شبكة ذي قار
عـاجـل










أضحكتني حقاً تصريحات جوزيف بايدن - نائب الرئيس الأميركي - أن العمليات العسكرية الأمريكية في العراق ستنتهي بعد شهر من الآن، وشر البلية ما يضحك.
عدت بذاكرتي إلى منتصف أبريل/ نيسان 2003، أي بعد احتلال بغداد بأقل من أسبوع حين وقف الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ليعلن وقف العمليات العسكرية من على ظهر إحدى حاملات الطائرات الأمريكية في المياه العربية القريبة.. وها هو بايدن يأتينا بعد أكثر من سبع سنوات عجاف وبعد سقوط عشرات الآلاف من جنود الاحتلال قتلى أو جرحى على يد المقاومة العراقية الباسلة ليعلن من بغداد وقف العمليات العسكرية آخر هذا الشهر!!..


على ماذا يدل هذان التصريحان الأمريكيان المتناقضان؟!
إنهما عندي يدلان على أن الأمريكان لم يقرأوا جيداً تاريخ العراق ولا طبيعة شعبه وهم في الطريق إلى احتلاله، كما أن هذا التناقض الظاهر هو "جزء من ملامح انهيار وتراجع السياسة الأمريكية في العراق والمنطقة خصوصاً بعد وصول عملية الاحتلال السياسية إلى نهاياتها المحتمة، وعجزها عن تشكيل الحكومة ولو بأشكالها الهزيلة المعروفة"، حسب بيان الأمانة العامة للمؤتمر التأسيسي العراقي الوطني، الذي يتزعمه سماحة الشيخ جواد الخالصي حفيد قائد الجهاد في مطلع القرن الماضي سماحة الشيخ مهدي الخالصي الكبير الذي قاوم الانكليز عندما احتلوا العراق.


والشيخ مهدي الكبير أثبت أن للعمامة الإسلامية دورا قيادياً في قيادة المسلمين لتحرير أراضيهم إذا احتلها عدو أجنبي غاصب، وهو من أجاز بيع مسجد وانفاق ثمنه على الجهاد، ولا أدري هل لأن الخالصي كان عربيا من قبيلة بني أسد فقاد الجهاد، ولم نرَ اليوم من يتحدث عن الجهاد لأن العمائم غير عربية؟ وللحديث عن هذه الشخصية مجال آخر، فدعونا نكمل ما بدأنا به.
سمعت من أكثر من مكان ومن أشخاص يفترض أنهم مثقفون قرأوا التاريخ وسياسيون يعرفون ما يتكلمون أن لا مقاومة في العراق وأن ما يجري كله إنما هو عمليات إرهابية تقوم بها عصابات تكفيرية بعثية صدامية من دول الجوار.


سأحاول أن اتفق مع هذا الرأي ولكني قبل الموافقة عليه أريد أن أسأل: لماذا شعوب العالم كلها إذا احتل أوطانها غاصب معتد تقاوم الاحتلال؟ ولماذا يستثنى العراقيون من ذلك وهم من علموا الدنيا معنى المقاومة؟
أجيبوني جواباً يقنعني وسأتفق معكم في رأيكم.


إن من أفدح أخطاء الأمريكان أنهم لم يدرسوا لا تاريخ العراق ولا طبيعة شعبه لذلك أعلن رئيسهم السابق بعد أيام من احتلال بغداد أن الأمور استتبت للمحتلين وانتهت العمليات العسكرية، وإذا بشعب العراق يفاجؤهم بمقاومة شرسة جعلت شجعانهم يبكون ويولون الدبر وينتحرون ويهربون إلى بلادهم فرادى وجماعات.
سألني صديق ونحن نتناول طعام العشاء في مطعم عراقي في الرفاع: كيف ترى المستقبل، وهل ستتشكل الحكومة العراقية؟ فأجبته: أن أحداً من العراقيين لا يهمه تشكلت الحكومة أم لم تتشكل، فقد اتضح للجميع أن الساسة المتورطين في العملية السياسية البائسة والخانعة، يتحدثون عن "أزمة شخصية وعقد نفسية وصراعات فئوية ومطامع ضيقة، وهي التي تحكم الساسة وتصنع الأزمة وإن هؤلاء الساسة ما عادوا يمثلون أحداً إلا أنفسهم – إن ملك أحدهم نفسه حقاً – وإن غضب الشعب العراقي قد بلغ أوجه ويجب الحذر من غضب هذا الشعب وحركته العاصفة"


وقلت له: إذا أردت رأيي فإني أرى أننا نعيش مقدمات ثورة شعبية عارمة كالتي حدثت في عشرينات القرن الماضي، فمقتل ما يقارب ثلاثة ملايين من شعب خلال سنوات وتشريد ملايين أخرى ويتم ملايين وترمل مليوني إمرأة ليس أمراً يمكن السكوت عنه وهو قنبلة موقوتة ستتفجر عندما تجد الظرف مواتياً وتعصف بالاحتلال وصنائعه وافرازاته وتطهر الأرض من الدنس كله، وهذا الرأي يسنده تاريخ شعب العراق وقدرة العراقيين على المقاومة والمطاولة وكرامتهم المثلومة وهم يرون وطنهم الذي كان قوياً ومؤثراً نهباً للناهبين وثرواتهم مبددة وأبناءهم جائعين وأراملهم يتكاثرن وأيتامهم يزيد عددهم يوماً بعد يوم، والمدية لم تكف عن حز رقاب البقية الباقية من رجالهم والطبقة السياسية تستحوذ على كل شيء لها ولأحزابها ولم يثبت واحد من هذه الطبقة أن قلبه على العراق وعلى إعماره وبنائه وخدمة انسانه وترفيهه وإعادة الأمان المفقود والكرامة المهدورة والسيادة الضائعة.


إن الصراع في العراق الآن بين طبقتين: طبقة الشعب المذبوح والطبقة السياسية الذابحة المستحوذة على كل شيء في البلاد.. وإذا اعترض أحدهم على توصيف الذابح والمذبوح سأرد عليه بالقول: لماذا في كل انفجار او تفجير يسقط الشعب وتعيش الحكومة؟   


وللذين يعدون مقاومة الشعب ارهابا أقول لهم: إن تصريحات بايدن تعني ضمناً أن احتلال العراق كان ورطة والبقاء فيه ورطة والانسحاب منه ورطة فالأمريكان متورطون في العراق والمقاومة العراقية يقوى ساعدها ويسدد الله ضرباتها، وهي ستستعيد عن قريب وطناً جميلاً اسمه العراق لتعمره وتبنيه وتسعد الإنسان فيه، وستبوء أمريكا بالخسران المبين لأنه ما من امبراطورية غزت العراق إلا تحطمت على ترابه.

 

جريدة الوطن البحرينية

 





الاربعاء٢٣ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة