شبكة ذي قار
عـاجـل










لا أحد يستطيع الجزم بأن الانتخابات التي جرت في السابع من آذار / مارس 2010 ، كانت ضرورية إلى الحد الذي تم إطلاق كل تلك الوعود الملونة والمليارات من العملات الملونة أيضا فيها ومن أجلها بسخاء قل نظيره ، فبعد ثمانية شهور اكتشف العراقيون للمرة الألف أن نوري المالكي زرع نفسه رئيسا للوزراء وصلب نفسه بمسامير شهوة الملك على الجدران الاسمنتية وسط المنطقة الخضراء وبصرف النظر عما كانت صناديق الاقتراع ستفرز من نتائج ، وأن جلال الطالباني عاد رئيسا بروتوكوليا لا يقدم خطوة ولا يؤخرها إلا استنادا إلى عصا وإشارة عن بعد بات يجد صعوبة بالغة في التحرك دونهما بات الأمر المثير للتساؤل هو لماذا تستنسخ أكثر التجارب فشلا في العالم ويراد أن تنجح في العراق ؟

 

ولما كان العراقيون طيبين أكثر مما يجب وفوق ما تحتمله طبيعة الأشياء والظروف الراهنة التي تمر على العراق والمنطقة والعالم ، فإن فرصتهم في الخروج من عنق الزجاجة سيطول كثيرا عما هو مقدر له ، ويبدو أن عليهم أن يدفعوا الكثير من فرصهم في العيش بأمن ورخاء على وفق ما يفرضه لهم غنى بلدهم ، قبل أن يتحقق لهم كل ذلك .


هل كانت نتائج الانتخابات مصممة لتكون على الصورة التي خرجت إلى الواجهة ؟


وهل أصبحت المحاصصة الطائفية العرقية قدرا مقدورا على العراقيين لا يستطيعون الفكاك منه حتى إذا امتلكوا التصميم على ذلك ؟


هذا ما يبدو من عودة المالكي لرئاسة الحكومة على الرغم من خسارته الانتخابات بحيث بدا وكأن المالكي أصبح رئيسا مفروضا للوزراء مهما كانت نتائج صناديق الاقتراع ، وهذا ما يبدو عندما أعيد الطالباني للرئاسة بصفقة المالكي مع مسعود البرزاني للإتيان برئيس ضعيف في بغداد وللتخلص من الشخص نفسه القوي في السليمانية والمعيق لاستفراد مسعود بسلطة الأمر الواقع في شمال العراق فكان المالكي ومسعود الرابحين لصفقة رجل يقترب من خط النهاية حثيثا ولا بأس من منحه فرصة المسير على البساط الأحمر لسنة أو سنتين .


فماذا تغير بانتخابات انفقت عليها أموال طائلة وعلقت عليها آمال عريضة وأخذت وقتا طويلا في الإعداد لها ووقتا أطول لتحويل نتائجها إلى واقع ميداني ؟


فلماذا أجريت الانتخابات إذن إذا كانت المواقع مقررة في تركيبة الحكم وتوزيع المواقع وبصرف النظر عن نتائج صناديق الاقتراع ؟ ولماذا أشغل العراقيون بعرس جيرانهم ردحا من زمن الوهم بأنهم قد يحصلون على شيء من وليمته المتخمة بالوعود الذهبية ؟ ولماذا تعطلت حياتهم قبيل الانتخابات لأكثر من سنة على أمل الخلاص مما كانوا يعانون قبلها بعصا سحرية ؟ ولماذا استجمع سياسيو المشهد الراهن في بغداد كل قواهم لتخطي بقية الشركاء من حلفاء وخصوم والقفز فوق جدرانهم وغمط حقهم والسطو على نصيبهم من تركة الديمقراطية المستوردة ؟


من حق المواطن الذي قبل على مضض وكراهة أن يمنح نفسه حق الوصول إلى اليقين القاطع ، وعلى الرغم من مرارة الزمن ومعاناة التجربة الممتدة بلا استراحات من الاحتلال حتى اليوم ، من حقه يسأل وبصوت عال ، لماذا يواصل الساسة خداعه ومصادرة حقه في أن يختار الطريق الذي يريد دون ضغط أو قسر أو إكراه ؟


من تربى في أقبية مظلمة على اقصاء الآخر ومنع هواء الحرية عن المخالفين في وجهات النظر ، لن يتحول إلى ديمقراطي لمجرد أنه يردد ذلك مهما بلغ عدد الكلمات التي يطلقها في هذا الشأن ، ومن اخترع قوانين الاقصاء والتهميش لن يصبح داعية للشراكة الحقيقية في صنع القرار ، فالديمقراطية لا يبني تجاربها إلا ديمقراطيون حقيقيون جبلوا على هذه الثقافة النزيهة والعميقة والخيار بالفطرة وتعمقت عندهم بالمعاناة وصقلت في ضمائرهم بالمعرفة ، ولن يفعل ذلك مستبدون يتطيرون من كلمة ( لا ) مهما كان دافعها وأيا كان مصدرها ، ويلاحقون أصحابها في مظانهم لإسكات الرأي المعارض ومهما كانت صوته خافتا أو خجولا .


ومن عاش في أجواء الكراهية والاحقاد السياسية والشعور الوهمي بالغبن لن يتحول إلى داعية لحقوق الإنسان مهما أكثر من ترديد ذلك ، ففعله هو ما يقاس عليه ومن يراقب المشهد عن كثب سيجد أن عدد ضحاياه يفوق بعدة أضعاف ضحايا من سبقوه بكل لغاتهم وسحناتهم وقاراتهم ، فلم يعد كافيا أن نسمع الأحاديث الناعمة والوعود الملونة عن غد لن تشرق شمسه صافية ويتنفس يومه على هواء نقي ، طالما بقيت المقادير بيد من لا يؤمن بما يقول ويفعل أي شيء يوّمن له الاحتفاظ بكرسي ساقته إليه المقادير حتى إذا كان ذلك على جسر من الجماجم فوق برك من الدم .


مرة اخرى ، ما جدوى الانتخابات أي انتخابات إذا لم تأت بالتغيير ؟ وما جدوى الضجة العالية التي أصمت الآذان عن احترام ما تفرزه صناديق الاقتراع إذا كان الخاسر يصر على فوز مزعوم ؟ ويقصى الرابح ويقف ضعيفا مشلول الإرادة أمام بطش القوة وطيشها ، ولا يتمكن من توظيف بعض مما حصل عليه من بريق النصر ووجاهته ، ويوغل خصومه في الاساءة له والتعمد في إذلاله من أجل إخضاعه لسلطان أجهزة الدولة وإرادة الحاكمين دون تفويض من الشعب ، مخيرا بين القبول بأقل القليل من الغنيمة أو المجازفة بما أبعد من مجرد الاقصاء والتهميش .


الحديث عن التداول السلمي للسلطة بات في زمن الاحتلال الأمريكي ثبات السلطة بيد واحدة لا ترى في ما تفعل مما يدعو إلى الخجل طالما أطفأ عندها شهوة متعطشة للحكم والتسلط على رقاب الناس ، حتى إذا كان الهامش بين الزعم والفعل واضحا بينا كما هو الفرق بين الليل والنهار .

 

 





الاثنين١٦ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة