شبكة ذي قار
عـاجـل










إن الذي يمكن أن نستنجه فيما يخص الشرعية في نظام الحكم بعراق اليوم هو أن الازمة في مشروعية الديمقراطية (النظام السياسي) وترجع بالدرجة الكبيرة الى ضعف في وطنية غالبية المكونات السياسية الحالية وقبل كل شئ في أحزابها السياسية التي توزعت في تمثيلها الضيق لفئة أو نسيج واحد من المجتمع العراقي.

 

قد يكون من المفيد بل من الضروري أن نستعرض ولو بشكل موجز المبدأ الاساسي على أزمة الشرعية وسط هذه المكونات أحزاباً و تجمعاتاً أو افراداً والرابط الوحيد بينها هو عقد بين هذه المكونات أُطلق عليه الدستور وهو من وحي المحتل يحمل أهدافاً سياسية مصلحية لا علاقة المجتمع العراقي به:


المكونات الطائفية والعشائرية تعتمد المكونات الطائفية أحزاباً او شخصيات دينية سياسية على إضفاء شرعية لوجودها في العراق في الجمع بين شرعيتين , الاولى والمتمثلة بالشرعية الدينية شرعية تقترب من الشرعية الوراثة في الانحدار من أصول لشخصيات دينية , وهي تقوم بالاساس على مواقف وإنجازات القادة الدينيين والمؤسسين للطائفة أو المذهب وهذا التوريث ينتقل تلقائياً ولا علاقة له بإجتهادات و منجزات القادة الحاليين أي بمعنى أخر التطفل الوراثي على منجزات الاخرين والتوارث هنا يكون عبرالاسرة للعائلة المنحدرة من صلب القادة المؤسسين ولتتحول الى هذه الشرعية الى شرعية طائفية وبعدها تحول الى وراثة السلطة داخل الاحزاب بعدها لتكون توارث بالسلطة وكنتيجة حتمية .

 

ومن ثم تتعمق هذه المفاهيم جيلاً بعد جيل وتنحصر السلطة بعد ذلك بالطائفة وهذا ما يعمد عليه النظام الايراني الحالي.وهذا النموذج لا يمكنه أن يُكَونْ حكماً وطنياً لانه لا يمثل ألا طائفة محددة فقط.إن هذا التداخل بين المجالين السياسي والديني وحصرهما بالطائفة الواحدة سيؤدي بتحطم أي نهج سياسي يحمل ولو بشئ قليل من الديمقراطيةلان كل الفلسفة والنهج تكون محصورة بالطائفة ولا علاقة أي مواطن من خارج الطائفة باية معطيات ديمقراطية لعدم شمولهم بالمعطيات الايجابية للحكم سواء ما يتعلق بالحقوق أو بتحقيق المصالح.

 

وحيث أن أولى مبادئ الديمقراطية هي دستورية الحكم وأن من أولويات الدستورية تساوي المواطنين بالحقوق والواجبات وبغض النظرعن الدين أوالقومية أو الطائفة , في حين الذي يحصل اليوم فيما يسمونه بالعملية السياسية في العراق هو توزيعاً للمناصب والوزارات و الامتيازات أي السلطة على أُسس طائفية وعرقية وكأنما الامر هو تداولاً بالسلطة على أُسس مذهبية ولكنه حمل طابع القوة وهذا المظهر والحقيقة وجدا بعد 2003 .والقوة هنا تتمثل في قوة الاحتلال.

 

و على هذا الاساس الطائفي و العشائري القومي الشاذ في مجتمع معروف عنه بل حقيقته إنه مجتمع متأخي وهو المجتمع العراقي وسيكون تَمَيِزْ المواطنين على هذه التصنيفات المختلقة أمراً شاذاً. وأن هذا أعطى للقادة السياسين في الطائفة سلطات غير محدودة والامر الذي يخرجهم من إحتمالية تغيرهم داخل أي من تحالفاتهم الطائفية وحتى القومية والامر الذي ينعكس على عملية مهمة في الانظمة الديمقراطية وهي التداول السلمي للسلطة والتي أيظاً تعتبر جوهر الأنظمة الدستورية وهذا ما حاصل فعلاً في العراق اليوم.

 

إذن الاحزاب الطائفية والعرقية والعشائرية القوميةالتي تحكم العراق اليوم تفتقد للشرعية في كونها تستغل نفوذها الطائفي والقومي لتحقيق مصالح سياسية وإجتماعية وإقتصادية لقادة هذه الاحزاب وما مظاهر الفساد الاداري و المالي في عراق اليوم وبشهادة المحتل نفسه والكثير من المنظمات الدولية على حصول العراق المرتبة الثانية في الفساد الاداري والمالي لهو دليل قاطع على المنافع الفردية لقادة الاحزاب التي تحكم العراق وكذلك إصرار بعض الاحزاب على عدم التنازل عن السلطة لان ذلك سيعرضها للمسائلة القانونية عن كل الخروقات المالية والادارية والاخلاقية تجاه الشعب العراقي إذا ما سلمت السلط لحزب أو إئتلاف أخر إن كل هذه المظاهر والى جانب محدودية التمثيل الشعبي لهذه المكونات جعل من المعادلة السياسية في العراق ناقصة وحتى شاذة إذا ماقيست على حقيقة الشعب العراقي الواحدة.

 

وأمام كل هذا فأن كل منتسبين الطائفة أو القومية ملزمون تقديم الطاعة في الفضاء السياسي كما هو ملزمون بتقديم الطاعة لقادته في الفضاءات الطائفة والقومية الواحدة!وبذلك يتحول جزء من الشعب الى رقيق سياسين ويفقد بهم الشعب من بنيته جزءاً مهماً وقد يكون في بعض البلدان كبيراً كما هو الحال في إيران وتضعف بهذا الفقد المشاريع الديمقراطية لفرصتها.إن الاحزاب الطائفية والعرقية تفتقر للمشروعية أيظاً بسسب إستغلالها للنفوذ الطائفي والعرقي لتحقيق مصالح قياداته , وخاصة في الصراع على السلطة والامر بالضرورة سوف ينعكس على المشهد السياسي في التخندقات المصلحية الضيقة وينسحب ذلك بدوره على الطائفة أو القومية ويجرها الى مجابهات وصراعات وهذا ما يعيشه العراق منذ إحتلاله في عام 2003.

 

إن المنطق يقر بوجود أديان و مذاهب وقوميات متعدة في داخل النسيج العراقي وهو واقع يُقرُ به كل عقل و مراقب للوضع في العراق وحتى حزب البعث العربي الاشتراكي يقر بهذا الواقع ويتعامل مع هذا الواقع  , لكن ليس كما يراه مندوبو الاجنبي من الاحزاب الطائفية والعرقية والعشائرية..إنهم يرونه واقع مجزء ويتعاملون معه على هذا الاساس وهم محقون لحد أبواب فكرهم  , ويبنون ديمقراطيتهم على هذا الاساس مثل خزعبلات الفيدرالية والطائفية والتقسيمات العرقية والمناطقية ,  ومن هذه الديمقراطية المشوهة ينطلقون في بناء دستور يرسم لهم المجتمع المجزء وتتحدد من خلاله حقوق المواطنة الطائفية والعشائرية القومية وخاصة فيما يخص الحقوق والواجبات على اساس الطائفة والقومية والعرقية!والسبب واضح لكونهم لا يستطعون أن يحشدوا لهم جماهيرية واسعة في الوطن الواحد بسبب محددودية أفكارهم(حزب طائفة أو قومية محددة) وسوء سلوكياتهم(فسادهم الاداري والمالي والاجتماعي) , فلم يبقى أمامهم الا بإستخدامهم الدين والطائفة والعشيرة والقومية والتي قد تؤمن لهم حشداً وصفوفاً من الجماهير ولو لفترة محددة ولحين إتخام جيوبهم ونفوسهم الجائعة للسحت الحرام والجا الكاذب وبالتالي لتفترق عنهم هذ الحشود و لايبقى حول هذه الكتل الا الانتهازيزن و النفعيون والحاشية وهذا هو تطور الواقع السياسي الحالي والذي يجري في العراق اليوم.

 

أما البعث الخالد فينظر الى الواقع العراقي بقومياته المتعددةوأديانه وطوائفه ولكنه يحدد علاقته بالفكر والسلوك ومن ثم بالسلطة و المجتمع العراقي سواء في البناء الدستوري أو في تشكيل السلطة من خلال الوطنية فقط وعلى المستوى الامة يكون النضال القومي هو الحد الفاصل في الانتماء الحقيقي ,  وهو قادر على هذا التعامل من خلال شمولية نظريته الفكرية لكل مكونات المجتمع العراقي والعربي وتمثيله لطموحات هذه الجماهير الواسعة , وأيظاً من خلال إستيعاب نظريته التنظيمية لكل المكونات الدينية والاجتماعية للمجتمع العراقي والعربي , وبدليل أن أعضاء وجماهير الحزب كانوا مسلمين (شيعة و سنة)ومسحيين (أرثذوكس وكاثوليك) وصائبة مندائيين ,  وعرب واكراد وأشوريين وأرمن وشبك ويزيدين..كل الشعب في كل الحزب و الحزب في كل الشعب.

 

إنها حقيقة البعث الخالد ,  لا يمكن أن ينكرها حتى أعداء العراق والامة والانسانية و بالرغم من محاولاتهم البائسة ليشوهوها بإطلاق تعبيرات فاسدة ويلصقوا أكاذيب وقد أخذت هذه التعابير والاكاذيب مدها في التاثير وانتهت لانها لم تستند الى حتى جزء من الحقيقة..لان أهداف البعث العظيمة تمثل طموح كل هذه المكونات وكل مكونات الشعب العربي , فالوحدة اليست مصدر قوة لكل الشعوب والامم وكل الاديان والطوائف وكل اقطار الوطن العربي وحتى في العالم , والحرية وهي مبدأء موجود في كل الاديان وهدف تصبو اليه كل الشعوب والامم وتشكل طموحاً لكل القوميات في تحقيقه , واما الاشتراكية والتي تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والمساواة والبناء وتحقيق الرفاهية والتوزيع العادل للثروات فهي لاتقوم على اساس قومي أو ديني او مذهبي أو منطقي جغرافي بل على اساس المواطنة في الوطن الواحد وقيمة العمل الذي يبذله الفرد أو المجموعة.

 

اليست هذه الاهداف جامعة وشاملة (الشمولية ليس كما يروج لها أتباع الامبريالية والصهيونية والايرانية) بل الشمولية بمعناها الانساني في قدرة الفكروالتنظيم على تمثيل الامة وبكل مكوناتها الاجتماعية والدينية أهدافاً وبنيةً.ولكي نكون معبرين بصدق عن فكر البعث الخالد في موضوع الشرعية الطائفية ونقول إننا لسنا نطالب بالغاء الطائفية كشكل من الاشكال الاجتهاد في الدين والتفسيرات الفقهية وأيظاً نقبلها كشكل من اشكال التنظيم الاجتماعي ولكن لا نقبل أن تنتقل السلطة الدينية في الطائفة الى الاجواء السياسية بصيغة سلطة سياسية لان هذا سيعني تداخلاً بين نشاطين روحي وأخرسياسي , وفي المجال الروحي الكثير من المبادئ لا تتحمل أي نوع من مبأدئ الديمقراطية ولكن في المجال السياسي لا يستوي الامر الابوجود الديمقراطية.

 

وأول مظاهر هذا الاستواء في المجال السياسي الديمقراطي وجود دستور حقيقي يقر بتساوي كل المواطنين بغض النظر عن هويتهم القومية والدينية والمذهبية , في حين بناء السلطة في الطائفة الواحدة يبنى (ومن خلال فلسفة الطائفة) على تقدم المنتمين للطائفة في كل الحقوق والامتيازات على الباقين من خارج الطائفة , والصور في عراق اليوم واضحة سواء اللذين اليوم في السلطة او هم اليوم خارج السلطة من أحزاب الطوائف.

 

وأن المشهد السياسي الذي يغطيه أحزاب الطائفة يحمل تناقضات تكمن في وجودها كاحزاب طائفية ففي حين وكما قلنا سابقأ أن تركيب الطائفة من حيث بنيتها ومركزالقرار فيها لا يسمحان لاية الديمقراطية لأن تنسج خيوطاً في بنية الطائفة الواحدة , لذلك يكون من الصعب والتعقيد لاية محاولة لتحويل الطائفة لحزب وتحويل قادة الطائفة الى قادة لحزب سياسي  , وخاصة إذا كان هنالك أكثر من مرجعية دينية واحدة  , فهذا بالضرورة سيؤدي الى إنشقاقات مستمرة في حزب الطائفة لان الاجتهاد الفقهي سوف يؤدي الى إجتهاد في عمل وتوجهات الحزب ولو تابعنا عدد الانشقاقات التي تعرض لها حزب الذي يحكم اليوم ومنذ تاسيسه وقبل ستون سنة تقريباً والى اليوم لكانت الصورة تكون أكثر وضوحاً  , في الاخر إضطرت قيادة هذا الحزب الطائفي أن تلبس رداء الوطنية لكي يقفوا أمام تصدعه المقبل وللبحث عن وسائل تستقطب من خلالها الجماهير لان حظوظهم في الطائفة الواحدة أمست تَضيق يوماً بعد يوم لكثرة الاحزاب والمليشيات وقد تكون فرصة لهم في الساحة الوطنية أكبر ,  ويبقى الامر المهم عندهم أن كانوا صادقين في تغير نهجهم الطائفي أن يبدءوا بالفكر وعدم الاكتفاء بالشعارات ,  ولكن كل الحقائق تدل على إن رفع الشعارات الوطنية وتثوير الخطابات السياسية غير كافية للتغير ووقف التصدع المقبل لان المشكلة تكمن في الفكر الطائفي الذي يحمله الحزب.

 

وظاهرة الزيارات لكل القوى السياسية في عراق اليوم للمرجعية الدينية وفي كل مازق سياسي يدل على سيادة منطق تحويل القائد الطائفي الى قائد سياسي والذي يضرب في صميم ما يسمى بالعملية السياسية والمتمثلة بخضوعها لمبدأ الشرعية الدستورية..

 

 





الخميس١٣ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة