شبكة ذي قار
عـاجـل










(ثانياً) إن تعرض بعض الأحزاب السياسية وخاصة الثوريةو اليسارية منه ،  التي وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع استحقاقات سياسية وأيديولوجية أفرزتها وفرضتها مرحلة ما بعد إنهيار المعسكر الاشتراكي إلى انقسامات وتشرذم بعض هذه المنظومات الحزبية الأمر الذي اثر على تحالفاتها السابقة مع الاحزاب التي هي خارج المنظومة الاشتراكية وخاصة العربية والتي هي بدورها وبشكل عام لم تنجح على استيعاب الانعكاسات السلبية عليها بعد فقدها للقطب الاشتراكي الحليف أي بمعنى أدق لم تحاول تكييف حالة الصراع التي كانت تعيشه مع أعدائها التقليدين من إمبرياليين ورجعيين الى الوضع الجديد وبكل ما يحمل من تحديات جديدة وخطرة على عموم حركة التحرر الوطني ,  بل إن بعض القيادات التقليدية لهذه الاحزاب وخاصة اليسارية والثورية منها أبقت على الأساليب القديمة في التعامل مع أعدائها وقد كلف البعض منها خسارة كبيرة لا تعوض لفقدانها لتجربتها الثورية ، بل حاولت بعض هذه النوعية من القيادات أن تتجه بأحزابها الى منحنيات وإتجاهات لاتتوافق مع أهدافها ولا ستراتيجياتها النضالية ولا حتى مع نظريتها التنظيمية , فبعضها مال الى الإتجاهات الدينية ولم تتوفق في ذلك لاسباب عدة منها أولاًإن هذا التوافق لم يتلائم مع تأريخها النضالي في قومية وديمقراطية و إشتراكية رسالتها و لا مع بنائها التنظيمي ولا فكرها وأهدافه , وكما قلنا سابقاً إن العلاقة مع السماء لا تحددها طقوساً ولا يحددها دين معين بل هي شراكة الإنسان مع خالقه وقد تكون هنالك ضرورة للواسطة بين الإنسان والخالق على الارض في القديم ولكن في عالم يتسع للكل لا يمكن لاحد أن يحدد واسطة واحدة فقط لترتيب علاقة الإنسان مع خالقه.ولكن ونعود لنؤكد حقيقة واحدة لا خلاف عليها  , وهي نحن مع الايمان ولسنا حيادين بين الايمان والكفر , ومن حيث الجوهر لا تعني ديناً أو مذهبا أوفلسفةً أو حتى إتجاهاً سياسياً محدداً بل كل ما نريد من العلمانية أن نقيم مجتمعاً (دولة أو حزباً )مدني ديمقراطي يعتمد المساواة في الحقوق والواجبات بالانتماء وبدون التمييز على أساس الدين أو المذهب أو الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة , وهذا يعني أن المؤسسة الاجتماعية أو السياسية أو الدولة التي تقوم على أساس العلمانية لا تخلط بين دورها وبين الدين , وإن فصل الدين عن هذه المؤسسات سوف لا يسمح للعايثين و المزايدين بإسم الدين من أن يسيئوا لجوهر الدين و حقيقته , ويسمح للدولة أو الحزب بمواصلة عملهما الاجتماعي والسياسي وبكل حيادية ونؤكد إن هذه الحيادية لا يجب أن تتعارض مع الأخلاق العامة التي تؤمن بها جميع الأديان ,  ولا مع الطقوس الدينية للاكثرية ولكن على يكون ذلك خارج المنظومة الاجتماعية أو السياسية(حزباً أو دولةً) , إن الله رب السموات والأرض بعثَ الأنبياء و الرسل ليكونوا رحمة وأكثر توحداً ومحبة لان الرب واحد وهو المحبة وأن تكون الرسالات السماوية رسالة محبة ورحمة ,  لكن بعض المؤسسات الدينية ورجال الدين حولوها لنقمة ومصدر اذى للناس وبحكم بشريتهم الخاطئة وخاصة إذا ما نالوا السلطة الدنيوية ويبد ئون بالتحوير المظل بأن يستغلوا سلطتهم الروحية لخدمة سلطتهم الدنيوية , لذا صار من الواجب فصل الدين عن السياسة والدولة وأي مؤسسة إجتماعية أو سياسية , وإن هذا الأمر سوف يتيح إبعاد المؤسسات الدينية عن أي نوع من أنواع السلطات الدنيوية وبالتالي يحمي الدين من أي إساءة قد يقترفها الإنسان المتدين والذي يحمل صفة دينية , وفي نفس الوقت يعطي المجال لان تتحول هذه المؤسسات الدنيوية الى مدنية وتتعامل بالديمقراطية وتحقق المساواة بين كل البشر بغض النظر عن إنتماءاتهم الدينية أو الذهبية أو حتى القومية. وهذا الفصل يسهل عملية رسم لكل دولة أو حزب طريقه الخاص , ويفضح أي إزدواجية بين الأهداف الدنيوية والدينية , وفي نفس الوقت يشجع على القيادات على الوضوح في مواقفها وعدم خلق حالة من التشويش بين الهدف الدنيوي والديني.


فأي قيادة ومهما كانت مؤثرة لا تستطيع أن تغير سيرة حزب ثوري يؤمن بالاشتراكية والديمقراطية أن يتغير في شكله وبدون جوهره( الفكر والعقيدة ونوع الاداة الثورية أي تركيبة الحزب ) , فكما إن من الصعب على الاحزاب الدينية أو الطائفية أن تتبنى تكتيكياً أو حتى ستراتيجياً بإعتماد الطريق الاشتراكي والديمقراطي وهي لا تتوافق بل لا تتقارب مع عقيدتها الدينية أو الطائفية , وكما إن الاحزاب التي تدين بالمادية الصرفة صعبٌ عليها أن تغير من طريقة تعاطيها للتفسيرات الاجتماعية والاقتصادية بالاستعانة بالاديان والشرائع السماوية في فلسفة جديدة بدون ان تمس فكر وعقيدة الحزب نفسه , فهو الحال بالنسبة للأحزاب القومية الديمقراطية الاشتراكية , أي لايمكنها أن تغير من ستراتيجياتها التي لاتتفق مع التوجهات الدينية ولكنها في نفس لا تتقاطع معها ابداً.فإن كان هنالك إجتهاداً أو فلسفة جديدة لابد أن يحضى بتوافق مع القواعد الأساسية للفكر والعقيدة وأيضا توافقاً مقنعاً مع تركيبته التنظيمية لكي تحصل التغيرات بشكل مرضي ومقنع وبسلاسة مع أُسس وقواعد الفكر والنظرية..

 

 





الاربعاء٢٥ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة