شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يهم الولايات المتحدة ولا حلف شمال الأطلسي وماكنته الحديثة للإبادة الجماعية البربرية اليوم ان تخرج قسما من جنودها من العراق من دون علامة النصر التي يرفعها عادة جنود الجيوش المنتصرة، كما لا يهمهم ان يقوموا بمراسيم احتفالية يدعى اليها نكرات نصبوا قادة للعراق لا تأثير لهم ولا قاعدة شعبية تدعمهم لا سابقا ولا لاحقا كما أثبتته الانتخابات المزورة الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة، لكي يسلموا لهم زمام أمور البلد (المحرر) كما يحلو لهم ان يدعوه.


كما لا يهم المجرمون الخروج ليلا من دون كثير ضجة فذلك أسلم عاقبة لمثل هذا النوع من حكومات الجريمة المنظمة على مستوى الدول والشعوب. وبجانب الاعلام الأمريكي والعربي وغيره الذي جعل من اعادة انتشار قوات الاحتلال الأمريكية حدثا ايجابيان فقد صرح وزير الدفاع غيتس ان الحرب لم تنته وان القوات الأمريكية باقية في العراق، وكذلك صرح الجنرال بتراوس لـ(سي بي أس) بان الولايات المتحدة غير مستعدة للخروج من العراق فهي تملك قوات مقاتلة لها قدرات هائلة.


لقد دخل احتلال العراق اليوم مرحلة متقدمة بالنسبة للإدارة الأمريكية ولحلف شمال الأطلسي، حتى أن صحيفة 'لوس انجلوس' كتبت عن تحول مهام قوات الاحتلال من (الصدمة والترويع) الذي هو اسم عملية غزو العراق الى مهام (الاستشارة والدعم) ببقاء ست وخمسين ألف عسكري أمريكي.

 

وقد اتخذت وكالة استخبارات الشمال الأمريكي التي أصبحت على ما يبدو أهم وكالة استخبارات لإدارة الاحتلال في العراق مع تولي أوباما الحكم قرارا يوم التاسع عشر من حزيران/يونيو الماضي بإحلال المرتزقة محل القوات المقاتلة الأمريكية. وتمتلك هذه الشركات معدات عسكرية كاملة مثل الهليوكوبتر والدبابات وتكنولوجيا تشغيل الرادارات، حيث بإمكانها بالتنسيق مع العسكريين الأمريكيين في كولارادو مركز قيادة الهجوم عن بعد لإرسال تعليماتها بالهجوم الجوي او لطائرات الدرون المقاتلة، كما ذكرت صحيفة 'النيوزويك'. وبحسب 'الغارديان' فان عدد المرتزقة الموجودين حاليا في العراق هو 112 ألف مرتزق يتوزعون على 7000 الاف شركة وفق الناطق الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية، الذي أعرب عن وجود خطط خاصة جدا لبلده لتأمين الأمن في العراق عندما يغادره العسكريون. اضافه الى وجود 11,500 شخص مسجل في العراق ضمن أطقم الحماية الشخصية وعلى الأقل 1200 شخص كمستشارين أمنيين.


أن مرحلة ( الاستشارة والدعم) وبحسب الصحيفة تتطلب بقاء قوات أمريكية بالعراق مسلحة ومدربة وجاهزة للقتال عند الضرورة، ولديها أرتال من الدبابات والآليات العسكرية القتالية من طراز برادلي وغيرها، وأن الجنود الأمريكيين يحملون بنادق من طراز إم 16 على أكتافهم وجاهزون للرد وإطلاق النار إذا ما تعرضوا لهجمات.

 

ولم يكن الرئيس الأمريكي ثرثارا بخصوص العراق وطغى خطابه المرتقب كالعادة، وكسابقه المجرم بوش، على امتداح قواته وما أنجزته من خراب في ارض الرافدين ببطولة لن ينساها الشعب الأمريكي، لكن الجنرال أوديرنو قائد القوات الأمريكية رأى أن الحرب لم تضع أوزارها- لذلك لم يحتفل بها كما يجب- وأن العراق ليس مستقرا بعد وربما تتعرض قواته الى أخطار قبل الخروج النهائي.

 

من المؤكد ان الاستشارة والدعم ليست جديدة على قوات الاحتلال في العراق فقد كانت تسمى (بالأمر والتنفيذ) وهي ما زالت كذلك غير أنها ألبست كلمات دبلوماسية مقبولة إعلاميا للدخول الى مرحلة تترسخ فيها خطط الاحتلال الأمريكي بتنفيذ معاهدة الانتداب الموقعة مع أحزاب العملية السياسية المأجورة التي تتنازع كراسي الحكم متوسلة دعم حكام ديكتاتوريين ومومياءات حكم منبوذين من شعوبهم في هذه الدولة او تلك، متناسين ان الشعب العراقي رفضهم ونزع عنهم ايه شرعية في الحكم حتى في انتخابات زورتها أجهزة قمعهم الجديدة.

 

ان تطبيق معاهدة الذل والانتداب التي تمنح دولة الاحتلال السيطرة الكلية لمدة سنوات على وزارة الدفاع والداخلية والخارجية والاعلام والنفط .. الخ من الوزارات السيادية الرئيسية في أي دولة، لا بد له من جيش مدرب أمريكيا وقوات شرطة وأمن تسنده ومخابرات واستخبارات، ومثل هذه المهام لن تنتهي بفترة سنة أو سنتين بل سنرى كيف أن الولايات المتحدة وفي كل سنة ستحاول البقاء بهذه الحجة او بتلك مثلما فعلت منذ غزوها للعراق.

 

فقد كان مجرم الحرب بوش يعد كذبا الشعب الأمريكي في كل عام بالنصر على الإرهابيين والقاعدة في العراق. وها هو أوباما يسير على الدرب نفسه. ففي كل خطبه يعد بالنصر حتى لو كان بعد سنوات. كما يتطلب تطبيق المعاهدة الحفاظ على الحكومة المنصبة من قبل قوات الاحتلال وحماية أفرادها في تنقلاتهم ووراء الجدران التي يحتمون بها في المنطقة الخضراء.

 

ولهذا اليوم فان من يقوم بهذه العملية هي شركة مجرمي بلاك ووتر التي حصدت عقودا يسيل لها اللعاب من وكلاء المحتل وعدد آخر من شركات القتل والمرتزقة تتوزع على دول الاتحاد الأوروبي الأطلسي والكيان الصهيوني، مما يعني بقاء هؤلاء المجرمين لوقت أطول على ارض العراق لمهمات تخريب واغتيال وقتل وإبادة للمدنيين وتفخيخ العربات ووضع المتفجرات في الأسواق والأماكن المكتظة بالناس.

 

أما الواجب الأهم الذي ستقوم به القوات العسكرية المقاتلة والمرتزقة فهو بالطبع الاستمرار بملاحقة المقاومة العراقية المجاهدة وقتل واغتيال من يرفض الاحتلال وحكومته وقمع أي تحرك ونشاط يستهدف وجوده ووجود قواته المجرمة مع من تدربهم من جيش وشرطة الحكومة المنصبة. ان الخسائر الجسيمة التي أقرت بها الادارة الأمريكية وعلى رأسها اوباما في حربي العراق وأفغانستان لم تمنعه مثلا من طلب زيادة الميزانية العسكرية بنسبة 1,8' رغم ان عددا من أعضاء الكونغرس أوصى بخفض الميزانية العسكرية، بل ان وزير الدفاع غيتس أعاد هيكلة بعض الإدارات في وزارة الدفاع فأعلن عن خفض في الوظائف العسكرية وعن غلقه مركزا كبيرا للقيادة العسكرية ليـــــوجه هذا التــوفير الى جهات ضرورية للعمليات العسكرية في موازنة الدفاع. لقد استخدمت الولايات المتحدة على نطاق واسع الخصخصة في حرب العراق وستستمر في المرحلة القادمة من استخدامها لتفادي الخسائر البشرية والمالية في جيشها وفي ميزانية الدفاع وهذا ما يطبق حاليا في العراق.


ان الخسائر الفادحة التي ألحقتها المقاومة العراقية المجاهدة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ غزوها للعراق لا تبدو اليوم كافية لإخراج المحتل ومن جاء معه من أرضنا وكل من ارتهن بالوجود الأجنبي بعد الغزو.ان المحتل والدول التي تسانده نجحوا بشراء ذمم ليس من مصلحتها خروج الاحتلال ولا من مصلحتها انتهاء مدها بالأموال. لقد وجدت الولايات المتحدة حلفاء عربا لا يرغبون بعراق قوي معافى، عربا لم يشف بعضهم من رغبة الانتقام من الشعب العراقي حتى بعد ان تلطخت أياديهم بدماء مليوني مدني وفاتورة مرعبة من المهجرين والأرامل والأيتام وتدمير كامل لدولة العراق ونهبها مثلها مثل مجرمي الحرب من الجيش الأمريكي وقادته ومرتزقته يساندونها بمليارات الدولارات لمواجهة أزمتها وأزمة بنوكها ومرابيها وبمليارات من عقود السلاح (الكويت والسعودية) وما خفي من الدعم لأمريكا ولوكلائها أكيد هو أعظم للبقاء في العراق، اضافه الى الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي الأطلسي الذي يختبئ خلف الولايات المتحدة ويدعم خفية وبشكل كبير كل ما تقوم به الولايات المتحدة في العراق والمنطقة بأكملها لكي يحصل على حصته من كعكة العراق.


ان هذه التحديات لا يمكن أن تتحملها جهة واحدة، فصيل واحد ولا حتى عدة فصائل لوحدها مهما كانت، وحتى لو أنها كبدت العدو في المرحلة الأولى من خطط غزوه خسائر فادحة ومنهكة له ولدولته ولميزانيته. صحيح أن المعارك الحربية والعمليات العسكرية أثبتت دوما وبما لا يقبل الشك ان الانتصار في المعارك مفتاحه الإنسان وايمانه بقضيته، لكن المقاومة العراقية المجاهدة هي أمام عدو في منتهى التنظيم، متمكن من تكنولوجيا وسائل القتل والإبادة والقمع والاستعمار والاعلام والتأقلم وله ترسانة من البشر لإنتاج الأفكار التي تقترح له الحلول والبدائل المتعددة في المواقف الصعبة والحرجة.


ان مرحلة الوصفة الناعمة للديمقراطيين تتطلب حذرا أكبر ووعيا أقوى، هما اليوم منتشران لدى غالبية أبناء شعبنا الذين ربما ينتظرون المزيد من فصائلهم المقاومة. هذه المهمة الثقيلة لتحرير العراق هي مسؤولية جميع العراقيين عربا وأكراد، مسيحيين ومسلمين وغيرهم من الأطياف، مسؤولية كل الفصائل وليس فصيلا واحدا. ان قيادة تستوعب الجميع هي وحدها الكفيلة بانجاز المهمة الصعبة التي يتهدد فيها وجود العراق وحياة أبنائه، قيادة ترص الصفوف وتعطي الجميع الصف الأول لإنقاذ العراق.. فلن يخرج الاحتلال بوجه اسود الا اذا رد العراقيون للمجرمين والقتلة والمرتزقة والمسؤولين عن إبادة شعبنا وتدميره وحرقه ونهبه الصدمة والترويع لكي يرحلوا عن أرضنا ويكفوا عن مشروعهم في القتل الجماعي وإبادة أرض الحضارة، أرض الرافدين.

 

 





الاحد٠٣ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة