شبكة ذي قار
عـاجـل










تم احتلال فلسطين من قبل الحركة الصهيونية بقرار بريطاني صدر عام 1917 ودارت على أرضها معارك ضارية سقط فيها عشرات الآلاف من أهل فلسطين  والعرب منذ ذاك التاريخ. وتأسست منظمات وجيوش وحركات وميليشيات وأحزاب وقوى سياسية تحمل أهداف تحرير فلسطين من الفلسطينيين والعرب ومن غير العرب. قامت في المنطقة حروب طاحنة غيّرت جغرافيا المنطقة وطوبغرافيتها وأسقطت أنظمة وقامت ثورات وأنظمة أخرى وعقدت اتفاقيات علنية وأخرى سرية في صميم و على هامش الصراع العربي الصهيوني. سقطت أنظمة ومنظمات في شراك الحلول السلمية, كما أسموها, منذ ما يربو على ثلاثين عام وما زالت المفاوضات تراوح على أعتاب تقع قريبا من الفشل أكثر مما هي واقعة قرب  أي احتمالية للنجاح.

 

حصلت كل هذه التفاصيل وغيرها الكثير الكثير ولم تتحرر فلسطين، بل تجذّر الوجود الصهيوني وأسس لوجود شرعي بإرادة دولية ظالمة متوحشة داعمة للدولة العبرية لا يشذ عنها إلا مَن رحم ربي وفي مقدمتهم العرب النجباء وقواهم السياسية الشريفة.

 

هددت مصر الدولة الصهيونية مرارا وتسلحت بما يفوق قدراتها الاقتصادية وتعاملت بالسياسة الهجومية وبأخرى ناعمة وحَكََمتها أحزاب وشخصيات وطنية وقومية لم يكن أمامها من تحد أكبر وأعظم من تحدي الكيان والإيديولوجية الصهيونية. ولم تتحرر فلسطين، بل أُحتلت مصر احتلالا مباشرا في أجزاء منها وأُحتلت احتلالا سياسيا شاملا من قبل الصهيونية وكيانها حين وجد أهل مصر أن كل ما خسروه وما ضحوا به هم وأصدقاءهم قد أسفر عن فجر يطل فيه على شعب مصر تطبيع جاحد وسفير صهيوني يقود التطبيع في قلب القاهرة.

 

قاتلت سوريا بكل طاقاتها البشرية والاقتصادية غير إنها انتهت بالجولان محتلا من قبل الصهاينة وليس بين دمشق والبعبع الصهيوني سوى مسافة تقطعها الصواريخ الصهيونية بأجزاء من الثانية .. واستقبلت دمشق منظمة التحرير وكل فصائل الجهاد وآخرها حماس لتمارس دورا قوميا يليق بآخر قطرات الحياء العربي غير إن التحرير قد نأى كما لم ينأى من قبل.

 

وبنا العراق تحت قيادة حزب قومي تحرري اشتراكي, وضع فلسطين وقضيتها في قلب حركته ودستوره ونظامه الداخلي, أعظم تجربة قومية تحررية في تاريخ العرب المعاصر ألا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي. أسست الدولة العراقية الوطنية والقومية البعثية أعظم جيش بأحدث وأهم صنوف الأسلحة، وقاتلت مع العرب بدعوة وبدون دعوة، وأسندت القيادة والنظام العراقي فلسطين وشعبها ومقاومتها كما لم يحصل في كل تاريخ الصراع العربي الصهيوني وتوزع الإسناد على كل الجبهات المتاحة دوليا وإقليميا ومحليا ودبلوماسيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا. غير إن نظام دولة الفقيه الفارسية قد أعلن حربا ضروسا على العراق الفلسطيني إلى حد النخاع امتدت لثمان سنوات تلاها امتداد بحرب اقتصادية قام بها النظام الكويتي بالنيابة، ثم حرب كونية قادتها أميركا بحجة تحرير الكويت تلاها حصار نخر جسد العراق لحما وعظاما لثلاثة عشر عاما تمهيدا لغزو عسكري واحتلال لدى العراقيين ألف مؤشر ومؤشر, بل إن لديهم أدلة قاطعة علمية وموضوعية ومنطقية إن إيران شريكة به إعدادا وتنفيذا وإطالة واستمرار.

 

لم يحسب نظام خميني الذي يرثه الآن نجاد أي حساب ولم يقم أي وزن للدور العراقي البعثي العربي المسلم التحرري المتفرد في دعم كفاح الشعب الفلسطيني ولم يحسب له أي حساب بل قدّم نفسه على انه يعمل على إسقاط هذا النظام ليحرر فلسطين في أعجب مغالطة عرفها تاريخ الديماغوجية والنفاق السياسي والاستهتار والاستخفاف بعقول العراقيين والعرب. ورغم إن أميركا وحلفاءها قد أدخلت الفرس في بغداد وكربلاء بعد الغزو لتضعهم أمام صدقية ادعاءاتهم المعلنة من عدمها بالانطلاق من هذه المدن العراقية لتحرير فلسطين (من دون أن تقصد ذلك) بعد أن نحرت نظام الشهيد صدام حسين, غير إن نظام خميني وخامنئي ونجاد لم يطلق أطلاقة واحدة لا من طهران ولا من بغداد ولا من كربلاء باتجاه الأرض الفلسطينية العربية المحتلة، بل انطلقت عوضا عن ذلك علاقات مبتكرة تحصل لأول مرة في تاريخ العراق بين الأحزاب والشخصيات التي أوصلتها طهران بالتعاون مع أميركا لتحكم العراق وبين الكيان الصهيوني الغاصب. وصارت قبة البرلمان العراقي المنتخب ديمقراطيا تحت حراب الغزو والاحتلال والذي دخل فيه كل ممثلي الدولة الفارسية وولي فقيهها من أفراد وأحزاب مكانا يشرعن الصلة بين احمد الجلبي ومثال الالوسي على سبيل المثال لا الحصر وبين الدولة الصهيونية المجرمة.

 

ولم تتحرك إيران إلا كظاهرة صوتية وإعلامية مخادعة لتحرير فلسطين ولم تحرر فلسطين إلا بخطب فارغة ومهاترات جوفاء لأزلام النظام الفارسي لا طائل ولا جدوى من وراءها سوى استغلال وهن الأنظمة العربية وجبنها وتخاذلها واستغلال الإحباط الشعبي العربي من هذه الأنظمة لتقدم نفسها على إنها حاملة رايات تحرير فلسطين التي هي في حقيقتها رايات التمدد الفارسي الاستيطاني على حساب العرب أرضا وشعبا لا أكثر ولا اقل, وهي رايات تقاسم النفوذ بين إيران وأميركا والصهيونية التي تم الاتفاق عليها في إطار سيكس بيكو جديدة لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ من الأرض والإنسان العربي.  

 

حزب الله اللبناني ونظراءه في العراق يمزقّون جسد العراق بالنظام الكونفدرالي متحالفين مع القيادات الكردية التي لا تسفر فقط, بل تتباهى بعلاقاتها مع الكيان الصهيوني, وتعلن على الملأ بان هذا الكيان داعم دائم لحقوق الأكراد القومية. وحزب الله في لبنان يتاجر بدماء الأبرياء من أهل الجنوب ليقدم الأدلة للعرب على انه مقاوم من غير أن يقدم للأمة أية إستراتيجية للتحرير ولا برنامجا يوضح خطة أو منهجا سيوصلنا للتحرير غير الولاء لدولة الولي الفقيه وتقديم رقاب اللبنانيين والفلسطين على مذبح هذا الولاء ضمن خطة التسويق المجاني لأجندة الدولة الفارسية على حساب العرب. ولم نلمس من حزب الله هذا ولا من زعماءه المعممين بذات العمامة الفارسية سوى التنسيق مع قتلة العراقيين من ميليشيات الفرس من أمثال فيلق بدر وجيش المهدي وميليشيات الدعوة وغيرهم من شذاذ الآفاق.

 

ولا يعرف أي منّا لا عربا ولا عراقيين كيف ستقوم إيران بتحرير فلسطين ولا متى.

غير إن احمدي نجاد قد أعطانا بعض ما كنا نجهله في مضمار جهاد بلاد العمامة في خطبه العجيبة الغريبة  في لبنان التي لم يشهد علاقات الدول المستقلة ذات السيادة مثيلا لها من قبل، حين طيب خواطر العرب المتلهفين والمشككين والمتسائلين وأفحمنا نحن العرب الرافضين للدور الفارسي جملة وتفصيلا حين قال لنا إن المسيح والإمام الحجة المهدي عجل الله فرجهما هما مَن سيتولى تحرير أرضنا السليبة. والويل كل الويل لمن لا يصدق لأنه عندئذ سيهدر دمه خارجا عن المسيحية أو عن الإسلام وخائنا لمذهب آل البيت ولن تحتويه أرض الله على سعتها. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

لمَن يتساءل إذن عن خطة التحرير وأسلحتها وتمويلها وساعة انطلاقها لن يجد لإيران يدا" فيها ولا صلة من أي نوع لان العملية برمتها موكلة لابن العذراء مريم عليهما السلام ولإمامنا الغائب عجل الله فرجه الّذين لا يعرف أحد غير رب العزة موعدا لنشورهم من جديد إذ يمكن أن يتم الآن فورا أو بعد أن تتهرأ أجساد وعظام مليون جيل من الجنس البشري. وحسبنا الله ونعم الوكيل على الدجل والمراوغة التي يلعب نجاد في ربوعها بلا خجل ولا حياء ولا أي احترام لعقول الناس.

 

اللهم اشهد إني شيعي يحب دينه ومذهبه غير إني بريء إلى يوم الدين من أي ولاء لهذا الدجال ونظامه. واشهد اللهم إني لا اصدق كلمة مما يقول ويدّعي، بل أجد فيها أخس أنواع الكذب والنفاق الذي فتحت عيوني في النجف الاشرف على نماذجه الفارسية المقيتة المتعفنة. وليشهد علي كل أهل الضاد بكل مذاهبهم وأديانهم وعقائدهم السياسية إن هذا الرجل غاز لأرضكم طامع بخيراتكم يأكل حلاوة بعقول بعضكم ويستثمر سذاجة بعضكم وعجز بعضكم وسطحية بعضكم ليتوغل في خط سير تنفيذ مشروع بلاده الامتدادي الطائفي الفارسي. وليسال أي منّا نفسه: كيف يمكن للصهيونية المتوحشة بأسلحتها النووية وتكنولوجيا كل الغرب الموضوعة تحت تصرفها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديد حقيقي للدولة الصهيونية يصل إلى تخومها؟

 

وكيف يمكن لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وايطاليا وغيرها من دول أوربا الغربية والشرقية وكل التابعين سياسيا لها والتي احتضنت الإرادة الصهيونية في تأسيس وتكريس ادعاءاتها الباطلة وحماية دولتها على ارض فلسطين المغتصبة, أن تتواني لثانية واحدة في مواجهة الخطر الداهم الذي ينعق به نجاد إن لم يكن محظ ظاهرة صوتية فارغة وهوجاء. أفتونا يرحمكم الله أية فتوى تأتينا من عمامة سوداء أو بيضاء  لكي نقتنع ونلتحق بركب جحافل تحرير فلسطين الفارسية فنحن والله جنود فداء لفلسطين مع أي كان, عربي أو أعجمي, يتوكل على الله ويبدأ حرب التحرير. ولكننا غير مستعدين للانتظار حتى تحتل إيران البحرين والكويت والسعودية واليمن كما تحتل الآن العراق ولبنان لتبرهن لنا إنها كيان احتلالي شأنها شأن الصهيونية وكيانها وإنها تلعب بالسياسة والطائفية بدلا من السلاح لتغلبنا وهي تضحك بوجوهنا ضحكة الثعالب والعقارب والأفاعي. إنها تغلبنا بأسلوب مجاني لا تخسر فيه لا أطلاقة ولا قطرة دم، في الوقت الذي ننتظر نحن بعث سيدنا المسيح وإمامنا المنتظر عليهما السلام!!!

 

كفانا سذاجة وبساطة أيها الأخوة العرب. ما قام به نجاد في لبنان مخجل ومعيب وسابقة خطيرة في علاقات الدول إن كنا ما زلنا نؤمن بقناعة إن لبنان دولة مستقلة وليست محتلة من إيران في جزءها الجنوبي على الأقل. إن ما حصل في لبنان وخاصة في جنوبه يعبّر بوضوح عن اختلال سياسي وأخلاقي في علاقات الدول ولا يعني إلا شيئا واحدا هو إن الجنوب فارسي الهوى وربما حتى الجنسية. وسنظل نقول هذا حتى تعلن إيران الحرب على الكيان الصهيوني لأننا لا نصدق بها وبسياساتها ولأننا عرفناها أفعى غدر وخنجر خيانة وصاحبة مشروع احتلال. وتذكروا أيها العرب الشرفاء إن السياسة المعاصرة لا يمكن أن تُلعب بطريقة نجاد وملالي طهران إلا إذا كانت أسلوبا مبتكرا متفق عليه بين أميركا والصهيونية وإيران لخداعنا. وفلسطين لن يحررها احد غير الفلسطينيين وأشقاءهم أبناء العروبة ... لا أحد غيرهم إذ لم نسمع عن تحرير يُنجز بالنيابة إلا إذا كان احتلالا تحت ستار التحرير.

 

aarabnation@yahoo.com

 

 





السبت٠٨ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة