شبكة ذي قار
عـاجـل










طغت على الساحة السياسية العراقية خلال الأيام الأخيرة بتزامن مع فشل الكتل السياسية التي فازت في انتخابات مجلس النواب 2010 في التوصل الى اتفاق يقود الى تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة المالكي المنتهية ولاياتها وبعد الفراغ السياسي غير المسبوق أطلقت قوى من الاتجاه المضاد للاحتلال مشاريع بديلة منها حكومة الإنقاذ الوطني او حكومة المنفى بينما أطلق آخرون تحذيرات من الانقلاب العسكري وكل هذه الأطروحات تصب في النهاية في صالح المشروع الأمريكي في العراق سواء بقصد او بدون قصد من مطلقيها :

 

1 – الانقلاب العسكري : الكل يعلم ان الاحتلال من أولى القرارات التي اتخذها بعد الاحتلال هو حل المؤسسة العسكرية العراقية والأجهزة الامنية وقوى الامن الداخلي وزج قادتها في السجون سواء من استسلم طواعية او القي القبض عليه وسيق الكثير منهم الى محكمة اسسها المحتل وفق المعايير التي يريدها ويفسرها لحقوق الانسان فصدرت بحقهم احكاما لا يمكن لمعظمهم ان يخرج من قيودها سالما واستبدلت هذه المؤسسة بقوات طائفية وميليشيات موالية للمحتل الأمريكي يسهل السيطرة عليها ويسهل إزاحتها لو اقتضت الضرورة كما ورد في مقررات مؤتمر اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة ( ايباك ) المنعقد في الفترة من 10 – 12 /6/1990 وبالتالي فان هذه المؤسسة غير مؤهلة للعب دور في الحياة السياسية العراقية في الوقت الراهن وذلك :

 

ا ـ بموجب الاتفاقية الامنية (اتفاقية الاذعان ) فان الولايات المتحدة الأمريكية تتولى حماية ما أسمتها ( التجربة الديمقراطية في العراق) وبالتالي لا يمكن لأية قوات عسكرية عراقية ان تتحرك دون دعم لوجستي من قوات الاحتلال الأمريكي وبالنسبة للمحتل حسب قراءتنا المتواضعة لم يحن الوقت لمثل هذا التحرك او القرار طالما ان العراق محل صفقة بينها وبين الجار الشرقي إيران الذي مد اذرعه في كل مفاصل الدولة العراقية بمرأى ومسمع المحتل الأمريكي بل وبدعم منه وبالتالي فان الحديث عن الانقلاب العسكري هو بالونات اختبار ورسائل الى الكتل السياسية المتناحرة لتقديم التنازلات والوصول الى توافق التوزيع الطائفي للمناصب وتشكيل حكومة تقبل بكل الاملاءات الأمريكية وتحظ برضا إيران .

 

ب ـ لنفترض ان المحتل الأمريكي وقف على الحياد من أي تحرك عسكري باعتباره شانا داخليا عراقيا وهو افتراض بعيد عن الواقع فان ما لدى هذه القوات من تسليح اقل بكثير من الأسلحة الموجودة لدى الأحزاب الطائفية ويمكن ان تدخل عبر البوابة الشرقية ألاف الأطنان من السلاح والحرس الثوري الإيراني لدعم حكومة المنطقة الخضراء خاصة وان قادة الحزب الحاكم أعلنوا صراحة ان الحكم في العراق بات ملكا لطائفتهم ولا نعتقد ان القوات الأمريكية ستتدخل لصالح الانقلابيين .

ج ـ ان أي تحرك عسكري باتجاه الانقلاب سيؤدي الى حرب أهلية وبالتالي تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات كردية وشيعية وسنية والوقت لم يحن أمريكيا لهذا السيناريو بعد لان تقسيم العراق من عدمه متوقف على مستجدات الإحداث في ملف إيران النووي ووضع قوات النيتو في افغانستان ومسار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني

 

 2 – حكومة الإنقاذ الوطني : سيناريو حكومة الإنقاذ الوطني لا يختلف عن سيناريو الانقلاب العسكري لان الجهات التي ستتولى تشكيل مثل هذه الحكومة يجب ان تكون على أنقاض العملية السياسية التي جاء بها المحتل الأمريكي الذي يرفض الى ألان الإعلان عن فشله .

 

ان حكومة الإنقاذ الوطني يجب ان تحظ بموافقة الأكراد وهي موافقة مستبعدة لان المشهد السياسي لما بعد الاحتلال جاء كليا لصالح الأكراد والأحزاب الكردية بمقدورها اليوم إنهاء الأزمة السياسية في العراق وفق مشروع وطني بعيد عن التقسيم الطائفي العرقي للسلطة وتشكيل كتلة نيابية مع العراقية والمجلس الأعلى والفضيلة واستقطاب الكتل الصغيرة والكوتا لتبق كتلة دولة القانون في المعارضة وتشكيل حكومة من التكنوقراط والوطنيين تتولى تصحيح المسار السياسي الذي اسس له المحتل ولكن هل سيفعله القادة الأكراد ؟ اشك في ذلك وبالتالي لا تتوفر اية ارضية لتشكيل مثل هذه الحكومة الا بقرار من مجلس الامن يلزم العراق خاصة انه لا يزال خاضعا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة منهيا التداعيات السياسية للاحتلال .

 

 فمن هي الدولة التي ستقدم مشروع هذا القرار الى مجلس الامن الدولي من دون ضوء اخضر أمريكي ؟

 

3 ـ حكومة المنفى :

لا يخفى على الجميع ان غزو واحتلال العراق كان عملا إجراميا مخالفا لميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا للقوانين والاعراف الدولية وكان على المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة إدانته والطلب من القوات الغازية إنهاء الاحتلال وسحب القوات الغازية فورا كما فعل مجلس الامن مع العراق بموجب القرار 660 (1990) بعد غزو الكويت عندما طالب العراق بسحب قواته فورا وإعادة الحكومة الشرعية وإلغاء آثار الغزو ولكن الذي حدث ان مجلس الامن رغم انه اعترف في القرار 1483 (2003) بان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دولتين قائمتين بالاحتلال  الا انه لم يقم بإدانة الغزو والاحتلال ولم يطلب من الدول الغازية أعادة العراق للوضع الذي كان سائدا قبل الغزو وخاصة ان المادة (41/2) من مواد مفوضية القانون الدولي وكقاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي نصت على : " ما ينبغي لأية دولة ان تعترف بقانونية وضع نشا عن انتهاك خطير " وقد قبلت أمريكا هذا المبدأ صراحة وفقا للمادة (11) من اتفاقية مونتيفيديو حول حقوق وواجبات الدول إنما أعطى المشروعية لهذا الاحتلال .

 

وبموجب القرار 1500(2003) رحب مجلس الامن بتشكيل مجلس الحكم في العراق كخطوة هامة نحو تشكيل شعب العراق حكومة معترف فيها دوليا تمثله وتتولى مستقبلا ممارسة السيادة في العراق .

 

وبموجب القرار 1511(2003) قرر مجلس الامن ان مجلس الحكم ووزرائه هم الأجهزة الرئيسية للإدارة المؤقتة العراقية التي تجسد سيادة العراق خلال فترة انتقالية الى ان يتم إنشاء حكومة ممثلة للشعب ومعترف بها دوليا وتتحمل مسؤوليات السلطة.

 

وبموجب القرار 1546(2004) رحب مجلس الامن ببدء مرحلة جديدة على طريق انتقال العراق الى حكومة منتخبة انتخابا ديمقراطيا بعد تولي حكومة انتقالية السلطة بحلول 30 حزيران 2004 .

 

وبموجب القرار 1637 (2005) اعترف مجلس الامن بكل الإجراءات التي قامت بها الحكومة الانتقالية ومنها الدستور وإجراء الانتخابات بحلول 15 كانون الأول 2005.

 

وهذا يعني ان الوضع السياسي القائم بعد الاحتلال يحظ بقبول المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الامن الدولي رغم معرفتنا ان هذا المجلس واقع تحت الهيمنة الأمريكية .

ان حكومة المنفى تتطلب شروطا منها وجود دولة تقبل ان تشكل هذه الحكومة على أرضها ولا نعتقد ان هناك دولة تستطيع المجاهرة في معاداة الولايات المتحدة الأمريكية  وقبول مثل هذه الحكومة على أراضيها .

 

ان تقدم هذه الحكومة مشروعا وطنيا متكاملا تستطيع من خلاله حشد التأييد الدولي له وبالتالي الاعتراف بهذه الحكومة على أنها هي الممثلة الشرعية للشعب العراقي وبديلة للحكومة الحالية وأولى خطوات المشروعية لها اعتراف مجلس الامن بها بقرار صريح مستندا على ان الوضع في العراق بات يهدد الامن والسلم الدوليين .

 

ولن تحظ هذه الحكومة بمثل هذا الدعم الا بموافقة ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية التي بمقدورها وحسب تمرير قرار الاعتراف بها في مجلس الامن  وبغير ذلك تبق تشكيل مثل هذه الحكومة من قبيل الوجاهة فقط لا تخدم القضية العراقية من قريب او بعيد .

مما تقدم فان كل هذه الأطروحات  إذا أريد لها النجاح يجب ان تدور في الفلك الأمريكي وبما يخدم مصالحها في العراق والمنطقة .

 

ما هو الحـــــــــل :

لقد ابتلي العراق قبل الاحتلال بعداوة القوة الأعظم في العالم في زمن اختلت فيه توازن القوى هذه القوة ارتكبت جريمة العدوان وخرقت ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي دون ان يقف بوجهها احد وبالتالي فان طرح مثل هذه المشاريع يضعف القوى المناهضة للاحتلال ويزيد من تشرذمها فما المطلوب ألان :

 

ا ـ زيادة الفعل المقاوم للمحتل الأمريكي من خلال عمليات نوعية توقع خسائر اكبر في صفوف قواته ولها تأثير إعلامي فاعل في أوساط الناخب الأمريكي وخاصة خلال الفترة الحالية حتى موعد التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي لإجبار المحتل على اتخاذ خطوات أكثر جدية باتجاه المقاومة وفرض التفاوض عليه وفقا لحقوق العراق وشعبه.

 

ب ـ اتفاق القوى المناهضة للاحتلال على مشروع وطني بديل للمشروع الأمريكي القائم في العراق منذ الاحتلال يتضمن المشروع :

 

1 ـ مسودة دستور دائم للعراق يحمي حقوق الانسان وينظم أمور الدولة بشكل حضاري.

 

2ـ مسودة قانون للانتخابات يؤكد على التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة وبإشراف دولي كامل .

 

3 ـ مسودة قانون للأحزاب ينظم أمورها بشكل مقنن لا يستثني أحدا حتى التي دخلت العملية السياسية  بدلا من هذا الكم من الدكاكين التي لا تؤدي الا الى مزيد من الانقسام في النسيج الاجتماعي.

 

4 ـ مسودة مشروع مصالحة وطنية حقيقية تؤسس إما الى طي صفحة الماضي بالنسبة للجميع او استصدار قرار من مجلس الامن بتأسيس محكمة خاصة تتولى محاكمة كل مرتكبي انتهاك حقوق الانسان في العراق من 1968 ولغاية تشكيل الحكومة الانتقالية وإنصاف من انتهكت حقوقه بشكل عادل وإنهاء قرار حل حزب البعث واجتثاثه من المجتمع والمشهد السياسي فلا استقرار في العراق دون عودة حزب البعث الى المشهد السياسي شانه شان بقية الأحزاب إذ ليس بمقدور احد إجبارهم على التخلي عن عقيدتهم السياسية كما ان قرار حله واجتثاثه يناهض القانون الدولي .

 

5ـ مسودة حول الأسس التي ستكون العلاقة بين العراق والولايات المتحدة أولا ثم مع دول الجوار وإنهاء كافة المتعلقات في العلاقة مع إيران والكويت تكون واضحة ومطمئنة للجميع.

 

6ـ مسودة قانون للمحافظات وكيفية تقسيم الثروة بشكل عادل عند تخطيط إعادة أعمار العراق.

 

ج ـ معالجة حقوق الشعب الكردي وهواجسه بشكل عادل ومنصف مقبول من الجميع يحافظ على وحدة العراق أرضا وشعبا وينهي كل المسببات التي دفعت الشعب الكردي الى رفع السلاح في وجه الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية .

 

د ـ يكون انتخاب رئيس الدولة باستفتاء شعبي مباشر من خارج الكتل البرلمانية ويكون الحارس على حسن تطبيق التجربة الديمقراطية وفق صلاحيات دستورية واضحة .

 

هـ ـ تكون المؤسسة العسكرية والأمنية التي يعاد تأسيسها بعيدا عن التحزب والطائفية وتكون احترافية .

 

و ـ ان يتضمن المشروع كل النقاط التي تؤدي الى إنهاء الاحتلال وإعادة الامن والاستقرار للعراق ومن يحظ بثقة الشعب يحكم البلاد ومن لم يحالفه الحظ يكون في صفوف المعارضة.

 

ز ـ يطرح المشروع عبر وسائل الإعلام الى المناقشة الشعبية لمدة محددة لمعرفة أراء المواطن فيه وتعديله على ضوء هذه المناقشة ليكون مقبولا من الجميع .

 

لقد مر العراق منذ تأسيسه الحديث في فترات صعبة من المعاناة وقاسى شعبه من الماسي ما لم يمر على شعب وحان الوقت لهذا البلد ان يستقر وينعم شعبه بالراحة والأمان ويتمتع بالثروة التي من الله بها عليه .

 

المحامي

ودود فوزي شمس الدين

مدير المركز العراقي لحقوق الانسان

 

 





الاثنين١٠ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي ودود فوزي شمس الدين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة