شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن أخوض في الفصل الثاني من الكتاب، اليوم قرأت على موقع وطن يغرد خارج السرب مقالا للاستاذ زكريا النوايسة، وهو كاتب معروف بتنفيده الدائم لكذبات إيران ومواقفها الوهمية المخادعة، كان المقال بعنوان: هل ظلمنا إيران ؟ أعجبتني هذه المقدمة التي يقول فيها:  ( يأخذ علينا البعض أننا نهاجم إيران دون أن يكون هناك مبررات معقولـة، وربما فات هؤلاء أن الصَّدَفَةُ التي تحملها إيران علـى ظهرها صدَفـةٌ زائفة، وسيـدرك الواهمـون بعد فـوات الأوان أن هذه الدولة الأفعوانية خدعتهم دهرا طويل )  ...

 

نتمنى أن يصحى بعض العرب الهائمين بهذه الدولة المخادعة وأن يفيقوا للخدعة المجوسية الخمينية،  وخاصة هؤلاء الكتاب في القدس العربي ...  وكذلك صاحب القدس العربي ...

 

المهم ...  تبدأ فصول الكتاب كالتالي :

 

بداية النهاية ...

الوضع الاقتصادي العام قبل سقوط الشاه ...

تغيير السياسة الأمريكية في ايران ...

الخطأ المميت ...

التخبط في معالجة الازمة ...

موقف الدول الكبرى من نظام الشاه ...

محادثات الخميني مع الامريكان ...

 

بداية النهاية

 

( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً  (  ( الإسراء ) .. - - قرأت تفسيرا لهذه الآية الكريمة يقول إن كلمة أمرنا يمكن أن نقرأها أيضا  ( بتشديد الميم )  أي جعلناهم أمراء -

 

لقد آن للشاه أن يرحل ...  فقد اراد شعب إيران هذا الرحيل ...  والصراع مع الشاه له تاريخ طويل يمتد عمره إلى 25 عاما، أي منذ سقوط الحكم الوطني الذي كان يرأسه الدكتور مصدق رحمه الله، والذي اطاحت به المخابرات الامريكية، ليعود الشاه إلى إيران بعد ان هرب إلى اوربا، وليستبد بالسلطة كملك طائش جبار يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ...  والثورات الشعبية اذا غلت فلن تستطيع قوة الاستبداد ان تقف في وجهها، انها كالسيل الجارف تدمر كل شيء يعترض طريقها.

والثورة الايرانية عندما وصلت إلى مرحلة الغليان لم يستطع الشاه وجيشه ومخابراته وملايين الدولارات من الاسلحة الحديثة ان تعترض طريقها، فدمرت الرطب واليابس واطاحت بعرش كان عمره الفين وخمسمائة عاما، وجيش كان قوامه سبعمائة الف جندي مدجج باحدث انواع الاسلحة، ومخابرات كانت من اقوى المخابرات في الشرق الاوسط.

 

ان نجاح الثورة الايرانية لها اسباب كثيرة، منها داخلية ومنها خارجية، وعندما تكاتفت هذه الاسباب كلها كانت نتيجتها المحتومة ثورة ومحنة ودم وعرق ودموع.

كان الوضع العام في ايران وفي اواخر ايام الشاه نموذجا من تناقضات صارخة تنذر بالشر المستطير ...

- فالحريات السياسة كانت مفقودة.

- والارهاب بلغ اشده في ظل السافاك، حيث التعذيب البشع وقتل السجناء في سجونها ورمى المناوئين السياسين احياء في بحيرة ساوة ...

- الثورات المحلية كانت تخمد بالنار والحديد.

 

الوضع الاقتصادي العام كان ينذر بالكارثة ...

 

ايرادات النفط كانت تنفق في شراء الاسلحة من امريكا واوربا، والاسراف في نفقات الدولة والبلاط ...

التدخل الامريكي في ايران بلغ إلى مرحلة الوصاية والقيمومة، فكان هناك خمسين الف مستشار امريكي يتقاضون 4 الاف مليون دولار سنويا من ميزانية الدولة، اضافة إلى قانون الحصانة الامريكية ...  رجالات الدولة العليا - اللهم الا القليل منهم - كانوا مجموعة من الاوغاد لايهمهم سوى ارضاء الشاه والانصياع لأوامره مهما كانت نوعها وشكله ...

 

القصص المثيرة عن تلاعب الشاه واركان دولته باموال الشعب، واستغلال النفوذ ونهب اموال الشعب بالبلايين كانت حديث كل فرد من افراد الشعب الايراني في مجالسه ونواديه ...

 

ومع ان ظاهر البلد كان يوحي بوضع اقتصادي زاهر، الا ان ثمانين بالمائة من افراد الشعب كان يعيش في حالة اقتصادية بائسة، فالثروة كانت متكدسة في يد مجموعة من الناس لها صلة قريبة بالبلاط، او بالمتنفذين من افراد الدولة او البلاط ... . اما الاكثرية من ابناء الشعب، ولا سيما الذين كانوا يسكنون القرى والمدن الصغيرة، فقد كانوا في وضع بائس وحزين يتلخص في السطور التالية:

 

- سبعون بالمائة من مجموع الشعب الايراني لا يقرأ ولا يكتب ولم تكن وسائل التعليم متوفرة لديه ...

- ثمانون بالمائة من مجموع الشعب الايراني كانوا ولايزالون تنقصهم الخدمات الطبية ...

- خمس وثمانون بالمائة من القرى والمدن الصغيرة كانت ولاتزال بحاجة إلى طرق المواصلات المعبدة واسالة الماء والكهرباء والبيوت الحديثة ...

- بلغ عدد العاطلين عن العمل في عهد الشاه - الذي كان يدفع 4 الاف مليون دولار سنويا إلى المستشارين الامريكان - مليون ونصف مليون عاطل يتسكعون في الشوارع والازقة او يهاجرون إلى الخليج للحصول على لقمة العيش ...

 

وهكذا كان الشعب الايراني في ظاهره من اثرى شعوب المنطقة، حيث كانت ايرادات بتروله تتجاوز اربعين بليون دولار في العام ...  وفي واقعه شعبا مسكينا لا يحصل على اقل القوت الآ بشق الانفس والجهد المرير، وكان الشاه بعيدا كل البعد عن مأساة شعبه وبلاده، وفي الوقت نفسه يتخبط في الحديث ويهذي في الارقام حيث كان يعلن للعالم بصوت جهوري تردده اجهزة اعلامه:

 

ان ايران ستصبح رابع قوة في العالم في عام 1980 ...

ان الدخل القومي في ايران سيتجاوز الدخل القومي الياباني في عام 1980 ...

ان ايران كانت وستبقى جزيرة الامان والاستقرار في المنطقة ...

ان ايران اصبحت دولة نموذجية تقتدي بها دول العالم ...

 

وقد سمعه العالم وهو يخاطب مؤسس الامبراطورية الفارسية بقوله : " وها انت يا كورش الكبير ويا ملك الملوك نم آمنا هادئا قرير العين فانا احرس هذا الشعب وهذه البلاد "..!!

 

حق ...  لقد حرس محمد رضا بهلوي شعبه وبلاده وتاجه وعرشه، ثم نام قرير العين على شاطىء النيل الخالد بعيدا عن تراب وطنه الاف الاميال ... وهكذا تعيش الملوك المسكينة في اوهامها حتى تدق الساعة التي لا فرار منها ولا ينفع الندم.

 

كان استمرار هذا الوضع الشاذ كله يتوقف على عاملين اساسيين، بطش السافاك بالمناوئين، واخماد التظاهرات الشعبية التي تقوم هنا وهناك بسلاح الجيش ...  وكان من الواضح جدا ان السافاك والجيش كلاهما كانا مدعمين بالمستشارين الامريكان، وان التخطيط الحاكم في كلتا الادارتين تخطيط امريكي اعد له من القوة والقدرة ما لايستطيع دحرها شعب اعزل من السلاح ... .

 

تغيير السياسة الأمريكية في ايران ...

 

وحدثت المفاجأة التي مهدت للثورة في ايران ...  فقد فوجئ العالم برئيس امريكي من الحزب الديمقراطي اسمه جيمي كارتر قد وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية، وها هو يتحدث عن حقوق الانسان ويعد الشعب الامريكي بأن سياسة حكومته هي الوقوف بجانب الشعوب المضطهدة التي يمارس عليها الطغيان من قبل حكامها المستبدين ...  وانه لا يناصر حاكما ظالما مهما كانت الصداقة التي تربطه بالولايات المتحدة الامريكية ... .

 

واذا كان كارتر صادقا في مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم، فلابد ان يكون على رأس قائمة هؤلاء الطغاة اسم شاه ايران، الذي تربطه بامريكا تسعمائة معاهدة وميثاق وصفقات اسلحة وعتاد وخبراء ومستشارين ...  وفوجئ الشاه نفسه بكارتر كما فوجئ غيره من ساسة العالم، وكانت الصدمة قوية عليه، فقد كان الحزب الجمهوري ورؤسائه هم الذين يناصرون الشاه وسياسته على مر السنوات، وعلى عكس الحزب الديمقراطي الذي كانت ذكريات فوز رئيسه جون ف كندي وموقفه العدائي من الشاه لم تزل عالقة في ذهنه، ولا بد ان ادارة كارتر كانت على علم بالملايين من الدولارات التي صرفتها السفارة الايرانية في واشنطن بامر الشاه في الحملة الانتخابية التي خاضها جيرارد فورد من الحزب الجمهوري ...  ولابد ان مضاضة هذا التدخل الايراني في الحملة الانتخابية كانت قد اقلقت مضجع الرئيس الجديد ...

 

وصحيح ان اعتبارات المصالح الامريكية هي فوق كل شيء لدى أي مسؤول امريكي يتصدر سدة الحكم في البيت الابيض، الا انه لم يكن بوسع كارتر ان ينسى مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم ويساند الشاه كما كان يساند سلفه من قبل، ولو في ظاهر الاحوال، فصدرت النصائح تلو النصائح من الرئيس الجديد إلى الشاه صديق امريكا القديم والحميم باعطاء الحرية المناسبة لشعب ايران، كما ان الصحف الامريكية بدأت بكشف الحقائق المؤلمة عن التدخل الامريكي في عهد جيرار فورد في اسقاط حكومة اليندي في تشيلي، ومساندة حكومة العسكر فيه ...  وكان لابد للرئيس الجديد الديمقراطي ان لايساند حكما مشابها لشيلي في ايران، وعرف الشاه طبعا عن الموقف الامريكي الجديد، وعرف الشعب الايراني ايضا ان القوة القاهرة التي تساند الشاه غيرت موقفها من الاستبداد الحاكم في ايران.

 

الخطأ المميت ...

 

الا ان الخطأ المميت الذي ارتكبه الشاه هو انه انصاع للنصيحة الامريكية واعلن الانفتاح السياسي حسب الظروف والزمان، وهكذا ثبت ان شأنه شأن كل مستبد يعلق حياته السياسية وسياسة بلاده ومصالح شعبه بسياسة اجنبية ...  فلابد له من الانصياع المطلق لما تأمره وتريده تلك السياسة ...

 

لقد تحرك الشعب يريد الخلاص من حاكمه الذي وقع اسير الاجانب وبطش به ما شاء إلى البطش سبيلا، وها هو اليوم يعلن اللين والعطف نحو شعبه لانه أمر به  ( بضم الهمزة )  فلا بد للشعب من استغلال هذه اللحظة الحاسمة قبل ان يحدث تغيير مفاجئ يجعل الليلة هذه شبيهة بليلة البارحة تلك ...

 

اضافة إلى هذا، فقد كان الشعب الايراني يعرف جيدا نفسية الشاه الذي لعب ادوارا مماثلة طيلة 30 عاما من حكمه، وكانت الحكمة التي يكررها  ( وحفظها من أبوه الذي قالها له وهو على فراش الموت )  اذا هبت العاصفة، فعليك ان تنحني برأسك حتى تزول، وإلا جعلتك كالعصف المأكول!!! وانحنى الشاه برأسه مرات ومرات وبخضوع وخشوع لعواصف هبت في ايران، وعندما زالت تلك العواصف رفع الشاه رأسه من جديد وهو يقول متبجحا للشعب  ( لمن الملك اليوم )  ...

 

ومن اهم العواصف السياسية التي كادت تقضي على الملكية في ايران، لولا الحكمة المتبعة من قبل الشاه، هي حكومة قوام السلطنة والدكتور مصدق والجنرال زاهدي والدكتور علي اميني، فهذه الشخصيات الاربع استلموا الحكم في ظروف سياسية عصيبة للغاية والزموا الشاه العمل بالدستور الذي ينص على عدم تدخله في شئون البلاد، وكاد الشاه أن يصل إلى قاب قوسين او ادنى من السقوط في عهد كل من هذه الحكومات الاربع، الا انه كان يجد المخرج المناسب في اللحظة المناسبة فينقض على خصومه كالاسد الهصور ليعلن نفسه الامر والناهي المطلق من جديد وليستبد بالبلاد ما شاء إلى الاستبداد سبيلا.

 

لقد كانت الفئات السياسية المناهضة للشاه تعلم جيدا ان الفرصة مواتية لها وعليها ان لا تعطي الفرصة للشاه للمرة الخامسة ان يفلت من يدها، واذا كان الشاه قد بدأ بالتنازل امام مطالب الشعب فلابد وان الرضوخ سيستمر كلما ازداد الشعب في المطالبة بحقوقه المغتصبة واتحدت الفئات السياسية كلها على العدو المشترك ... . وربما ان الشعب هو شعب مسلم تغلب عليه روح الايمان، فكان لابد من استغلال هذه الروحية، لا سيما والعداء قد استحكم بين الشاه وكثير من رجال الدين، وكان على رأس قائمة المناوئين، الخميني، الذي كان يعيش  ( بل مدنسا لأرض الرافدين )  في العراق ...  بعيدا عن بطش الشاه، وفي مأمن من جهاز السافاك ...  فارتأت الفئات السياسية ان تتخذ من هذا العجوز الذي بلغ الثمانين قائدا للنضال ... 

 

وكان يخيل للناس كافة ان اختيار الخميني قائدا للثورة يعطي تماسكا للشعب الايراني في نضاله ويجتمع تحت لوائه من كل صنف ونوع، فلم يفكر احدا قط ان الثورة اذا نجحت فان مرشدها سيخون ثقة الشعب به ويرتكب خيانة منكرة عظيمة تتجاوز حدود التصور، فيحتكر السلطة لنفسه ولزمرته ويرتكب في سبيل السلطة من الاثام ما تقشعر من سماعها الابدان، بل كان التصور السائد ان الرجل يقود الثورة وهو غير طامع في الحكم ...  راغب عنه ...  ولذلك لم تجد الفئات السياسية خيرا من الخميني للعمل على جمع الفئات السياسية المختلفة الاهواء تحت راية الثورة التي يقودها، وقد اقسم ايمانا مغلظة امام العالم انه لا هو ولا زمرته يطمعون في أي شيء من مكاسب الثورة، بل لايريدون لانفسهم جزاء ولاشكورا وانهم سيعتزلون السياسة عندما تنجح الثورة ويعودون إلى مدارسهم الدينية في مدينة قم، يقرأون ويؤلفون ويدرسون، والحرية المطلقة ستكون للشعب في اختيار النظام يريده ويحبذه ...   (  (  حبذا لو يقرأ محبي إيران والخميني ...  ليدركوا كم هو كذاب ذلك الشخص )  )  ...

 

لقد افردنا لهذه الخدعة الكبرى فصلا خاصا نلقي الاضواء على الاسباب التي ادت إلى اختيار الخميني مرشدا للثورة، ومن ثم سطوته على الثورة الايرانية بالنار والحديد ... . اما الان فنعود إلى بيان الاسباب التي ادت إلى انهيار النظام الشاهنشاهي ليكون القاريء الكريم على بينة من امر الثورة الاسلامية في ايران وليكون على علم باخطر مراحلها في اخطر مرحلة من تاريخ النظام الشاهنشاهي المقبور.

 

لقد بدأ الشاه بالتنازل امام مطالب الشعب واقال عباس هويدا رئيس وزرائه المزمن الذي حكم البلد 14 عاما ارضاء للشعب، ثم اقال الجنرال نصيري رئيس السافاك وعينه سفيرا في باكستان، وشكل حكومة جديدة يرأسها اموزكار المعروف بعمالته لامريكا، وتعثر اموزكار في مهمته بسبب الاضرابات المستمرة التي شلت المصالح العامة فاستقال بعد شهرين ليخلفه شريف امامي، الذي استقال بعد فترة وجيزة ليستلم الحكم الجنرال ازهاري، ولم يكن نصيب ازهاري في الحكم اكثر من سلفيه، فاستمرت الاضرابات واشتدت المواجهة بين الشعب والحكومة، واراد الشاه ان يرضي الشعب فأمر باعتقال عباس هوفيدا رئيس وزرائه المفضل، متهما اياه بالفساد والاستغلال، واعيد جنرال نصيري إلى طهران ليعتقل مع هوفيدا بنفس التهمة، وحملا مسئولية خراب البلاد ودماره ... .

 

وحصلت مواجهة دموية بين الشعب والجيش في تبريز، استعمل الجيش فيها سلاح الجو، أي الطائرات السمتية لضرب المتظاهرين، فقتل رهط كبير، وهاج الشعب وماج عندما علم بأنباء تلك المجزرة الرهيبة، فاستمرت الاضرابات وامتنع الموظفون عن الذهاب إلى دوائرهم، حتى ان طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة بدأوا يقرأون اناشيد حماسية ضد الشاه في صفوف المدارس، فأمرت الدولة بتعطيل المدارس الثانوية والمتوسطة، اما الجامعات فكانت تغلي وفي مواجهة مستمرة مع الجيش والسافاك وحصل ارتباك في اجهزة الدولة وفي الجيش كان اخرها يوم الجمعة الاسود الذي اطلق الجيش النار على المتظاهرين في طهران في ساحة  ( جاله ) .. فقتل في تلك المواجهة عدد غفير من ضمنه نساء حوامل كن يتقدمن التظاهرات ...  وزاد الطين بلة هذه المجزرة المنكرة فاستقال ازهاري وظهر الشاه على شاشة التلفزيون يقول لشعبه:  ( لقد سمعت ندائكم وها انا معتذر اليكم، سأفعل ما تأمرون وها انا امد يدي إلى رجال الدين العظام ليساعدونني في حل مشاكل البلاد ) .

 

لقد كان هذا الخطاب انتحارا للشاه وايذانا بنهاية نظامه، فقد ظهر بمظهر الضعيف المسكين الذي يستجدي العطف من اعدائه الذين عبر عنهم في خطاب جماهيري بالكلاب النابحة التي لا تستطيع رؤية القمر المنير ... . ان هذه الاهانة الموجهة إلى رجال الدين والخميني بالذات كانت قد صدرت من الشاه قبل ثلاثة اشهر فقط من خطاب الاعتذار، ولم يزل صداها عالق في الاذان، وكان الشاه في الحقيقة قد ضيع اللبن في الصيف، فلم يجد الاعتذار خيرا بل زاد في سخط الساخطين واتحاد المناوئين، وعرف الشعب ان مليكه بدأ يستجدي العون من اعدائه، ومن ينتظر الخير والمرحمة من العدو فقد حانت ساعته، فأجهز الشعب على ملكه من كل صوب وحدب ...

 

التخبط في معالجة الازمة ...

 

وبدأ الشاه يتخبط في اتخاذ القرارات، فطلب من الدكتور شاهبور بختيار عضور الجبهة الوطنية تشكيل حكومة تخلف حكومة الازهاري، الذي استقال تحت وطأة الهياج العام والاضرابات المستمرة ...  وكان للدكتور بختيار سجل حافل بالنضال وقضى سنوات في سجن الشاه، وكان الشاه الاب رضا بهلوي قد قتل والده في السجن خشية نفوذه وسلطانه ...  وقبل الدكتور بختيار تشكيل الحكومة فطردته الجبهة الوطنية من عضويتها لانه خالف رأي الحزب الذي ينتمي اليه ...  وكانت الجبهة الوطنية قد طلبت من بختيار عدم التعاون مع الشاه ... 

 

مع ان بختيار ابلغ الجبهة انه قبل المسؤولية بشرطين : اولها حل السافاك والثاني مغادرة الشاه لايران لفترة طويلة يحل محله مجلس الوصاية على العرش وبذلك يكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات ...

 

إلا ان الجبهة اصرت على رفضها في أي نوع من التعاون بين احد اعضائها البارزين والشاه ...  فاستلم بختيار السلطة وشكل دولة مدنية اعتبرها الشعب اوهن من بيت العنكبوت، فلا الاضرابات توقفت ولا اجهزة الدولة تعاونت معه، بل ازداد الوضع السياسي من سيء إلى اسو ...  وبدأ كبار رجال الدولة واعضاء الاسرة المالكة يغادرون ايران حاملين حقائبهم المليئة بالاموال التي نهبوها من الشعب، وفي خلال ستة اشهر تجاوزت رؤوس الاموال التي خرجت من ايران عن طريق البنك المركزي واودعت في النبوك الاجنبية باسم الساسة القدامى واسرة الشاه الفا مليون دولارا.!!!!  (  ( مثلما يفعل أذنابهم وخنازيرهم المتسلطين على رقاب الشعب العراقي المجاهد الصابر حالي ...  )  )  ...

 

واخير ...  غادر الشاه وملكته ايران بصورة مهينة، وعند سلم الطائرة رأى المودعون دموع الشاه تسيل على وجنتيه وكأنه يودع وداعه الاخير مع وطنه وامته ...  وعندما عرف الشعب مغادرة الشاه خرج إلى الشوارع عن بكرة ابيه يهلهل ويصفق واهازيج الافراح والابتهاج ملأت الخافقين ...

 

غادر الشاه طهران إلى المغرب بدعوة من الملك الحسن الثاني، وترك المغرب بعد ايام إلى جزر الباهاما في البحر الكاريبي ينتظر القضاء والقدر، وفي قلبه بصيص امل للعودة إلى البلاد ...  كانت امال الشاه معلقة على ثلاثة عوامل:

 

- تغير السياسة الامريكية نحوه.

- حكمة بختيار في معالجة الازمة العارمة.

- قادة الجيش الذين بقوا اوفياء معه إلى الساعة الاخيرة.

 

وفي اقل من شهر واحد خابت امال الشاه كلها، فلا الامريكان غيروا سياستهم، ولا بختيار بقى سيد الموقف، أما الجيش، فقد استطاع التحرك، واصبح سيد الموقف هو الشعب وحده وهكذا استجابت الاقدار لارادة الشعب الذي ما إن خرج من محنته الكبرى الا ليجد البلاء بانتظاره متجسدا بالطامة العظمى، فكان شأنه كالمستجير من الرمضاء بالنار ...

 

أقول ... 

 

قرأت.. أنه حين استقبل الملك الحسن الثاني  ( الله يرحمه )  الشاه، فإنه فعل ذلك نكاية بالخميني أولا، ولأنه كان تربطه بالشاه صداقة ثاني ...  لكن بعض المغرر بهم من اخواننا أهل المغرب الذين وقتها ما عرفوا حقيقة المذهب الصفوي، ولا حقيقة الخميني الوسخة، ولم يعرفوا دجل الخميني وكذبه وخداعه للعالم، قد تحركوا احتجاجا على استقبال مليكهم للشاه، فكان السؤال أن كيف يستقبل مليكنا حاكما دكتاتورا قامت بوجهه ثورة إسلامية يقودها قائد مسلم إسمه الامام  ... . فكان أن أرسل الملك رئيس ديوانه للشاه يعتذر منه عن ابقاءه في المغرب ويطلب منه بتودد مغادرة المغرب، فطلب الشاه مهلة اسبوع ...  وافق عليها الملك على مضض ...  ولكن حين تحركت المظاهرات هنا وهناك ضد الشاه، فإنه الملك أرسل له رسالة يقول فيها: إنني أود كثيرا أن ابقيك في ضيافتي، لكن الوضع العام هنا ضدك بالكلية، وإذا ما بقيت هنا فسأصبح لاجئا معك!!! فغادر الشاه المغرب بعدها على الفور!!!

 

د. صباح محمد سعيد الراوي

الخليج عربي وسيبقى عربيا

خليج الشهيدين السعيدين عمر بن الخطاب وصدام حسين

 

* * *

 

طلب مني أخ كريم يعمل ضابطا لدى إحدى وزارات الداخلية في الخليج العربي، كان قد وقف إلى جانبي في الفترة الماضية ...  أن استخدم حين عرض هذا الكتاب هذه الجملة  (  ( الخليج عربي وسيبقى عربيا .. خليج الشهيدين السعيدين عمر بن الخطاب وصدام حسين )  )  نكاية بالمجوس الفرس الموجودين في دولته، والذين حصلوا على جنسية تلك الدولة ...  ولازالوا يرددون فيما بينهم كلمة الخليج الفارسي، وولاؤهم لدولة الفرس وليس للبلد الذين يحملون جنسيته ...  وقد أقسم لي هذا الأخ بالله أنه بكى بكاءا مرا وبحرقة ولوعة يوم اغتيال الإمام صدام، وارتقاءه إن شاء الله شهيدا سعيدا في الجنان ...

 

ووفاءا لهذا الأخ الكريم – الموجود أمثاله بكثرة في خليجنا العربي – سأبقي على هذه الجملة في كل حلقات الكتاب ...

 

 





الاربعاء٢٠ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. صباح محمد سعيد الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة