شبكة ذي قار
عـاجـل










علاقة محمود عباس, رئيس المنطقة الخضراء في رام الله, كانت أكثر من حميمية مع إيهود أولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق. وتخلّل تلك العلاقة الكثير من الدفء والمودة العائلية بما فيها الزاد والملح وأمور أخرى. وكانت اللقاءات بين الرجلين لا تكاد تنقطع الى درجة أنها أصبحت بنظر الكثيرين عادية جدا. وبالتالي لم تعد تثير إهتمام أو فضول أحد.


وحتى الدول الكبرى, خصوصا"راعية السلام" المزعوم لم تجد في الماراثون التفاوضي بين رجال محمود عباس وقادة الكيان الصهيوني المغتصب, سوى مضيعة للوقت وتكرارا لفصل مسرحي مُمل. فالرئيس محمود عباس كان يتفاوض بصدق وتفاني من أجل الاستمرار في المفاوضات حتى الرمق الأخير, بينما كان مفاوضو العدو الصهيوني واعين ومدركين لكل خطوة يقومون بها وأهدافهم وخطوطهم الحمراء واضحة حتى للعميان الاّ لمن سكن "المقاطعة"وإحتمى بجنود وآليات أعداء شعبه.


ويبدو أن قادة السلطة في رام الله هُم الوحيدون الذين ظلّوا يجرون ويلهثون خلف أوهام وسراب "السلام"مع العدو الصهيوني, مع أنهم أول مَن كان يعرف أن مصير ذلك السلام - السراب هو الانقشاع والزوال. وكانت جميع مراهناتهم على تحقيق شيء بسيط لشعبهم, كازالة حاجز أو رفع حصار أو السماح بدخول الغذاء والدواء لمن هم بحاجة ماسّة أليه, وما أكثرهم بين الفلسطينيين, باءت جميعها بالفشل والخسران وخيبة الأمل.


ولم يجنِ الشعب الفلسطيني, سواءا في الضفة المحتلّة أو في القطاع المحاصر, سوى المزيد من مجازر وجرائم الاحتلال الصهيوني الغاصب مضاف اليها قائمة جديدة من الشروط والمطالب التعجيزية التي كان العدو الصهيوني وما زال بارعا وخبيرا في التفنّن في إختلاقها. وهنا تجدر الاشارة الى أن المجرم أولمرت, وجميع قادة الكيان الصهيوني مجرمون, يُعتبر معتدلا كثيرا بنظر قادة السلطة اللاوطنية الفلسطينية مقارنة بالمجرم الحالي بنيامين نيتنياهو.


فمالذي ينتظره"كبير" المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ورئيسه الذي أدمن, حد المرض والهوس, على التفاوض مع أناس لا أخلاق لهم ولا قيم ولا يُعرف عنهم أنهم إحترموا قانونا أو معاهدة أو عهدا, وإن أكبر"نتازل"يقدمونه للطرف الذي يفاوضهم هو السماح له بالجلوس معهم على نفس الطالولة, أو إاتقاط الصور التذكارية أمام عتبات البيت الأبيض في واشنطن وبحضور رئيس أمريكي, عادة ما يكون أكثر صهيونية من هيرتزل نفسه, بغض النظر عن إسمه أو لون بشرته أو إنحداره الطبقي.


إن إستدراج قادة السلطة الفلسطينية في رام الله الى فخ المفاوضات العبثية وحقنهم بامصال إستسلامية إنهزامية جديدة أصبح لعبة بيد أي رئيس أمريكي بحاجة الى رفع نسبة شعبيته الهابطة في إستطلاعات الراي العام أو من أجل تحسين فرص مرشحي الحزب الذي ينتمي اليه في الجولات الانتحابية. وباراك أوباما لم يشذ عن هذه القاعدة خصوصا وأن إنتخابات الكونغرس الأمريكي النصفية على الأبواب. ومعلوم أن ليس هناك مكان أفضل من الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية, التي أصبحت آخر هموم ومشاكل حكامنا, يمكن للادارة الأمريكية ومن خلفها الكيان الصهيوني, أن تحقّق فيه مختلف المكاسب وعلى أكثر من صعيد, ودون مقابل.


المصيبة هي أن قادة السلطة اللاوطنية في رام الله لم يدركوا بعد, مع أن لديهم من التجارب الفاشلة ما يكفي ويزيد, أن العدو الصهيوني وبغض النظر عن التطورات العالمية أو عمَن يحكم في واشنطن, غير معني إطلاقا بالسلام حتى ولو حقق هذا العدو 95 بالمئة من شروطه ومطالبه, وقد لا يقتنعون حتى بالحصول على مئة بالمئة. فكم من التنازلات والانبطاحات واللقاءات السرية والعلنية وأنواع مختلفة من الغَزل السياسي والاقتصادي التي مارسها وقدّمها الحكَام العرب قابلها قادة الكيان اللقيط بالرفض التام المصحوب دائما بالاحتقار والازدراء واللامبالاة لكل مَن روّج لها أو وقف خلفها.


ثمّ أية ضمانات هذه التي ينتظرها فريق محمود عباس, الذي ذهب ليقدّم المزيد من التنازلات, من قبل كيان لقيط مغتصب ما زال يبحث عن شرعية هنا وهناك, وأن جلّ قادته المدنيين منهم والعسكريين مجرمو حرب وتلاحقهم الدعاوى القضائية في أكثر من بلد ومن أكثر من طرف. وكيف يتجاهل السيد محمود عباس أنه يتفاوض مع أربعة أطراف وليس مع العدو الصهيوني فقط. فامريكا لم ولن تكن طرفا محايدا أبدا, لا الأن ولا في أي مستقبل قادم.


أما حسني اللامبارك وملك الأردن عبد الله الثاني, والذي كان حضورهما فقط لقراءة سورة الفاتحة على القضية الفلسطينية وحركات المقاومة ومن ثم المشاركة في مراسيم التشييع, التي تُعتبر واجبا دينيا وقوميا لا يمكن التخلّي عنه! فقد كانا وما زالا رهن إشارة ساكن البيت الأبيض وطوع بنانه. وقديما قالت العرب "في الشدائد تُعرف الأصدقاء", والرئيس باراك أوباما, وكل رئيس أمريكي صديق حميم لهما, في أمس الحاجة الى مَن يرفع من شعبيته المتدهورة في استطلاعات الرأي العام الأمريكي, نقطتين أو ثلاث نقاط.


mkhalaf@alice.it





الاحد٢٧ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة