شبكة ذي قار
عـاجـل










"ما أن سقطت بغداد في 9. 4 . 2003 وبعد يومين فقط من سقوطها , أتاني الى منزلي مجموعة من رجال الشرطة العراقيّة .. ( 12 ) شرطي .. وقالوا لي : شيخنا ؛ توَلّ أمر حفظ الأمن في المدينة" ؟ الشيخ القزويني يقصد مدينة الحلّة , ويواصل القزويني حديثه "تمّ على الفور تنفيذ المهمّة التي ألقيت على عاتقي من حيث لا أحتسب , وذهبنا مع تلك المجموعة من رجال الشرطة إلى كراج سيّارات الدوريّات الأمنيّة التابع لمركز مديريّة شرطة المدينة وقمنا بتفحّصها ثمّ قسّمنا مهامّها وخصّصنا اثنتان من تلك السيّارات لمهام النجدة ومن ثمّ ...." الخ من حديث السيّد القزويني في ذلك الحوار أو اللقاء من على قناة البغداديّة , الذي سرد فيه بعض من تفاصيل الأحداث التي حلّت بالعراق خلال لحظات غزوه الأولى ممّا بات معروفاً من تلك المشاهد المذهلة التي استطاع العالم رؤيتها مباشرةً من على شاشات الفضائيّات في تلك اللحظات المصيريّة التي كانت ستقرّر مصير العالم , وكان من تفاصيلها أيضاً ما جرى في جميع محافظات القطر العراقي , وقد تناول الحديث مدحاً للدور الذي لعبته دور العبادة على اختلافها في حفظ جزء من الأمن في البلاد بعد السقوط مباشرةً , وكان التركيز على هذا الدور على اعتبار أنّ دار العبادة هو فسحة المكان الذي اقتطعه الإنسان البدائي منذ القدم من وسط الحيّز الذي يعيش فيه قلقه واحتجزه خارج هواجسه الولهة بالعبادة وخارج بدنه وبصيغة رسميّة فخصّه بالسكون الذي يفتقده وعيه المهجّس بما بين الأكسيوميّة وبين التاناتوسيّة أو "الليس" كما أحبّ الكندي أن يسمّيه تحوّل بمرور الزمن المقدّس الذي يلجأ إليه ساعة الشدّة من دون عناء أو طول تفكيرّ ...


ربّما يكون هدفي من هذه المقدّمة البسيطة أردت من خلالها تسليط ضوء بسيط على نقطة معينة أثارها السيّد القزويني "وهو الجزء الذي حظيت باستماعه عبر التلفاز" والذي تحدّث من ضمن ما تحدّث به لمضيفه مقدّم البرنامج "سحور سياسي" عن تداعيات الفراغ الأمني والمؤسّساتي الذي خلقه الاجتياح الأميركي ساعتها للعراق وعن الدور المهمّ الذي لعبه رجال الدين , أي القزويني وأمثاله , في تثبيت دعائم الأمن المفقود في البلد في تلك الظروف الحرجة كما وصفها الشيخ ..


بيد أن مثل هذا الأمر الذي يبدو من ظاهره أمراً متوقّعاً لدى الكثير , أعني اللجوء إلى "الدين" ممثّلاً بالشيخ القزويني وغيره "على اعتبار أنهم يمثلون الله على الأرض" الملجأ الأخير الحاسم في حياة الفرد البسيط ؛ قد لا تبدو مثل هذه المسلّمة , بالنسبة للكثير, أنّها قد أخذت مسارها "الطبيعي" في العراق وفق الحالة الإنسانيّة التي ذكرنا , بل تبدوعلى العكس! , فقد أثار انتباهي أنا مثلاً ما استشفّيته من حديث السيّد القزويني ما كان قد غاب عني فهمه سابقاً, بما سيعزّز الدليل المقرن بالأدلة , حاليّاً ومستقبلاً ,على صحّة جميع ما ذهب إليه راصدو ومراقبوا التحوّلات السياسيّة والايدولوجيّة التي تتبلور تشكّلاتها البيئيّة والسياسيّة الجديدة من وسط "برك الاحتدام المباشر" بدل أن تكون لحظات حديث عابر للشيخ , إذ أن الذي فهمته من الحديث هو اعتراف ضمني من قبل القزويني من حيث لا يشعر ربّما بالاستعداد المبكّر لقوى التغيير "الديني" داخل العراق وجهوزيّتها على تحويل العراق , من قبل دولة الغزو وحلفاءها , عراقيين وغيرهم , بفعل مقصود وليس بشكل انسيابي لمجريات الأمور وفق العرف العام, للانتقال به , من الحكم العلماني إلى الحكم الثيوقراطي كي يقع مصيره في نهاية الأمر في قبضة الرأسماليّة حليفة الدين والتديّن باستمرار "وأقصد بالدين دين الانكفاء والاحتراق الداخلي البارد الفارغ من المحتوى ولا أقصد دين الدفاع عن العرض والنفس والوطن والمال" كي يضيع العراق ويندمج قطعاً طائفيّة وأوصالاً وأجزاءً ما بين الدول الراعية للتخلّف تحت غطاء الدين , مثل "السعوديّة" وإيران , وتركيا أيضاً التي يجيء دورها دائماً وفق خط مرسوم تُستدعى على أثره عند اللزوم , وصولاً إلى الفاتيكان , تحت مختلف الحجج والذرائع ! ..


كان هذا التحوّل "السلس" في انحدار العراق إلى المجهول بعمل مقصود لم يكن ليتم لولا الحرب الطائفيّة الإيرانيّة التي أعلنت عليه والتي استمرّت ثمان سنوات تحت غطاء "تصدير الثورة" ولم يكن ليتمّ لولا تعريض العراق وشعبه بعد تلك الحرب التي انتصر فيها بدماء ابناءه , دماء الشيعة العرب قبل سنّتهم , إلى سلسلة من التقلّبات الدراماتيكيّة الضاغطة عليه من قبل جميع قوى الرجعيّة والتخلّف للانتقام من قرار التأميم العراقي التي ابتدأت ملامحه الأولى تتشكّل زمن عبد الكريم قاسم لتتبلور بشكلها الناصع والحاسم زمن البعث ومن ثمّ حشره في أفق الحصار المعتم كي يكون الجسد العراقي , بعد إنهاكه , أكثر استعداداً وتقبّلاً لعودة الجهل ينتشر بين ثنايا مفاصل قراره الجمعي كمرشد رئيسي ملائم لرهن مستقبل العراق وأجياله بين متاهات خرائط التوقّع وقراءة الكفّ والافتراء بخطط الغيب ومناهج التنجيم وفك رموز الطالع وعلم كان وعلم ما سيكون والغوص في غياهب درب التبّانة وأخوات العرجة وسراديب افتح يا سمسم بانتظار "المنقذ" مهديّاً سنّيّاً لادنيّاً بتروليّاً يلعب الروليت في مواخير سواحل وجزر الأثرياء ويخوتها الذهبيّة "غيّر" الله قبله بين عشية وضحاها! كما هو مدوّن في أدبيّات وترانيم "السلفيّة" السعوديّة , أو مهديّاً شيعيّاً سامرّائيّاً غاب ساعتها هارباً من آب اللّهاب عبر سرداب بارد أو نائيً بجلده من استحقاقات معيّنة , كما هو مدوّن في أدبيّات وتخاريج الصفويّة ! ...


ما أفصح عنه الشيخ القزويني يميط اللثام عن جوهر السلاح السرّي الذي افترضته قوى الغزو العالمي الإمبريالي والتي تستطيع به تدمير الشرق الأوسط ومن ثمّ إعادة بناءه وإعادة تركيب مكوّناته بمباضع وبمعاول مختبرات ومشارح مختلف الشركات , سواء تلك الشركات التي لازالت تحبو وبحاجة إلى من ينمّيها أو التي هي من عيار الشركات العابرة ..


فعلى سبيل المثال , كانت قد ابتدأت "التجربة" , تجربة الشروع بأمركة القرن الحادي والعشرين في شكلها المختبري التنفيذي أو يمكننا أن نعتبرها الجزء الثاني من تجربة إشعال الحرب الطائفيّة في العراق والمنطقة بعد الجزء الخمينيّ الأوّل , أو الحرب الخمينيّة الطائفيّة الثانية على العراق , ابتدأت في أحداث ما سميّت بـ"الغوغاء" أو ما يسمّيها سكنة معبد الخضراء المقتطع من وسط قلق العراق ؛ بالثورة الشعبانيّة , وكلّنا يعلم بتفاصيل الكثير من تلك التجربة المختبريّة وما جرى تحت غطائها للعراق من تدمير شامل مكمّل للآلة الحربيّة الأميركيّة ذات السلاح التدميري المنضّب وما احتوته الذاكرة العراقيّة عن تلك الركضة الشعبانيّة من مشاهد مروّعة من النهب والتدمير كان "رجال" الدين فيها يمثلون الأوتوقراطيّة بمعناها الكامل وهم يمثلون قوى "الإرشاد" فيها لتدمير ما تبقى أو سلم ونجى من جحيم التدمير المنظّم من مؤسّسات الدولة العراقيّة , والقزويني قالها في اللقاء المتلفز بعظمة لسانه ! ولا ندري , وربّما حتّى الشيخ لم يكن يعلم عن من أين وكيف ولماذا ومن هم أولئك "الشرطة" الذين لجأوا إليه لكي يحافظ على أمن مدينة الحلّة؟! ومن الذي دفعهم لتلك لمهمّة المقدّسة! لكي يكون فيها القزويني أوتوقراطيّاً في البلدة يأمر وينهى! , ربّما يكون من كلّفه بتلك المهمّة هم أبناء أولئك "الشرطة" الذين غدرت بهم أميركا في الصفحة الثانية , أي "صفحة الغدر والخيانة" كما اطلق عليها العراق آنذاك في حرب الخليج أو ما عرفت أيضاً وقتها عراقيّاً بأمّ المعارك عندما "دهربت" أميركا مجاميع الشرطة تلك القادمة من إيران للأمام باتّجاه العراق وقالت لهم "انتظروني سآتي ورائكم!" ولو سمحتم "امسحوا" لي "المنطقة"! ففهمتها تلك المجاميع على طريقة فهم جيش "خالد بن الوليد" لكلمة "أدفئوهم!" فلم تبقي ولم تذر على أرض جنوب العراق وشماله عرق لمؤسّسة حكوميّة ينبض أو موظّف مسئول لم ترق دمه وتذبحه من الوريد إلى الوريد ولم تترك مؤسّسة ثقافيّة لم تفرغ فيها كامل حقد الجهل المترصص في ذواتهم الهيبفرينيّة أكواماً وحلّانات ولم تترك "..." إلاّ ودحسته في أفواه المحسوبين عليها ! ...


من اللطيف أنّنا كعراقيين منكوبين بالمكوّن المخبري الذي نثرته أميركا في المنطقة الخضراء وعلى رؤوس العراقيين بدأنا "نتفهّم" الآن , ومع الانسحاب الأميركي من العراق , وبعد أن وصل العراقي الى الدرك الأسفل من انعدام الثقة بهؤلاء النتائج المختبريّة , بدأنا نتفهّم أسباب الاعترافات وزلّات اللسان التي بدأت تترا على مسامعنا مؤخّراً من أفواه المسئولين العراقيين من على شاشات مختلف الفضائيّات , فقبل أيّام اعترف وزير الشباب العراقي بـ"عدم استطاعة وزارته المباشرة بتنفيذ ملعب رياضي ضخم جدّاً بسعة 150 ألف متفرّج "هل هو يا ترى فيل مرحلة اقتضت الضرورة طيرانه!" يكلّف ميزانيّة العراق عدّة مليارات من الدولات سـ....ـيتم إنشائه في منطقة التاجيّات وذلك لحالة البؤس الشديد والجوع التي يمرّ بها الشعب العراقي" بحسب تعبير السيّد الوزير ! .. ولا ندري هل هي صحوة لسان من سعادته أمّ هي محاولة شخصيّة لـ"تعريق" ذاته مجدّداً كمقدّمة لتبرئة ذمّته أمام الشعب العراقي ساعة "المسائلة والعدالة" .. ؟ ..


السيّد "العامري" , هو الآخر , وفي حديث لـ"سحوره" السياسي في ستوديو البغداديّة , في الهواء الطلق , اعترف بشكل تلقائي ومن دون أن يضع على وجهه قناع الوقاية من الزلاّت , بـــ" أنّه لم يكن ليتمنّى أن يصل شعب العراقي إلى ما وصل إليه من جوع! ومن بطالة وضياع وافتقاره وعوزه إلى أبسط الاحتياجات والمقوّمات الحياتيّة والخدميّة الموجودة والمتوافرة لدى أفقر دول العالم! ولم يدر بخلده عند الشروع بتنفيذ المشروع الأميركي أن يصل هذا المشروع بالعراق إلى أعلى درجات الضرر من دمار وبؤس وفساد وضحايا وإلى ما وصل إليه !" ...

 

 





الخميس٠٩ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة