، لأنه يجب أن يحتفظ بوجاهة منصبه بدلا من فقدان فرصته في بغداد تعويلا على فرصة بديلة في أربيل وحتى في السليمانية ، فالفرص هناك قد استهلكت تماما من قبل الكثير من المزاحمين الأكثر شبابا وقدرة على المطاولة ، وهكذا عاد إلى منصبه ولم نسمع منه كما فعل في الماضي حديثا عن تعديل صلاحياته ، فقد شعر بكامل الرضا مما وضع تحت يديه ، فالعودة إلى المالكي هي رد لدين قديم وجميل مستمر .


وبسبب هذه الحسابات الميدانية وجد الطالباني أن المالكي يستحق أكثر من ثلاثين يوما لتشكيل حكومته ، ولهذا فحينما كلف المالكي في خطابه يوم انتخابه بأغلبية ضئيلة في جلسة مجلس النواب يوم الحادي عشر من تشرين الثاني الماضي ، بتشكيل الوزارة الجديدة ، وكان المالكي جالسا قبالته في ذلك الوقت ، تحول جميع نواب ائتلاف دولة القانون إلى فقهاء في القانون الدستوري بمن فيهم أنصاف المتعلمين وحملة الشهادات المزورة ، وشاطرهم بل ريما سابقهم في ذلك نواب من قوائم تريد التقرب من حملة مفاتيح خزائن قارون ، فأخذت الفتاوى تترى من كل حدب وصوب ، ( لا يؤخذ بالتكليف إلا من تاريخ تسليم كتاب خطي لا يقبل اللبس من رئيس الجمهورية يعهد إلى المالكي بتشكيل الحكومة الجديدة ) ، وعندها فقط سيبدأ العد التنازلي لمارثون جديد يدخله العراق ، ولكن النص الدستوري حدد خمسة عشر يوما وليس أسبوعين من تاريخ تأدية رئيس الجمهورية الجديد لليمين الدستورية ليكلف زعيم القائمة أو ( الكتلة ) الفائزة بتشكيل الحكومة ، وبين التمنع والرضا تم الاعلان عن احترام هذا النص الدستوري في بلد سجل أكبر الخروقات الدستورية في دول العالم ، ولكن الطالباني كان كئيبا جدا فهديته للمالكي لم تكن بمستوى الطموح ، كان يرغب حقا ان تكون المهلة خمسة عشر يوما ولكنه فوجئ بأن اليوم الخامس عشر كان يوم العطلة الأسبوعية وهو يوم الجمعة ، ربما راودته فكرة أن يوقع مرسوما جمهوريا بإلغاء عطلة يوم الجمعة ابتهاجا بالنجاحات التي حققتها الانتخابات وفوز المالكي فيها ، ولكنه وجد أن صلاحياته لا تخوله هذا الحق ، فاضطر لتوقيع كتاب التكليف مؤرخا في الخامس والعشرين من تشرين الثاني ، وكأن أكثر من ثمانية شهور لم تكن كافية للمالكي لكي يحدد خياراته ويستكمل اتصالاته خاصة وأننا متأكدون أنه في نهاية المطاف يبصم على قرارات تم اتخاذها خارج الحدود وبإرادات مختلفة ، وبالتالي فإن التأخير أو التبكير في إعلان التكليف لا يختلف كثير عن المسرحية التي رافقت الشد والجذب لرسم صورة الراحل من رئاسة الحكومة والقادم إلى مكاتبها مسلحا بثقة مكتسبة من منابعها المعروفة ، مسرحية اختلط فيها التراجيدي بالكوميدي حد الالتصاق ، وعرضت فصولها على مسارح السياسة في واشنطن وطهران وبغداد في وقت واحد وبنجاح ملموس ، ووطّن المشاهد نفسه على قبول كل المفاجئات مهما كانت متوحشة وقاسية .


هدية الطالباني للمالكي وصلت مغلفة بألوان زاهية وتقبلها وعليه الآن أن يرد التحية بأحسن منها ولكن في محاور اخرى ، كالمادة 140 من دستور 2005 بشأن كركوك خصوصا وما يسميها التحالف الكردستاني بالمناطق المتنازع عليها عموما ، وعقود النفط وميزانية البيشمركة وكذلك الحصول على حصة مناسبة من المناصب تكافئ دور التحالف الكردي في ترجيح كفة المالكي على خصومه السياسيين من كتل أو أفراد ، ولكن من أين يأتي المالكي بالحقائب الوزارية كي يرضي جميع الراغبين فيها والمتعطشين إليها ؟ لو أنها مجرد حقائب لأوصى عليها من الأسواق التجارية التي خبرها عن قرب ردحا من الزمن أو من الأسواق البعيدة مثل دبي وتعامل معها عن بعد بواسطة الأقرباء المقربين أو الحاشية الملتصقة بمكتبه ، ولكنها حقائب سياسية بعضها يطلق عليه اسم سيادي والآخر خدمي والثالث لا يقبل التسمية ، وهي نتاج مساومات وصفقات تم عقدها تحت الطاولة ووراء جدران عالية وسميكة ، وبالتالي فمنح واحدة يمكن أن يفتح أبواب فتنة كبرى ، كل الأفواه تصب اللعنة على من يحاول ايقاظها ، على الرغم من أنها ودون استثناء شريكة في هندسة تصاميمها .

 

 





السبت٠٥ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة