شبكة ذي قار
عـاجـل










لمن يتتبع دراساتنا، وبحوثنا ومقالاتنا من القراء الكرام أبناء الكرام، يجدُنا قد وفينا بوعدنا الذي استلهمناهُ من عقيدتنا الإسلامية المُتمثل بتجنب الاتهام والافتراء على الآخرين دون حجةٍ أو دليل، وعلى الأعم نضعُ أنفسنا موضع/مكان "القاضي" الذي لا يحكُمُ إلا بالقرائن، وبخلافه يكون حكمهُ فاسداً، لا بل ظالماً، وندعو الله تعالى أنْ نكون مظلومين ولا نكن ظالمين، فعندما قُلنا أن "ولاية الفقيه تنزف دماً" لم نكن كما أشرنا مُفترين أو مُتهمين تلك الولاية التي جاءت على مسافة هائلة بين النظرية والتطبيق، فأساس لتنظير لها كان خاطئاً، لذا جاءت مُحصلات ممارستها للسلطة دموياً وإرهابياً، بمعنى آخر أن تلك "الولاية" ينطبق عليها القول: "المُقدمات الخاطئة تُنتج نتائج خاطئة"، والأدلة على ذلك منذُ عام 1979 الذي تبوأت به "العمامة والعباءة" السُلطة في إيران تملء مُجلدات، وأنتقي من هذه المُجلدات دليلين فقط لعدم الإطالة، يؤكدان دموية تلك الولاية كونها تحكم بـ "تنظير"، بـ "مُقدمات" خاطئة:

 

الدليل الأول:  يُعد الإيراني السيد "ما شاء الله شمس الواعظين" مُستشار مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية في إيران من النخبة المُثقفة الإيرانية التي تُعارض دكتاتورية ولاية الفقيه، وينبذُ عنفها الدموي، ويُطالب بضرورة الحد من صلاحيات "ولي الفقيه"، والعمل بالتعددية الحزبية، وإعطاء الحرية الديمقراطية المُنضبطة للأحزاب السياسية الإيرانية، وينتقد دائماً علناً التنظير الخاطىء لتلك الولاية الذي كونه السبب وراء كُل المصائب والكوارث السياسية والاقتصادية التي تعصف بالمجتمع الإيراني الذي يعيش على الكفاف بعد أنْ سُخرت عوائد النفط الإيرانية لبناء قنبلة نووية إيرانية، فضلاً عن جعل إيران ترسانة عسكرية من خلال الكم الهائل المستورد من الأسلحة، ناهيك عن المُصنع إيرانياً منه.؟!

 

"شمس الواعظين" علناً ينتقد التنظير الخميني للثورة الإيرانية فهو يقول بتاريخ 1/9/2009 في ندوةٍ على الهواء بهذا الخصوص ما نصه: (( يعني عندما نتحدث عن أي ثورة يجب أن نفصل بين أمرين ومقولتين النظرية والتطبيق، فيما يتعلق بالنظرية نعم نجح الإمام الخميني في إقامة النظام نظام سياسي يرتكز على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في أي قوانين تمررها البرلمانات المتواجدة في إيران، وهناك أيضا مؤسسات قامت في الثورة الإسلامية على أنقاض النظام السابق تتمتع بالحرية وتتمتع ببعض من القرارات فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية، ولكن من الناحية التطبيقية هناك نجاحات وهناك إخفاقات، فيما يتعلق بالإخفاقات أعتقد أنه عندما قال آية الله الخميني وهو في (نوفر لوشاتو) في باريس عندما أكد على ثلاثة شعارات، الاستقلال، والحرية، والجمهورية الإسلامية، نعم حصلت الثورة على الاستقلال، بين قوسين، الاستقلال السياسي فقط وليس الاقتصادي أو فيما يتعلق بالكثير من المجالات التي تربط إيران بالدول أو لها علاقة.. أو الأسرة الدولية. لكن فيما يتعلق بالشعارين الأساسيين اللذين هما الركيزتان الأساسيتان في أي حركة شعبية تقوم في أي ثورة من العالم، أي الحرية، والجمهورية الإسلامية هناك تحديات كبيرة وهناك إخفاقات، الحرية لم تعط للشعب الإيراني مقارنة بالوعود التي أطلقها آية الله الخميني، أنا لا أنسى أن الإمام الخميني ومن باريس أكد للشعب الإيراني حتى أن الشيوعيين أساتذة الشيوعيين سيتمكنون في ظل الجمهورية الإسلامية أن يدرسوا الماركسية في الجامعات الإيرانية وههنا نرى اليوم وبعد ثلاثة عقود حتى الأساتذة المسلمين والمتنورين الفكريين أو المثقفين الدينيين لم يتمكنوا من التدريس في النظام التعليمي الإيراني الحالي ولذلك أجبروا..)).([1])

 

لا أودُ الاسترسال في تحليل ما ورد آنفاً، ولكن يكفي القول بأننا كنا على درجة عالية من الصواب عندما أنكرنا على تلك الولاية القدرة على الحكم السديد، ولكن على الطرف الآخر يجب نتدبر، ونتساءل:

 

(1)  هل أنَّ فشل ولاية الفقيه في الحُكم يكمُنُ سببُهُ في أنَّ الإسلام التي استمدت منه "ولاية الفقيه" أسسها كما يقول مُنظرها "الملا خُميني" غير صالح للحكم.؟!

 

(2)  أم أنَّ الشواهد والأدلة والحجج التي استند إليها "الملا خُميني" في التنظير لتلك الولاية كانت عرجاء، ولم تكن على مستوى السياقات الفقهية المُتبعة في بيان رصانة تسلسل سند، وتفسير تلك الشواهد و...إلخ.؟!

 

(3)  أم أنَّ السبب يكمن في أنَّ أهل الحل والعقد القائمين على السلطة في إيران الذي يُمارسون الحكم باسم "ولاية الفقيه الإسلامية" انحرفوا عن مسارات التنظير الذي جاء به "الملا خُميني"؟

 

(4)  أم أنهم لم ينحرفوا عنها، وإنما هذه هي حقيقة ما تصبو إليه "ولاية الفقيه".؟!

 

(5)  وهل هذا يعني أنَّه لم يعد لـ "ولاية الفقيه" أي محتوى إسلامي، وأصبح محتواها "سياسي" بحت، بحيث عُد "التنظير الديني" لها بمثابة ذر الرماد في العيون، أي بمثابة "التقية" ، أي بمعنى آخر كان الغرض من توظيفهم لـ "الدين" هو لأجل الوصول للسلطة ليس إلا.؟!

 

الحقيقة أنني سأترك الإجابة على الأسئلة أعلاه لكي لا أخرُج عن مسارات المقال الذي أنا قيد الكتابة فيه، وأترك للقارئ الكريم أنْ يستنتج القليل من الدليل الأول أعلاه، والدليل الثاني أدناه، فربما يُمكن لهُ أنْ يؤسس لمسارات الإجابة المتوقعة على تلك الأسئلة.

 

الدليل الثاني: الموت، والتعذيب، والاغتصاب المجاني في سجن ولي الفقيه "كهريزك"...؟!

من المُفارقات لا بل من الطُرف، أو النُكت المُضحكة جداً أنَّ "الملا خُميني" وأنصارهُ خلال التهيئة لما يُسمى بالثورة الإيرانية كانوا يُثقفون على دموية الشاه "محمد رضا" من خلال التشهير بما يجري في سجن "إيفين" سيء السمعة؟ وإذا بذات النماذج التي تدعي أنها إسلامية، وجاءت بثورة لتنفذ أحكام الحق والعدل، تُمارس أسوأ مما كان يُمارسه الشاه المذكور، أللهم أنَّ هذا ليس باتهام، ولكن أخي القارئ الكريم أنقر فوق التوثيق([2]) المؤشر عليه أدناه لترى بعينيك، وتسمع بأذنيك دموية حُكام ولاية الفقيه في سجن "كهريزك" الذي يُمثل إحدى مُنجزات الثورة الإسلامية الإيرانية؟! بحيث أمست دموية "الشاه محمد رضا" بانتهاكاته في سجن "إيفين"، بمثابة "حبة خردلٍ"، وأصبح سجن "إيفين" ذاته سجن ترفٍ ونُزهةٍ قياساً للقتل، والتعذيب والاغتصاب الذي يجري في سجن ولي الفقيه "كهريزك" باسم الإسلام المُتبرئ منهُم ومن أفعالهم قبل استلامهم للسلطة في إيران؟ فكيف وهم قد استلموا تلك السلطة؟!

 

... أنقر هنا رجاءاً ... لمُشاهدة توثيق صوت وصورة للموت، والتعذيب في سجن "ولي الفقيه" "كهريزك"

 

 

يُظهر التوثيق جُملة من المُمارسات اللا شرعية واللا أخلاقية مارسها القائمين على إدارة سجن ولي الفقيه "كهريزك" باسم الحرية والديمقراطية، مارسها الحرس الثوري الإيراني بدموية تبرئ منها الإسلام جُملة وتفصيلاً، من أجل ديمومة حُكم اللا إسلامي لولي الفقيه، يُظهر التوثيق الحقائق الآتية:

 

(1)  تصفية/قتل الحرس الثوري الطبيب الإيراني الضابط المُجند "رامين بور"، ثم قاموا بترويج إشاعة أنه انتحر، وتكمن أسباب قتله في أنه الشاهد الأقوى على جرائم عناصر الحرس الإرهابي في قتل وتعذيب عدد من الشباب الإيراني الذين شاركوا في التظاهرات الاحتجاجية على التزوير الذي جرى في مسارات الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة التي انتهت بفوز الرئيس نجاد قسراً بولاية رئاسية ثانية، ويظهر أن الشاب الطبيب "بور" قد اعترته بشكل مُفاجئ ما يُمكن تسميته بـ "تأنيب/صحوة الضمير" بعد أنْ شاهد بنفسه ما يجري من دموية بشعة بحق نظرائه من الشباب الإيراني، مما وضع قادة الحرس أمام حقيقة ما يُشكل اعترافه من مخاطر حقيقية على حكم ولاية الفقيه، سيما رد فعل الرأي العام الإيراني.

 

الشاب الإيراني الشهيد الطبيب المُجند "آرمين بور" الذي قتلته عناصر من الحرس الثوري الإيراني

كونه "الشاهد المحوري المُهم" على جرائم الحرس في سجن ولي الفقيه "كهريزك"

 

(2)  عائلة الطبيب الشهيد "بور" أكدت علناً أنَّ أبنهم لم ينتحر، بل أنه قُتل، وأنَّ الانتحار قد أُلصق به لغلق القضية؟! مؤكدةً بذات الوقت أنه لم تظهر على تصرفاته قبل مماته أنه مُصاب بـ "إحباط نفسي" يدعوه للانتحار، من جهةٍ أخرى أكد قائد الشرطة "إسماعيل أحمدي مُقدم" أن الشهيد "بور" قد راجع مجلس الشورى الإيراني قبل يوم واحد من قتله بعد أنْ شعر بأن هناك خطر من قبل "قوى خفية" يُهدد حياته، وطالب مجلس الشورى بفتح تحقيق عن ملابسات وفاته، كما أنه أنكر قتله وأكد الرواية الرسمية على أنه انتحر؟! اعتراف قائد الشرطة آنف الذكر يؤكد بصورة غير مُباشرة ما أعلنته أعلاه عائلة الشهيد "بور".؟!

 

(3)  العديد من المواقع الإلكترونية الإصلاحية أكدت على قتل الحرس الثوري للطبيب "آرمين" سيما وأنهم كانوا يُجبرونه على تقديم شهادات طبية مزورة لصالح فرق التعذيب تبرئهم من الانتهاكات التي يُمارسونها ضد المُعتقلين في سجن ولي الفقيه "كهريزك".

 

(4)  العديد من أعضاء مجلس النواب الإيراني طالبوا السُلطات الإيرانية المُختصة بتشريح جثة الشهيد الطبيب "آرمين"، وذلك لحسم الموضوع ببيان سبب وفاة الضابط المُجند "آرمين"، بعد أنْ  تناقضت أقوال السُلطات الرسمية المسؤولة عن سجن ولي الفقيه أعلاه، التي قالت في البداية أنه "انتحر"، ثم عادت وقالت أنه "مات بالسكتةِ القلبية" قبل أنْ تُقرر أنه انتحر.؟!.   

 

(5)  الكتلة الإصلاحية في مجلس الشورى الإيراني أعلنت من جهتها أن سجن ولي الفقيه "كهريزك" كان يُدار من قبل نائب قائد الشرطة "أحمد رضا رزان" الذي سبق وأنْ تم التحقيق معهُ لضلوعه في تعذيب المُعتقلين، مُطالبةً بإعادة التحقيق معه، وكشف أسماء الضالعين في التعذيب على الرأي العام الإيراني ومُحاكمتهم، كما طالبت بشفافية أكبر في ممارسة التحقيق مع المُعتقلين في سجن ولي الفقيه أعلاه.؟!

 

(6)  عدد من النواب في مجلس الشورى ومنهم النائب مجلس الشورى "حميد رضا" عضو لجنة التحقيق في احداث ما بعد الانتخابات الرئاسية العاشرة، ألقى بالمسؤولية على عاتق قائد الشرطة "رزان" أعلاه بقتل أربعة من الشباب الإيراني في ذات سجن ولي الفقيه "كهريزك"، كُشف النقاب عن قتلهم، وكان "رزان" قد تنصل من مسؤولية قتلهم مُدعياً إدعاءاً غريباً وهو "أنهم ماتوا جراء إصابتهم بفيروسٍ غامضٍ قاتل..؟!"

 

(7)  مُجمل الأحداث الدموية آنفة الذكر دفعت بطلاب جامعة "قزوين" إلى تنظيم احتجاجات وتظاهرات استقبلت زيارة أحد نواب مجلس الشورى، الذي يُعد من أنصار الرئيس نجاد ومن المُقربين له، مُرددين هتافات وشعارات تُندد بزيارته وبقيادة الرئيس الإيراني نجاد.

 

ما ورد آنفاًَ وغيره أخي القارئ تجد أحداثُهُ في التوثيق أمامك، وهو يُعد من ضمن الإجابات التي يُمكن أنْ تكون على الأسئلة التي طرحتها آنفاً، ولذا فأعتقد أنك تُشاركني الرأي في أن "ولاية الفقيه في إيران لا تنزف دماً فقط... بل أنها باتجاه الانزلاق السريع نحو قاع الهاوية..."؟!

 

 

الدكتور ثروت اللهيبي  

almostfa.7070@  yahoo.com

[1] للإطلاع على الندوة كاملةً...أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net، ندوة حصاد الثورة الإسلامية في إيران بعد ثلاثين عاما، مقدمة الحلقة: جمانة نمور، ضيفا الحلقة: - محمد السعيد عبد المؤمن/أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس. - ما شاء الله شمس الواعظين/مستشار مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، تاريخ الحلقة: 1/2/2009.


[2] تم اقتباس التسجيل صوت وصورة من الموقع الإلكتروني: www.alarabiya.net، والتعليق في التوثيق للسيد "نجاح محمد علي"..

 

 

 





الجمعة٢٩ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور ثروت اللهيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة