شبكة ذي قار
عـاجـل










2 - التباين بين العقيدة والبنية التنظيمية


إن من الأسباب المؤثرة في إخفاقات الاحزاب الثورية في تحقيق أو تنفيذ برامجها هو عدم معالجة البون المتنامي بين العقيدة والبنية التنظيمية سواء كان ما يتعلق بنوعية الانتماء أو في التمدد الحجمي والفكري, ومن أهم المظاهر الخطرة في هذا التباين ما يصيب الأحزاب من ضعف وإنحسار لدورها عندما تصل الى المستوى الذي فيه تعاني من أزمة في الوصول إلى الشارع.وهذا بحد ذاته يمكن أن يشكل تراجعاً خطيراً لدورها في البيئة أو الحيز الاجتماعي الذي يتواجد فيه الحزب,ومعظم الاحزاب الثورية في العالم تقع في هذا المشكل بحكم جملة أسباب منها الظرف الموضوعي الذي يحيط بالحزب الثوري والذي قد يضخ لها وبحكم حركة الواقع عناصر أما أن تكون إنتهازية أو وصولية هدامة فتخدمها عوامل كثيرة للتتسلق في سلم القيادات في الحزب الثوري وبالتالي تؤثر في مسيرة الحزب من خلال تعويقها لتنفيذ البرامج الثورية للحزب بخلق أو حتى إفتعال الكثيرمن العوامل التي تؤثر في مسيرة الحزب وتعرقل لأية محاولة تطور للفكر , وقد تنجح في جعل الحزب أن يستقر على هذه الحالة من الاستقرارية ومما يقيد في ظهور معارضات فكرية وحتى تنظيمية لهذا الاستقرار والذي هو في حقيقة الأمر قتل لثورية الحزب والذي ينتج تعطيلاً لبرامجه.أو أن ينشغل الحزب كقيادات بأمور السلطة إن كان هو على رأس السلطة أو منظوياً بجبهة في الحكم, وتأخذ وبالحق تستنفذ تفاعلات الحكم الكثير من إهتمامات وجهد الحزب, وهذه المشاغلة تدفع بالقيادات الحزبية لتوظيف القوة الفكرية والتنظيمية في الحزب نحو خدمة الدولة وقد يتطور الأمر الى حد أن يغرق الحزب الثوري بكل معطيات السلطة الايجابية أو السلبية وهذا ما يجعله يبتعد عن جماهيره المادة النضالية الأساسية لديمومته في الساحة النضالية, وبالتأكيد لا يعني وجود أو عدم وجود مقرات للحزب وموزعة في الإحياء و المناطق دليلاً أو معياراً على جماهيرية الحزب وذلك لان هذه المقرات قد تتحول الى علامة من علامات البيروقراطية التي قد تنشأ بين الحزب وجماهيره وهذه السلوكية الفوقية هي بعيدة عن جوهر تكوين الاحزاب الثورية, وفي نفس الوقت هذه المظاهر لم تتكون من لاشئ بل بالتاكيد تكون إنعكاساً للحياة الحزبية الداخلية التي وجدت لها مستقرات في بنيان الأحزاب الثورية.

 

والمظهر الخطير الأخر لابتعاد الحزب الثوري عن جماهيره في إعتماده على أساليب غير نضالية في أي موقف مع الجماهير وخاصة عندما يتطلب الأمر حشداً جماهيرياً كتظاهرة أوتجمعاً لدعم موقف الحزب و دولته وذلك بلجوء الحزب الثوري لاساليب الدولة الامنية تاركاً الاسلوب النضالي والامر الاخطر منه أن تدرك القيادة هذه الحقيقة وترضاها لمجرد إستغلالها وتوضيفها في الاعلام الداخلي والخارجي وما تعطيه من مواقف قد تقوي موقف القيادات ولو لحين ولكنها أولاًتطبع تأثيراً سلبياً خطيراً عن حقيقة الحزب الثوري وهو الأمر سيكون هدية إعلامية مجانية للاعداء,

 

وثانياً سيحول أعضاء الحزب الى الاداء السهل في عوامل الجذب الجماهيري ويتحول هذا الاسلوب بمرور الوقت والفعل الى سلوك ونهج دائمي فيكون عاملاً أساسياً في خلق الفجوة بين الحزب و جماهيره,

 

ثالثاً يتحول الحزب من حزب ثوري عقائدي لبناته الأساسية أعضاء مناضلين الى تنظيم يحوي أشخاصاً عاديين يقومون بمهمات لا تتوافق مع الجهاد الفكري للأحزاب الثورية وبالنتيجة القاتلة يتحول الحزب من منبع وحاضن للفكر والثقافة والعلم الى كيان يظم فيه اصحاب المهمات الخاصة سواء الامنية منها أو الرقابية,ويبدأ المناخ الحزبي يتحول بفعل هذه المتغيرات الى مناخ تنمو فيه العقليات والافعال الطفيليَة ويكون مهيئاً لنمو الامراض التي تصيب الاحزاب الثورية مثل الانتهازية والوصولية والتحريفية ويضطر الاصحاء من أصحاب العقيدة أن يتركوا هذه المناخات المؤبؤة ويغادروا الحزب ولاتعني المغادرة هنا بمعناها المكاني بل الذي اقصده تتخلى عن إندفاعاتها في تطوير الحركة الفكرية والتنظيمية للحزب لان موازين القوى قد أختلت لصالح الحزبين اللامنتمين للفكر والعقيدة.

 

وفي هذه المرحلة تضيع حقيقة جماهيرية الحزب وتفقد معها القيادة أهم وأخطر عامل يدخل في رسم ستراتيجيات الحزب ودولته وبالاخص التي تتطلب مواجهات كبيرة مع أعداء شرسين وخطيرين على إستمرار ووجود الحزب ودولته,وتظهر وتتوضح هذه الثغرات في المواجهات المصيرية ويكون الحزب و دولته في خطر وتزداد الخطورة عندما تصر القيادة على التغاضي على هذا الخرق في المبادئ وتصر على حالة الاسترخاء التحريفي لمسيرة الحزب والذي يؤدى الى فتح ثغرات خطيرة في بنيان الحزب التنظيمية والجماهيرية وينعكس بكبوات كان المفترض بقيادات الحزب الثوري أن تتدارسها وتضع الخطط الرصينة لمغادرة هذا التكتيك الذي يكون قد تحول لستراتيج بفعل إستراخاء بعض القيادات الانتهازية لهذا الوضع.

 

إن هذه الأختلافات في وجهات النظر حالة سليمة في مسيرة الحزب الثوري الى القدر الذي لا يمس وحدة الحزب,ويمكن أن تُحل هذه الاشكالات في مؤتمرات الحزب ويُعمل بل يتم تشجيع إبداء الآراء والملاحظات وأن يكون المؤتمر صحياً إذا كانت فيه أراء مختلفة ويكون المؤتمر إيجابي عندما تتعد وجهات النظر في رسم إستراتيجية الحزب أو في تحديد موقف من أحد القضايا التي تهم الحزب,والاكثر إيجابية عندما يعمل المؤتمر الحزبي وبجدية وبروح رفاقية لإيجاد تقارب بين وجهات النظر المختلفة ويخلق حالة من الاستقرار في التوجهات,وإن حل عرض مشكلات العمل الجماعي في المؤتمرات الحزبية شئ إيجابي و السعي لحلها أكثر من إيجابي ويعتبر علامة إيجابية عندما تطرح السلبيات والاختلافات في المؤتمرات لا ان تحسب جزء من تقصير القيادات.

 

إن من المتعارف عليه أن جزء من أهداف التنظيم الحزبي هو التنسيق بين أعضاء الحزب في القضايا العامة والخاصة,

 

وأن تحول مؤتمرات الحزب لفرصة للقيادات الحزبية لساحة للتنافس فيما بينهم لدفع التعاون في الحزب الى موقع وموقف ينسجم مع أولويات و توجهات الحزب والمستمدة من أهداف الحزب ورسالته,وأن يكون هذا التنافس الداخلي بوعي ثوري لمصالح الحزب و جماهيره وإن المكاشفة في العمل داخل المؤتمر الحزبي بنقد مبرر يخدم مسيرة البنيان الحزبي وهو الأمر الذي سيشجع كل المحاولات الايجابية من أجل تطوير الفكر والنظرية للحزب وبتوافق مع نظريته التنظيمية بتوازٍ مقبول مع حركة المجتمع المحلي و العالمي,وهذا الأمر بالتأكيد سيقلل من الفجوات التي قد تحصل بين الفكر والتنظيم الحزبي وبنفس القدر تقلل من أي فجوة بين حركة الحزب عامة وبين تطور البيئة الوطنية والقومية والدولية من جهة أُخرى.

 

أن تكتم أو التنكر لبعض الاختلافات و حتى الخلافات في داخل أي حزب ثوري يجب أن لا يشكل دالة خطرة أو سلبية على الحزب الثوري ولا يجب ان تفسر بأي شكل من الاشكال على إنها خروج عن الحزب بالقدر الذي تمثله حجة الخلاف أو التباين وكلما عولجت مثل هذه الظواهر من قبل قيادات تمتلك الشرعية ( شرعية فكرية وتنظيمية ) كلما جاءت الحلول والمعالجات منطقية وصحيحة,وأهم عناصر المعالجات هي الاستماع والاصغاء للأراء وللوجهات النظرومن خلال حوار يمكن أن نصل الى موقف لا يوجد فيه رابح ولا خاسر , واما إذا أُستخدمت لغة غير لغة الحوار فإن هذا يخرج الحزب من كونه مجموعة من المناضلين متساوييين بالقيم النضالية بل قد يدخله في صراعات مبنية على مراكز القوى الغير حزبية ( فكرية أو تنظيمية ) , ومن المهم أن يكون إصراراً بأنه ليس هنالك أفضلية إلا بمقدار العطاء الفكري والتنظيمي , أقول وبعكس ذلك سيخرج من مفهوم الحزب و يدخله الى تجمع تحكمه نوع من الملكيات سواء عائلية أو عشائرية وسيترتب الولاء حسب هذه الصلات ويخرج من دائرة الاحزاب الثورية و يخطو الخطوات الاولى نحو فشله ومهما أُعطي من أمصال لتقوية روابطه سوف لاتنفع لانه أستغنى عن أهم وأول رابطة له وهي حقيقة الولاء. 
 

 





الاثنين٢٣ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة