شبكة ذي قار
عـاجـل










كان على كل الحركات والانظمة الثورية أن تقف عند هذه المنعطفات الخطيرة في مسيرة الشيوعية كنظرية وتجربة أولية في البناء الاشتراكي المعاصر, وأن تتدارك أولاً بالموقف منها ومن الاخرين ومن موقعها في هذا العالم الجديد بقيمه ومبادئه والنظر بموضوعية لكل تجربة ثورية حقيقية وتشخيص قوة العدو التدميرية فكرياً وتجربةً.وأن هذا الاستدراك في تقديري كان لابد أن يكون في المحطة الاولى من الانشقاق المأساوي للحركة الشيوعية والذي لم يكن بسبب حالة متطورة للفكر بقدر ما كان بسبب عجز فكري واضح في مواكبة الفكر لتطور التأريخ والذي لم يأتي مثل ما أراد له ماركس وأنجلز.وأيظاً كان بسبب تقدم ظرورات التجربة كدولة على الفكر,وإذا ما أردنا أن نقول بصراحة أكبر أن الذي أدى الى الانشقاق وبدايات التدهور نسيان أصحاب الجدلية للجدلية الحقيقية,وبتفصيل أكبر لو كان كانت الجدلية قائمة بين فكر النظرية وفكر التجربة(وهو ما تنضح به التجربة) لما بدأووصل الخلاف الصيني السوفيتي الى هذه مرحلة في خسارة النموذجين,ولكن إصرارهما على تقدم وأهمية تجربة كل واحد من الاطراف,بالرغم من إن الاختلاف بينهما كان في فكر التجربة حيث أن الصين كانت الاداة الثورية فيها الفلاحين الى جانب العمال وبالتاكيد من الصعب تحويل الطبقة الفلاحية السائدة في الصين الى بروليتارية لكي تكون متفقة مع نظرية الفكر,وهذا مما جعل الخلاف بين القطبين الشيوعيين أن يصلا الى درجة تخوين واحدهما للاخر بخيانة الفكر والعقيدة الشيوعية.

 

وأصبح ومنذ خمسة عقود تقريباً تقدم فكر التجربة وعلى حساب فكر النظرية  في الاعلام وحاضراً في الخطاب العقائدي والسياسي . وقدكانت بدابات العجز الفكري قد ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الذي أنعقد في شباط 1956, حيث ظهر تطور في المسيرة ألاشتراكية جعلها تضعف من خلال الانقسام الايديولوجي والتنظيمي بين العملاقين السوفيتي والصيني والذي أنعكس على وضعهما أمام المعسكر الرأسمالي,ولكن مع ذلك أستمرت الرهانات على نظرية الحتمية بإنتصار الثورة الاشتراكية وإندحار الرأسمالية,وهي رهانات خاسرة وقد اثبتتها كل الازمات التي تعرض لها النظام الراسمالي ومنذ بداية القرن الماضي ولغاية اليوم ,بل تجاوزهذا النظام كل أزماته. وهذا ما دعى لتغير مواقف الكثير من الكتاب و المفكرين المحسوبين على الفكر الاشتراكي في العالم المعاصروخاصة فيما يخص الحتمية التأريخية لانتصار النظام الاشتراكي وتفسخ النظام الرأسمالي,أقول كان هذا مثيراً وخاصة بعد الصدمة التي تلقاها هولاء بإنهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية, كل هذا دعى البعض الى التراجع عن مواقفه السابقة وتخليه عن نجاح الفلسفة الاشتراكية,وهذا طبعا يتأتى لضعف الايمان وعدم الرؤية الواضحة للتطور الانساني.إن هذاالتخلي يندرج في عدم التمييز بين سقوط التجربة الاشتراكية وبين سقوط الفكر اشتراكي,فلا يمكن أن يعني سقوط التجربة هوسقوط للفكر.لان في التجربة تتداخل الكثير من العوامل الى جانب النظرية,فالعوامل الموضوعية والذاتية المحيطة بالتجربة ونوعية القيادات كلها تساهم في نجاح أو فشل التجربة.

 

وبالتأكيد هذا موضوع يحتاج لوقفة طويلة وجدية لسنا الان بصددها.. حتى أن هذا البعض أصبح أكثر دفاعاً عن الرأسمالية واندفاعا لها من أيديولوجيي الرأسمالية نفسها أي كما يقول التعبير التالي:(ملكيين أكثر من الملك). ويبدو أن هذا البعض بدأ يخلط بين فشل النظم السياسية التي نهضت في الاتحاد السوفييتي ومجموعة من بلدان أوروبا الشرقية من جهة, وبين الفكر الاشتراكي العلمي الذي لم يمارس بوعي ومسؤولية ومنهجية ماديته الديالكتيكية في تلك الدول بل كانت التحولات في المعسكر الاشتراكي تدار وتتحقق بإرادة ذاتية ورغبات خاصة, كما أنه النقيض للفكر الرأسمالي من جهة ثانية في المواجهة الفكرية والمواجهات الاُخرى. ويبدو بأن البعض الآخر راح يخلط بين إمكانية بناء الاشتراكية على الصعيد العالمي في مستقبل مفتوح الأفق الزمني وبين فشل بعض التجارب الاشتراكية .إن الاخطر ما في هذا الموضوع الخلط اللاعلمي واللاعقلاني بين الذي حدث في أُوروبا الشرقية وبين الدول النامية وفي عالمنا العربي على وجه الخصوص,وخاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى إقامة الاشتراكية في دول نامية ومنها دولنا العربية, الدول التي لا تزال العلاقات الإنتاجية الرأسمالية ضعيفة التطور فيها أو أنها لا تزال تعيش تحت وطأة العلاقات الإنتاجية ما قبل الرأسمالية. وبقدر ما يخص الايديولوجية العربية الثورية إن الذي حدث في المنظومة الاشتراكية من إنهيار للنظام قد أضر بالتيارات العربية الاشتراكية وذلك للدعم التي كانت تقدمه هذه المنظومة المنهارة لتجاربنا الاشتراكية,ولكنها لم تمس لا من بعيد ولا من قريب فكرنا الاشتراكي ,لان إشتراكية البعث الخالد والتيار الناصري تقوم على الدراسة العلمية للمجتمع العربي وبتداخل ذكي وجدلي بين نضالين أساسيين في حياة الامة وهما النضال الاشتراكي و النضال القومي,وأية جدلية تتعلق بواقع الصراع الطبقي  في البلاد العربية لم تتضح سواء كانت في عوامل التطور المادي للمجتمع العربي أو التطور التأريخي, وأيظاً لم تضع الايديولوجية العربية الثورية والتي تمثل فكر البعث الخالد أية حتمية تأريخية ,ولكنها نظرت لتطور المجتمع العربي مادياً ونضالياً وهو الاساس لتحقيق المجتمع العربي الاشتراكي الموحد والذي تتحقق فيه الوحدة والحرية والاشتراكية,و من خلال هذين النضالين المتلازمين وهما النضال القومي والاشتراكي تتكون الادوات النضالية العربية وتتحقق بهما صيرورة المجتمع العربي الاشتراكي الموحد وبدون أي تسلسل أو تدرج تاريخي للمجتمع العربي,فعلى مستوى مفهوم الوحدة والذي يُعتبر مفتاح النضالين وقد يصل عند البعث الخالد الى مرتبة القدسية. لم يحددهذا المفهوم نفسه بشكل واحدٍ لتحقيق الوحدة,وإنما تم تثبيت تحقيق الوحدة العربية هدفاً مركزياً وفي نفس الوقت أساسياً ولا يمكن التنازل عنها أوتأجيلها الى مراتب ثانوية,ولكن الطريق للوحدة العربية أخذ أشكالاً متعددة ففي ظروف مرحلة الانتعاش للثورة العربية في نهاية عقد الخمسينات وبداية السيتينات من القرن الماضي أخذ الطريق العربي لتحقيق الوحدة العربية طريق الاندماجية وهذا ما توضح في تجربة الوحدة بين القطرين السوري والمصري بعد توفر الارادتين العربيتين الثوريتين والمتمثلتين في البعث الخالد في القطر السوري وقيادة المرحوم البطل جمال عبد الناصر.وفي السبعينات من القرن الماضي وقبيل حرب تشرين عام 1973 طرح البعث الخالد الوحدة العسكرية بين الاقطار التي تواجه الكيان الصهيوني وبالرغم من البعض من هذه الاقطار تحكمها ديمقراطيات تختلف عن ديمقراطية النظام السياسي الذي يؤمن ويتعامل به البعث,أي بمعنى أن هذه الديمقراطيات لم تتعارض أو تقف بوجه التقارب الوحدوي مع الديمقراطية في العراق وقد أدت هذه الخطوة الغرض منها ولو لم تكن بالمعنى والغرض وايظا بالبعد الذي أراده البعث الخالد  منهاولكنها أثمرت عن مواقف وحدوية تبلورت على الموقف الوحدوي للعراق حولت الجبهة العسكرية التي كان نواتها العراق الى منفذ مهم وقوي للوحدة,وأيظاً من أبرز المظاهر الوحدوية هو الموقف الجماعي للدول العربية المصدرة للنفط عندما قررت إيقاف ضخ النفط وهذا ما جعل الامبريالية الصهيونية تشعر بالخطر الجدي لوجودها في المنطقة(العسكري ومصالحها الاقتصادية)وأستطاعت أن تدرك خطر هذه الأمة عندما تتوحد في مواقفها على الاقل.والخطوة أو النافذة الوحدوية الاخرى التي شكلت خطورة على الامبريالية الصهيونية هو الالتفاف العربي حول العراق عندما خاض حرب ثمانِ سنوات بالنيابة عن الامة وأنظمتها, و تحول النظام الوطني في العراق بؤرة الاستقطاب العربي في المشاعر والجهد وحماية الشرف العربي.

 

قد يكون بعض المفكرين العرب قد  أهملوا إن لم نقل ظلموا مرحلة الحرب العراقية الايرانية من عام 1980 ولغاية يوم النصر العظيم في 1988وذلك برؤيتها كأنها تمثل حرب بين النظام في العراق مع النظام قي إيران,وتحمل في غاياتها ونتائجها فقط دفاع العراق عن البوابة الشرقية للوطن العربي ولم يكن عند الكثيرين من نظرة ثاقبة وشاملة لتحليل الموقف العربي الموحد وراء العراق بالتأييد والدعم العربي للعراق وهو بحد ذات مظهر من مظاهر الوحدة العربية ولو كان قد حُسبت بدقة أكثر وبعوامل توحيد المصير العربي لزاد هذا الجو إنتعاشاً ببروز و نمو عوامل جديدة للطريق نحو الوحدة العربية,وهذا ما أدركه أعداء الامة بإن أجواء الحرب العدوانية الايرانية على العراق ووقوف الدول العربية الى جانب العراق والذي تحول الى بؤرة إستقطاب عربية للتلاحم العربي والذي قد يكررذات الأجواء لحرب تشرين من التقارب العربي والذي قد يفضي الى شكل من أشكال الوحدة العربية على الاقل بالواقف الموحدة كمرحلة أولية, وعندها ستخسر الاميريالية العالمية والصهيونية الاكثر من الكثير, ولان هذه الاجواء الوحدوية شجعت الكثير من الاقطار العربية على طرح مشاريع قد لا تكون وحدوية نقيةولكنها تدعم الطريق للوحدة,فكان التأمر على البؤرة الوحدوية في عراق البعث في موضوعة الكويت وقلب كل الامور بإتجاه التفريق ونجحت الاميريالبةالصهيونية بهذه المحاولة وبمساعدة عملائها في بعض الاقطار العربية الى تشويه الغاية من الوحدة بتحريف حقيقة الفعل في موضوعة الكويت وأيظاً شوهت وخلقت الشكوك لدى النظام العربي من العراق المنادي والعامل للوحدة.

 

ولكن هذا لا يعني العيب في الوحدة وفشلها كهدف بل أن التجربة أو المحاولة فشلت لحجم التأمر عليها والذي كان كبيراً,وأخذ هذه المرة بإشعال الحروب ضد العراق ومهاجمته من قبل الامبريالية والصهيونية مباشرة,لانه لم تعد تنجح مع العراق الاعتداء عليه بالنيابة. ولكن تبقى الحقيقة الواحدة والتي لا يرتقي اليها أدنى شك بأن الفكر الوحدوي يبقى بالرغم من نجاح كل المؤمرات ضده فكراً ونضالاً ومهما كان حجم التشويه و التامر ولكنه بقى شعوراً وهدفاًاساسياً في حياة العرب وهذا ما توضح في موقف العراق المحاصر تجاه دعمه للمقاومة الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب العربي الفلسطيني.وأمام ذلك لم تتوقف الايديولوجية العربية الثورية من التأكيد على النضال الوحدوي ,وقد سجلت موقفاً كبيراً في تحقيق إجماعاً عربياً تجاه قضية العرب المركزية في فلسطين وعبر مؤتمرات القمة العربية في إفشال المخططات الصهيونية تجاه تهويد القدس العربية,ويالتوازي مع هذا المواصلة كان البعث الخالد ينتقد مواقفه في المعالجة أو التطويرلكل مرحلة من نضاله وبذلك يسجل لتاريخه المشرق تحركاً وتعجيلاً بإتجاه تطوير الفكر وتنضيج الممارسات و التجارب,وهذا ما لم يحصل عند الكثير من الاحزاب الثورية التي إنكفئت حول ذات فكرها وبررت خسارة تجاربها على قوة الهجمة الامبريالية العالمية فقط..

 

 





السبت٠٩ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة