شبكة ذي قار
عـاجـل










1- مقدِّمة

في تجارب الشعوب التي تعرَّضت لاحتلال أجنبي، وقاتلت في سبيل استرداد حرِّيَّتها وسيادتها، دروس تستحقُّ الاستبصار والتوظيف لتجاوز محنتنا الوطنيَّة الراهنة.

أهمُّ تلك الدروس وأكثرها عبرة، يكمن في وحدة الشعب التي هي الضمانة الأساس لدحر الغزاة وإحباط مشاريعهم بأقلَّ قدر من الخسائرالوطنيَّة.

 

الحقيقة التاريخيَّة التي لا يمكن دحضها، هي أنَّ ما من شعب مجزَّء، نجح في استرداد سيادته. وما من حركة سياسيَّة وطنيَّة متشظِّية أفلحت في تحقيق أهدافها. وما من مقاومة مسلَّحة متنافرة، ألحقت الهزيمة بالقوَّة المحتلَّة.

 

انطلاقًا من هذه الحقائق التاريخيَّة، فإنَّ وحدة الحركة الوطنيَّة المناهضة للاحتلال، وأكثر تحديدًا وحدة فصائل المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة ضرورة لازمة لتسريع النصر ودحرالاحتلال واسترداد السيادة وإنهاء معاناة شعبنا.

 

هذه المهام بالغة الصعوبة لن تتحقَّق بشكل ناجز دون إطباق جناحي العراق على المحتلِّين، كما نوَّه الشهيد الخالد صدَّام حسين. فهزيمة الاحتلال في غياب وحدة فصائل المقاومة، أوعلى أقل تقدير اتِّفاقها على منهاج سياسي وعسكري، ستكون مكلفة وطويلة. كما أن حركتنا الوطنيَّة المناهضة للاحتلال، تبقى عُرضة لرياح الخلافات والصراعات والتشرذم، وعاجزة عن تحقيق أهدفها دون تأسيس الجبهة الوطنيَّة الشاملة المجابهة للاحتلال.

 

 لا جدال في حجم التحديات التي تواجه هذا الهدف الوطني المنشود، لكن صعوبة الأهداف الوطنيَّة لا يلغي ضروراتها ولا يبرِّر التقاعس عن تحقيقها. نعم، ثمَّة صعوبات وعوائق كبير تحول دون قيام الجبهة، ولا نشكُّ لحظة في ظهور عوائق أخرى مستقبلاً، لكن تأسيس الجبهة الوطنيَّة الواسعة المناهضة للاحتلال، يبقى هدفًا قابلاً للتحقيق إذا ما ركنا جانبا عُقد الماضي، وتجاوزنا الإشكالات الثانويَّة، وهيَّئنا مناخ النجاح المطلوب، وانتقينا المقترب الصائب.

 

في هذا المنعطف الخطير في حياة شعبنا، لا توجد أولويَّة وطنيَّة أكثر أهمِّيَّة والحاح من هدف توحيد فصائل المقاومة كمقدِّمة لقيام الجبهة الوطنيةَّ المناهضة للاحتلال. وإذا كان لا بدَّ من وجود تنافس سياسي بين القوى المناهضة للاحتلال، فليكن تنافسًا على الجهد الأكبر في مسار توحيد مواقف القوى الوطنيَّة وتأسيس الجبهة الوطنيَّة الواسعة.

 

لقد نجحت فصائل المقاومة خلال المرحلة المنصرمة في تحقيق خطوات مهمَّة تسحقُّ التقدير على صعيد وحدتها. من أبرز تلك المحطَّات، كان تأسيس "جبهة الجهاد والتغيير"، وإنشاء "جبهة الجهاد والتحرير"، ومن ثمَّ انطلاق "جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني"، وقيام "المجلس السياسي للمقاومة العراقيَّة" وغيرها من الخطوات الجبهويَّة الإيجابيَّة. ومع أهمِّيَّة ما تحقَّق إلاَّ أنَّ طموح شعبنا يتجاوز الخطوات الإيجابيَّة المتحقِّقة، وما يزال يطالب بتأسيس جبهة وطنيَّة تضمُّ جميع قوى النضال الوطني الرافضة للاحتلال.

 

التوقُّف إزاء هذا الموضوع استثنائي الأهميَّة، يثير عددًا من الأسئلة الحاضرة بشكل دائم في فكر أبناء شعبنا وقواه الوطنيَّة، وأهمُّها:

ما هوموقف فصائل المقاومة من قضيَّة وحدتها التنظيميَّة والسياسيَّة؟

ما هي الضرورات الوطنيَّة لوحدة الفصائل وفوائدها؟

ما هي المعوقات الأساسيَّة التي حالت دون تحقيق وحدة فصائل المقاومة؟

كيف يمكن إنجاز هذا الهدف الوطني المنشود؟

 

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، نرى من الضرورة تثبيت بعض النقاط المهمَّة التي يساعد تثبيتها على تقديم إطار شامل لموضوع المساهمة وإدراك أبعادها.

أوَّلاً، تعدُّديَّة فصائل المقاومة ظاهرة إيجابيَّة تعبِّرعن رفض شعب العراق بكلِّ مكوِّناته السياسيَّة والاجتماعيَّة لمشروع الاحتلال، وتعكس تنوُّع مصادرالمقاومة وشموليَّتها وعدم مناطقيَّتها أو عرقيَّتها أو طائفيَّتها.

 

ثانيًا، اتَّسمت تجربة المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة منذ انطلاقها بسمات جوهريَّة ميَّزتها من مثيلاتها من تجارب المقاومة. أبرز تلك السمات وأكثرها أهمِّيَّة يكمن في أنَّ تجربة المرحلة المنصرمة لم تشهد أيَّ صدام مسلَّح بين فصائل المقاومة مع تباين خلفيَّاتها العقائديَّة واختلاف أهدافها السياسيَّة. لذا فدعوات المطالبة بوحدة الفصائل لا تنطلق من دوافع حسم الصراعات أوالنزاعات، بل من حسابات استراتيجيَّة تخدم نضالنا الوطني وتعزِّز الجهد المقاوم وضرورات تسريع النصر ودحرالاحتلال.

 

ثالثًا، الدعوة إلى قيام جبهة مقاومة موحَّدة لا تعني بأيِّ شكل أو صيغة دعوة إلى تخلِّي الفصائل عن خصوصيَّاتها وهويَّاتها العقائديَّة والسياسيَّة، ولا إلى الانضواء تحت قيادة فرديَّة معيَّنة. بل إلى تأسيس جبهة مقاومة ذات أهداف وطنيَّة مشتركة تعمل ضمن منهاج سياسي واستراتيجيَّة عسكريَّة متَّفق عليهما تحت قيادة جماعيَّة وفقًا لسياقات تحدِّدها الأطراف مكوِّنة الجبهة.

 

رابعًا، مع تعدُّديَّة الفصائل واختلاف أطرها وبُناها العقائديَّة، وعدم ارتباطها التنظيمي إلاَّ أنَّها مرتبطة بشكل غير مباشر من خلال وحدة الهدف ودحر الاحتلال. كما أنَّ ما يربطها من ثوابت وقواسم وطنيَّة مشتركة يفوق جوانب التباين والاختلاف حجمًا وأهميَّة.

 

ما هو موقف فصائل المقاومة من قضيَّة وحدتها التنظيميَّة والسياسيَّة؟

الموقف إزاء وحدة  الفصائل التنظيميَّة وبناء جبهة مقاومة موحَّدة تضم جميع الفصائل المقاتلة، يتباين من فصيل لآخر. هذا التباين ليس بالأمر الغريب ولا المُحبط، لأسباب معروفة. أهمُّ أسباب تباين الموقف إزاء هذه القضيَّة المهمَّة، يعود إلى اختلاف تقدير قيادات الفصائل أهميَّة الوحدة وضرورتها لهزيمة الاحتلال. لذا ينصبُّ الجدل تحديدًا على: هل الوحدة التنظيميَّة شرط لازمة للتحرير، أم مجرَّد عامل مساعد؟ أي بمعنى آخر، هل يمكن هزيمة قوَّات الاحتلال واسترداد السيادة الوطنيَّة دون تحقيق وحدة الفصائل؟

 

هنا يمكن فرز موقفين أساسين:

الأوَّل، يرى أصحابه في وحدة فصائل المقاومة ضرورة لازمة وشرطًا حاسمًا لتحقيق هدف المقاومة المركزي المتمثِّل في دحرالاحتلال واستراد السيادة. هذا الموقف، الصائب في تقديرنا، يتبنَّاه حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة الجهاد والتحرير والإصلاح الوطني منذ الأيَّام الأولى لانطلاق المقاومة، إلى جانب تبنيِّه من قوى وطنيَّة وشخصيَّات فاعلة وأساسيَّة في نضالنا الوطني الراهن، وأهمُّها "التحالف الوطني العراقي".

 

البرنامج الاستراتيجي للمقاومة المُعلن في أيلول 2003، دعى بشكل جليٍّ إلى تشكيل الجبهة الوطنيَّة العريضة، وأبرز ضرورات قيامها. كما أنَّ موقف الحزب الداعي إلى وحدة المقاومة، أكَّدته الدعوات التي وجَّهها الرفيق المجاهد عزَّت إبراهيم الدوري في مناسبتين. الأولى، تضمَّنها خطابه بمناسبة الذكرى الواحد والأربعين لانطلاق ثورة السابع عشر- الثلاثين من تمُّوز، والصادر في 31 تمُّوز2009. حيث جاء: "فإنَّنا اليوم وفي هذه المناسبة التاريخيَّة العزيزة، ندعوهم جميعًا – فصائل جهاديَّة مسلَّحة في الميدان وأحزاب ومنظَّمات وتيَّارات وشخصيَّات خارج الوطن وداخله إلى إقامة وحدة الجهاد الشاملة على أساس ثوابت التحرير والاستقلال، وذلك بتشكيل مجلس وطني أو مجلس سياسي أو قيادة عليا موحَّدة، تضمُّ كلَّ قوى المقاومة المسلَّحة وغير المسلَّحة، هدفها الأوَّل هو توحيد الموقف السياسي والخطاب السياسي والإعلامي وتفعيله وتصعيده كي يأخذ الدور الذي يستحقَّه، وخاصَّة بعد الانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة."

 

وجدَّد المجاهد الدوري دعوته إلى وحدة الفصائل وإلى وحدة الحركة السياسيَّة الوطنيَّة في خطابه بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي الصادر في الثامن من كانون ثانٍ2009. فقد تضمَّنت الرسالة الثانية للخطاب: "نداءً صادقًا مخلصًا إلى كلِّ قوى المقاومة والرفض المسلَّحة الحقيقيَّة وغير المسلَّحة على أرضنا الطاهرة إلى العمل الجاد والصادق وبتجرُّد من كلِّ الإغراض التي لا ترتقي إلى هدف التحرير والاستقلال، وأن يسارع الجميع إلى عمل تاريخي كبير يرضي الله ورسوله ويرضي ويفرح شعب العراق: وهو إقامة وحدة الجهاد والرفض التاريخيَّة. فلا عذر لأحد بعد اليوم في التخلِّي عن إقامة هذا الصرح الجهادي التاريخي للإجهاز على ما تبقَّى من فلول الغزاة المعتدين المحتلِّين وعملائهم وأذنابهم، لإنجاز الهدف التاريخي الأكبر والأسمى هدف التحرير والاستقلال."

 

هذه الدعوت الصائبة والصادقة لوحدة فصائل المقاومة وقيام الجبهة الوطنيَّة الشاملة حضَّت، بترحيب العديد من القوى الوطنيَّة وموافقتها ومساهمهتها، على تشكيل فاعل لتحقيق خطوات مهمَّة خلال الأشهر الماضية. إلاَّ أنَّها، مع الأسف، لم تلقَ مواقفًا مماثلة ولا استجابة واضحة ومعلنة من لدن أطراف وفصائل معيَّنة لأسباب عديدة سنشير إلى بعضها لاحقًا.

 

الثاني، ينحصر في موقف الإخوة المتحفِّظين على فكرة تأسيس جبهة مقاومة موحَّدة. أصحاب هذا الرأي يستندون في تحفُّظهم على عمليَّة توحيد الفصائل على فكرة أنَّ الفصائل موحَّدة عمليًّا من خلال ارتباطها بوحدة هدف دحر الاحتلال ورفض العمليَّة السياسيَّة. ويطرحون التنسيق بديلاً من وحدة الجهد المقاوم. هذا الموقف، مع تقديرنا الكبير لأصحابه وعلاقتنا الأخويَّة بهم، وإيماننا بصدق انتمائهم وإخلاصهم، وثقتنا المتناهية بمبدئيَّة التزامهم الجهادي ضرورة لدحر الاحتلال، غير موفَّق ولا ينسجم مع ضرورات المرحلة، ولا يلبِّي طموحات أبناء شعبنا وقواه السياسيَّة. معرفتنا الوطيدة بالأخوة أصحاب هذا الموقف، تدفعنا إلى المراهنة على أنَّ حكمتهم ومبدئيَّتهم وحرصهم الوطني ستقودهم إلى مراجعة هذا الموقف وتصويبه والعمل بجدٍّ وشجاعة كما عوَّدونا إلى المساهمة في تحقيق هذا الحلم الوطني المنشود.

 

( للموضوع صلة )





السبت١٨ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد داود قرياقوس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة