شبكة ذي قار
عـاجـل










ربّما .. لم يدر بخلد واضعي الخطّة "الأمنيّة" التي من المفترض بها أنّها ستضع الخطوط العريضة المدروسة بعناية والقادرة على حماية عناصر حكومة المنطقة الخضراء التي نصّبها الاحتلال الأميركي "المنسحب" من العراق في نهاية مطافه إذا ما تعرّضت هذه الحكومة إلى مخاطر تهدّد بزوالها , ربّما لم يكن يدور بخلدهم أنّ الهجمة المتوقّعة ضدّ رموز وأركان الحكومة الخضراء هذه ستكون من خلال الهجمات على السور المنيع الذي أنشأه المحتل الأميركي وتحت عينيه والمتكوّن من مئات الألوف من عناصر الشرطة والجيش وستكون بهذا الشدّة والضراوة التي انهالت عليه بأنواع التفجيرات التي بدأ يروح ضحيّتها المئات بين قتيل وجريح والتي تشهدها العاصمة العراقيّة بغداد وبقيّة المدن العراقيّة وبهذا الشكل المركّز على مقرّات ومراكز الشرطة العراقيّة ونقاط السيطرة التي تقيمها الحكومة في شوارع العراق بامتداد مساحته , فيما عدى المنطقة المحميّة الكرديّة , ربّما لم يدر بخلدهم أنّ المخاطر إذا ما أتت عليها بعد الانسحاب الأميركي ستأتي بعكس ما هو متوقّع وبهذا الشكل الذي رأيناه ...

 

لقد ذهب الكتاب والمتابعون للشأن العراقي في كتاباتهم وتحاليلهم قبل الانسحاب المزعوم مذاهب كثيرة فيما يخصّ الكيفيّة التي ستجتاح بها قوى التغيير "المقاومة العراقيّة بذراعيها العسكري والسياسي"  لحصون المنطقة الخضراء لاقتلاع هذه الرموز السلطويّة التي نصّبها المحتل على رقاب العراقيين وعلى أنفاسهم , وكان جلّ المتوقّع وفي أحسن حالاته فيما ذهب إليه المتوقّعون هو أن يهيج الشعب العراقي في العاصمة بغداد دفعةً واحدة فيعبر الجسور والطرقات المؤدّية لقصور المنطقة الخضراء حيث تقبع هذه الرموز فيقتلعها بقوّة السلاح ..

 

لقد تابع الكثيرون هذه الهجمات التي عصفت بالعراق مؤخّراً من أقصاه إلى أقصاه فعزاها البعض إلى الميليشيّات التي سبق لها أن تركت في النفس العراقيّة ذكريات دمويّة لا تنسى  وقالوا أنّها هجمات تقف خلفها جهات خارجيّة يهمّها خروج المحتل من العراق لغرض السيطرة على "الفراغ" من قبل تلك الجهات بسيطرة استباقيّة , ونسي هذا البعض أنّ هذه الميليشيّات لم تكن لها الجرأة يوماً على الإقدام على تمزيق هذه المساحة الكبيرة من النسيج العراقي لولا وجود المحتل الأميركي الذي فتح  لها الباب على مصراعيها لتقوم بتلك الأعمال الإجراميّة بعد أن وقف خلفها يراقب من بعيد ما تقوم به وبقي هو يعمل كغطاء لها وكظهير مساند وكحامي لما قامت به من إجرام بحق العراقيين .. كما ونسوا أو تناسوا لربّما أنّ المحتل الأميركي هو الذي سمح لجميع طالبي الثأر من العراق , أعراباً وأعاجم , إيرانيّون وأتراك , كويتيّون ومن هم على شاكلتهم , أو الطامعين به , لدخول البلد تحت عينيه وبرعايته لكي تقوم هذه القوى الغازية بالتغطية على الاحتلال وما سيقوم به من عمليّات إجراميّة ومن تخطيط مسبق ينفّذه بعد الاحتلال لإبقاء العراق ولاية أميركيةّ قرناً من الزمان على أقل تقدير إن لم تكن نواياه الحقيقيّة إلغاء العراق أرضاً وشعباً من خارطة التأريخ ومن خارطة الوجود البشري مستقبلاً "بحسب ما هو موجود في أسفار التلمود وتعاليم المجوس" ..

 

المانع الثالث الذي يساعد على عدم تبنّي القول القائل بوجود قوى تابعة للغير هي من قامت وتقوم بكل هذه الهجمات هو أنّ أصحاب هذا الرأي نسوا أيضاً أن أعمال عسكريّة بهذا الكم وتنفيذها يتم بهذه الدقّة المسلّطة على الجدار الدفاع الأمامي الأوّل الذي يقف مصدّاً  لحماية الجهات السلطويّة المتمترسة في المعزولة الخضراء ستضعف هذه الجهات الموزّعة الولاء بين الدول المفترضة برعاية الهجمات هذه بينما بقاء هذه الرموز في السلطة ضمان لاستمراريّة مصالح تلك الدول , وهو الموضوع الرئيسي الذي يشغل بالها بعد الهروب الأميركي من العراق ..

 

والسؤال الأهم الحاضر الإجابة عليه في هذا الموضوع هو إذا كان الذي يقف خلف هذه التفجيرات والهجمات الشرسة الضارية هي ميليشيّات تابعة لأحزاب هذه الحكومة التي تسكن المنطقة الخضراء فهذا يعني أنّها حكومة قويّة جدّاً بإمكانها حماية نفسها بنفسها ذاتيّاً وليست بحاجة لمن يحميها ولا يجب أن يصدر منها أيّ تصريح يدعو القوّات الأميركيّة للبقاء في العراق لغاية عام 2020 مثلاً , بعد ذلك , لو لاحظنا , أنّ عناصر الجيش والشرطة للبلدان التي تقع تحت الاحتلال المباشر أو غير المباشر دائما ما تستهدف من قبل العناصر المسلّحة المعارضة لهذا التواجد إضافة  لتعرّضها للقوّات المحتلة في مثل هذه البلدان , ومن يتابع أخبار الصدامات والعمليّات المسلّحة فيها سيجد أنّ المصدّ الأوّل الحامي لمثل هذه الحكومات هي المستهدفة دوماً , أي عناصر الشرطة والجيش, وفي الساحة الأفغانيّة المقاومة شاهد حيّ على ما نقول , حيث التعرّض لعناصر الشرطة والجيش التابعين لكرزاي من الأمور اليوميّة العاديّة في هذا البلد المحتل ...

 

لقد انسحبت القوّات الأميركيّة من العراق وما تبقّى منها انزوت في قواعد بعيدة عن المدن نوعاً ما أو انسحبت إلى وسط بعض المدن في بعض الأحيان لأسباب لوجستيّة معروف في مثل هذا النوع من الانسحابات العسكريّة من المفترض أن تقوم بحمايتها الشركات  "الأمنيّة" الأميركيّة  علاوة على حمايتها من قبل قوّات الشرطة والجيش العراقيين , وحدثت الهجمات واشتدّت على هذه القوّات بعد انسحاب القطعات القتاليّة الأميركيّة , وهذا له مدلولاته التي لا تسرّ حتماً الحكومة الخضراء السلطويّة , ثمّ جاء الانسحاب الثاني بطريقة لم تكن محسوبة , والانسحاب الثاني هذا هو انسحاب لم يكن متوقّعاً أن تحدث بداياته بهذه الطريقة , وأعني به الانسحاب المتستّر والمعلن في آن والذي دعت إليه وزارتي الدفاع والداخليّة العراقيّتين! أو لنقل هو مقترح  هروب  تأتي مقدّماته بصيغ "خطّة" عن طريق إعلان تغيير مراكز الشرطة وثكنات الجيش إلى مواقع سرّية وتمويهيّة إذا ما ادلهمّ الخطب  من ذلك النوع الذي طالما كانت تتوجّس منه عناصر هذه الحكومة السلطويّة فتسارع  عبر رموزها  "الكرسويّة" بالتزامن مع كل تصريح من الداخل الأميركي يدعوا لعودة القوّات الأميركية من العراق مع كل تلقّي للضربات القاصمة التي تقوم بها قوّات المقاومة العراقيّة بجناحها العسكري على الجهد الأميركي القتالي إلى الطلب من البيت الأبيض بإبقاء قوّاته في العراق لغاية ما تكتمل القدرات العسكريّة والأمنيّة لهذه الحكومة الغير شرعيّة أصلاً  "بحسب القانون الدولي الذي لا يعترف بحكومة تم إنشائها تحت حراب المحتل"  ليتم بعدها "وهي عمليّة تبادل أدوار في التصريحات لا أكثر بين المحتل وبين صنيعته" التصريح الأميركي بتلبية الطلب ! ..

 

 الداخليّة العراقيّة  , ومع اشتداد الهجمات الموجعة جدّا على جهدها التعبوي , طلبت من مراكزها في أنحاء العراق كافّة , وعلناً  , إلى تغيير هذه المراكز واستبدالها بمراكز متخفّية "وهذا دليل قوي على أنّ الهدف من إنشاء جهاز الشرطة بعد الاحتلال هو لحماية المحتل وأعوانه , وإلاّ ما فائدة مراكز الشرطة إن لم تكن مراكزها معلومة يراجعها أبناء الشعب متى ما احتاجوا إليها !!" ..


بيان الانسحاب الثاني , أو بيان التراجع والانسحاب  والهزيمة على وجه الدقّة , جاء هذه المرّة من وزارة الدفاع عندما بدأت مراكز وثكنات ونقاط الجيش تتعرّض للهجمات بكثافة هي الأخرى وبطرق لم تستطع معها بيانات السيّد المكصوصي من التغطية عليها أو فبركتها ببياناته المعهودة لعدم استطاعتها الإلمام بماهيّة هذا النوع من الهجمات فجاءت بيانات الجهات العسكريّة ذات العلاقة بعد كل هجمة مليئة بالأكاذيب والتلفيقات التي تدعو للإشفاق أكثر ما تدعو للثقة بها كان من ملهاتها الطلّسميّة ظهور مصطلح "الانتحاري المجهول" ! وكأنّ انتحاريّو "أيّام زمان" كانوا يحملون , وهم في طريقهم لتنفيذ مهامهم التفجيرية , جوازات سفر وشهادات التطعيم ضدّ الكوليرا ورسومات شجرة عائلة كلًّ منهم ومعلومات ثبوتيّة بتنظيماتهم السرّيّة وخرائط أماكن خلاياها ! .. بيان وزارة الدفاع في حكومة الاحتلال الرابعة جاء هو الآخر على شكل دعوة للانسحاب والتراجع والاختفاء والتمويه , وهو إعلان حالة هروب واستسلام أكثر منه شيء آخر , وهو دلالة واضحة على الخوف من احتماليّة شموليّة تلك الهجمات واستمرارها بشكل متصاعد ...

 

 





الاحد٠٣ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة