شبكة ذي قار
عـاجـل










1- القصور أو الجمود العقائدي

قد يجتهد الكثيرين في تفسير القصور العقائدي عند بعض الاحزاب ولكن في تصوري يمكن ان يلتقي الكل عند مفهوم بسيط لهذ القصور بأنه يمثل توقف النظرية الفكرية أو المعتقد عند الزمن الذي بُعِثَتْ بها عند طرحها لاول مرة ومن قبل المفكرين والمنظرين الذين وضعوه , وتقديس كل فقرة منها وإعتبار المحافظة عليها وعلى كل صيغها جزءاُ من النضال الايديولوجي المقدس , وأنه لا يمكن المساس به والارتقاء بها الى مستوى جعلها الحقيقة الثابتة والواحدة ومهما تغير ظرفي الزماني و المكاني اللذين شهدا إنبثاقه , أي إعتبارها من المسلمات التي لا يجوز المساس بها بأي شكلٍ من الاشكال , وتتحول الى قدس ومعيار للوفاء والالتزام  , بمعنى من يحاول أن يمس بها سواء بالاجتهاد أو التطوير هو يخون أو يحسب من المرتدين و المنحرفين .أن ظاهرة الجمود العقائدي عند الاحزاب لايمكن أن تمثل حالة من الوفاء العقائدي للنظرية أولمنظريها بل هي تسئ اليهما في حالة عدم تحريكها وتطويرها وبالتأكيد ان الحركة في النظرية وتطويرها لا يعني أبداً تغيراً في الاهداف المركزية والرئيسية فيها  , إنما يعني الفعل التطويري والذي يأخذ مداه الكامل في الجوانب المحكومة بعاملي الزمن والمكان والذين يحددان نوع وشكل البيئية التي تتواجد فيها النظرية أو العقيدة  , مثلاً لا يمكن أن يقبل اي مجتمع وحتى أن كان إنحلالي وبعدم إيمانه بالاخلاق لا يمكن ان نتوقع يوماً أن يقبل أحدمكوناته ( فرداً أو جماعة ) أن يعيش بلا أخلاق ولكن يمكن التغير أو أن صحت العبارة أن يكون هنالك تطويراً في مفردات الاخلاق.

 

وبنفس النظرة والحكم يكون على حالات التطوير في العقائد والنظريات الاخرى , وفي المفاهيم والقواميس السياسية تصنف الاهداف الى أهدافاً مركزية و أهدافاً رئيسية وستراتيجيات وتكتيكات مرحلية.والحزب الذي لا يتقن التعامل مع هذه المفاهيم و مفرداتها وبعلمية وديالكتيكية ذكية سوف تجعله يتخبط بخطوات بعضها متطرفة للامام وبعضها مترددة الى الوراء ويكون المنافسون ولاأقول الاعداء لان من يتعامل بالعقائد المفترض به او بهم أن يتعاملوا بروح التنافس ويغطوا الساحة الجماهيرية بينهم بصراع فكري وليس بصراع دموي الامر الذي يخرجهم من دائرة العقائديين ويدخلهم وبإمتياز لدائرة المجرمين والقتلة.

 

وأقول أن القوى التي تتنافس تكون في وضعية الرصد لكي تسقط الاخطاء وتفقد جماهيرية الواحد تجاه الاخر ويوضف هذا الاسقاط للكسب الحزبي ( وقد يدرج ظمن مفهوم الكسب الرخيص ) أن هذا النوع من الصراع بين الايديولوجيات قد يكون شرعياً في ظرف زماني وفي بيئة محددة وقد لا يصلح ولا يكون شرعياً في بيئة وظرف زماني أخر. أن الحزب الذي يؤمن بالتغيروالصيرورة الدائمةولا يكتفي ان برفع شعارهما يحسب على الاحزاب الثورية الحقيقة.وبالتأكيدأن من سمات هذه الاحزاب أن لها نظرية جدلية ( ديالكتيكية ) وان عاشت مرحلة من الجمود العقائدي فهذا بسبب قصورفي عقلية القادة ولاتنبع من أي جذر أو اصل وسمة للفكر الثوري.وهذا ما سأتكلم به لاحقاً.

 

إن واحدة من الاسباب الرئيسية للجمود العقائدي هو في عدم تواصل الايمان من حيث الحرارة الايمانية والتي تؤدي الى عشق العقيدة والعمل على الابقاء على مسيرتها الحيوية وزقها بالاضافات الفكرية التي تنضح بها التجارب اليومية للحزب او الحركة مما يعطيها الاستمرارية ويذيب اي جمود يظهر على سطحها بعد تجاوز مرحلة التأسيس التي كانت مفعة بالحرارة والحيوية التي كان المؤسسين يشحنوها بإستمرار , والامر الأخر الذي يتسبب في الجمود العقائدي هو تواصل الاجيال بحالة الحب والانبهار بالقادة المؤسسين والذي هو عاملً فاعل وأساسي في المحافظة على حيوية العقيدة والحزب , لان ذلك يؤثر في تقوية الرابط بين العقيدة والمنظوين تحت لوائه , وخاصة إذا قبل الحزب أو الحركة أعضاءاً لا يمتون لبنية الحزب بقرب في الانتماء العقائدي أو الجماهيري ,  ولا تحركهم مشاعر الاهداف أو العقيدة ويصبحون عاملاً أساسياً على تباطئ الحزب سواء على المستوى النظري او التنظيمي وخاصة أذا أمتلك الحزب مغريات كأمتلاكه للسلطة التي تتيح للكثيرين من الباحثين عن فرص للحصول على الوظائف القيادية في الدولة وسيلة الارتباط وحتى الانتماء وليتحول الموقع القيادي في الحزب جزءاً من متطلبات الموقع القيادي للدولة ويتحول هذا السلوك عاملاً ليس لتجميد العقيدة بل الى دفنها وقتلها.

 

وألامر الاخطر في ذلك تتحول المنعطفات التنظمية والفكرية للحزب سواء مؤتمرات سنوية أو ندوات فكرية الى منتديات أو محافل تناقش الفكرة أو النظرية الحزبية على ضوء مؤثرات التأثر والتأثير في مسيرة الدولة سواء السياسية أو الاقتصادية وحتى الاجتماعية ويتحول الحزب لحزب السلطة من خلال توضيفه لكل الامكانيات الحزبية والفرص التنظمية لخدمة الدولة  , وأما تفاصيل العقيدة وتطويرها وتحريك مركباتها فإن لم يهملها ولكنها تأخذ أهمية ثانوية وخاصة في ظل قيادات تتحمل مسؤولية في الدولة  , وهذه القيادات تدفع بإتجاه جعل الحزب لخدمة الدولة بل تشجيعه بالقيام بمارسات ميدانية بالنيابة عن أجهزة الدولة سواء أمنية أو إقتصادية وهذا يحمل الحزب الكثير الاعباء ويؤدي به من أن يفقد هويته العقائدية فبدلا من الضغط على قيادات الحزب المختلفة بإتجاه التنمية الفكرية والنضالية لاعضائه يكون الامر بإتجاه التركيز بالاهتمام بحركة الدولة دون حركة الحزب وبمرور الوقت تتقلص القوى العددية والنضالية للمهتمين بشؤون العقيدة ويصبحون من الندرة بحيث يتحول الحزب من حزب عقائدي مناضل الى حزب جل إهتمامه الدولة والسلطة وتطوير مؤسساتها وملاحقة أخطائه , بذلك تنضج البيئة الحزبية وتتحول لحاضنة للمتطفلين والانتهازيين وُيسْرَقْ الحزب من وسطه الجماهيري الحقيقي  , وتنتقل للحزب الممارسات والعادات في الدولة وتحوله الى شبه مؤسسة من مؤسساتها سواء في الحياة الداخلية للحزب أوفي طريقة تفكير مناضليه ,  ويتحول الحزب في حياته الداخلية الى تلك التي في الدولة وتتحول الحياة الرفاقية الى شبيه للحياة والعلاقات بين الرئيس و مرؤوسه وتكون السلوكيات بين الرفاق شَبهَيةً بالتي في دوائر الدولةوتفتر العلاقة بين القيادات والقواعد , و تفرض على الحزب علاقات عامودية وأفقية غريبة عن التي كان يعيشه ,  ويصبح هدفً سهلاً للاعداء.وتدخل العقيدة في جمود و تؤجل كل المساعي والنشاطات الهادفة لتطوير العقيدة بسب التحديات .إن الحركة الشيوعية العالمية وبإحزابها عانت من هذه الظواهر و السلوكيات والتدابير الكثير ,  والتي جعلت من الحزب ساحة مكشوفة لاختراقه , لان البيئة الحزبية أو الحياة الداخلية فقدت الحصانة ضد أمراض الدولة وبمعنى أدق إن المضادات الحيوية للحزب كانت هي العقيدة وعندما تتراجع أهمية العقيدة والفكر يتحول الحزب سهلاً لكثير من الانتهازيين و المزايدين في نقل حاضنات هذه الامراض للحزب وهكذا يتحول الحزب الى مؤسسة حزبية فاقدة للمضادات التي تطهر المناخ الحزبي من هذا النوع من الفيروسات التي تشل الحزب فكرياً وتنظيمياً وتحوله الى مؤسسة يرتيط العاملين فيها بضوابط نفعبة وتسري فيها العلاقات المصلحية الذاتية.

 

 





الاثنين٠٢ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة