شبكة ذي قار
عـاجـل










برغم أن التزايد المستمر في الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها القوات الأمريكية في العراق ، يقع في مقدمة الأسباب الدافعة لإعادة رسم مسار الوجود الأمريكي في العراق ، إلا أن التداعيات السياسية للتطورات الميدانية ، نقلت أجواء الحرب من ميادينها المباشرة على الأرض ، في المدن العراقية ، إلى داخل الولايات المتحدة ، حيث يحتدم الجدل السياسي على كل المستويات بين الحزبين الرئيسيين ، الجمهوري والديمقراطي ، وداخل الكونغرس ، الذي حقق فيه الديمقراطيون الأغلبية في مجلسيه ، وداخل كل حزب منهما ، بل على مستوى الإدارة الأمريكية نفسها حيث تنقسم إلى صقور اليمين الجديد ، وحمائم الدبلوماسية التي تحاول الوقوف على مسافة مدروسة بين مختلف التيارات المتصارعة ، وتغذي وسائل الإعلام بتقاريرها تطورات الموقف ، فتلهب الأجواء أحيانا ، وتخفف من وطأتها أحيانا اخرى .


برغم سوداوية المشهد ، فإن ما يؤرق الإدارة الأمريكية ، ليس هذه الخسائر ، على أهمية تأثيرها على الساسة الطامحين لأدوار أكبر في بلادهم ، ولكن فشل المشروع الأمريكي الكوني الذي تعثر في بداية انطلاقته في العراق ، والذي أريد له أن يكون رأس جسر للانتشار شرقا وغربا ، وإذا به يتحول – رغم المكابرة – إلى مقبرة أو إلى مستنقع خليط من الوحل والدم ، هو وحده الذي يشكل هاجسا مقلقا إلى حدود بعيدة للإدارة الأمريكية ، ولهذا فقد أصبح البقاء في العراق مع الخسائر اليومية ، وواقع الرمال المتحركة لتحالفات متحركة على مدار اليوم و أحيانا الساعة وغير معروفة الأسس ، وفاقدة لوحدة الرؤية والهدف أو على الأقل لتقاربهما ، أمرا ينطوي على خطر مؤكد ، ولكن الرحيل دون تقديم ( هدية ) مناسبة ومقنعة للمواطن الأمريكي ، سينطوي على خطر أبعد مدى ، وقد يمثل هذا البعد أقل الأبعاد تأثيرا على المصالح العليا للولايات المتحدة ، لانحصار آثاره على شعبية الساسة فقط ، ولكن الأهم من كل ذلك أن الولايات لا يمكن أن تفكر بالانسحاب ما لم تحقق ، أهدافها من غزو العراق ، أو على الأقل جزء معلوما منها ، إلا إذا أرغمت على هذا الانسحاب ، مع ما سيشكله ذلك من نتائج كارثية على هيبة أمريكا في العالم ، وقدرتها اللاحقة في تأدية دور اللاعب الوحيد على مستوى العلاقات الدولية ، فإذا كان البقاء قرارا تعبويا ، فإن الانسحاب سيكون من وجهة نظر أمريكية صرفة ، خطأ سوقيا لا يمكن تلافي آثاره في أي ظرف من الظروف .


فهل تنسحب أمريكا من العراق ؟ و إذا قررت الانسحاب فمتى تنفذ ذلك ؟
لم يسجل تاريخ حروب الولايات المتحدة منذ خروجها من حدودها أثناء الحرب العالمية الأولى أنها انسحبت من أي بلد دخلت إليه ، إلا إذا أرغمت على ذلك ، كما حصل في فيتنام عام 1976 ولاحقا في لبنان والصومال ، ولكنها حتى وهي تخرج فإن أنظارها تبقى معلقة في المناطق التي خرجت منها .
ولكن من يتخذ قرار البقاء أو الانسحاب ؟


يعطي الدستور الأمريكي ، صلاحيات واسعة للرئيس ، ولكن العمل المؤسساتي في الولايات المتحدة يضع مقابلها كوابح ، من الكونغرس ومجلس الأمن القومي ، ومراكز الدراسات الستراتيجية ، التي تمثل المصالح العليا للشركات الصناعية الكبرى والكارتلات النفطية ومصانع السلاح ، ولذلك يفترض أن تكو قرارات دخول الحرب أو إنهائها ، قد مرت بسلسلة من المرشحات قبل أن يصار إلى اعتمادها كقرارات عل الأرض .


ولكن ما جرى في مراحل التحضير لغزو العراق ، يمكن اعتباره استثناء لا غبار عليه عن تلك القواعد ، إذ اندفع الرئيس جورج بوش إلى خيار الحرب مستندا على أفكار إنجيلية ( أمره الرب بالذهاب إلى العراق ) ، وبرر بذلك سلسلة الأكاذيب حول قدرات العراق في مجال أسلحة الدمار الشامل ، أو صلة العراق بالإرهاب الدولي ، ولما لم تتمكن أمريكا من إثبات تهمة واحدة رغم البحث الطويل الذي مسحت فيه أرض العراق بعد الاحتلال ، تم استبدال الدوافع ، إلى إسقاط الدكتاتورية وإقامة البديل الديمقراطي ، غير أن تجربة أربع سنوات ونيف أكدت أن ما عاشه العراق ، كان محنا متصلة على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية ، مزقت النسيج الاجتماعي ، وضعت العراق على حافة حرب أهلية ، عند ذاك فقط بدأ المسؤولون الأمريكيون يتحدثون علنا عن مفردة الخروج من المأزق العراقي نتيجة تزايد الخسائر في صفوف الجنود والتنامي المتصاعد بوتائر عالية في نشاط حركة المقاومة المسلحة ، وخاصة بعد أن خذل الناخب الأمريكي الرئيس بوش وحزبه ، مما أدى إلى تساقط رموز الحزب الجمهوري الواحد تلو الآخر ، وشهدت الولايات المتحدة حرب شعارات ، لم يكن ميسورا التأكد من مصداقيتها ، ففي الوقت الذي ذهب بعض زعماء الحزب الديمقراطي ، وخاصة من مرشحي الرئاسة ، إلى الدعوة إلى سحب القوات الأمريكية من العراق ، كان موقف بوش مختلفا تماما ، إذ قال إن بلاده تريد استنساخ تجربة الوجود الأمريكي في كوريا الجنوبية ، أي البقاء لمدة تزيد على نصف قرن ، وحذا حذوه في التقاط هذه الفكرة وزير دفاعه روبرت غيتس ، لكن الجنرال ديفيد بترايوس ، قائد القوات الأمريكية في العراق ، كان أكثر تواضعا حينما اختار عشر سنوات لبقاء قوات بلاده ، من أجل تأمين مصالحها .


وهكذا تتضارب الآراء وكأن ذلك جزء من الاختلاف المتفق عليه ، فمن المعروف أن القرارات تتخذها الزعامة السياسية ، وينفذها العسكريون ، وليس من حق العسكريين إعطاء الآراء السياسية طالما كانوا في الخدمة ، ولهذا كان لافتا للنظر إعطاء القادة العسكريين وجهات نظر سياسية صرفة ، مما يعني أن الإدارة تسعى لتوظيف آراء القادة العسكريين لتأكيد سلامة مواقفها أمام معارضيها .


إن اتخاذ القرار السياسي بالبقاء أو بالانسحاب ، يخضع لاعتبارات متراكبة ومترابطة ، منها ما هو سياسي ومنها ما هو عسكري ، ومنها ما هو اقتصادي ، ولكن الاحتفاظ بأي هدف يجب أن يراعي مبدأ التكافؤ بين أهميته الإستراتيجية ، والتضحيات التي تقدم للاحتفاظ به .


ولما كان العراق بثرواته المتنوعة ، وبموقعه الجغرافي ، عامل جذب غلاب للقوى الكبرى ، فإننا سنتعامل مع فرضية انسحاب أمريكي قسري ، حينما تصل خسائرها الخط الأحمر الذي لا يستطيع المجتمع الأمريكي قبوله .


إن النقطة الفاصلة التي عندها ينبغي على الإدارة الأمريكية ، اتخاذ قرارات صعبة ، هي تحول مشروعها إلى كارثة وطنية ، تبدأ فصولها الأولى حينما تنتقل المعركة من معركة بالأسلحة النارية في ميادينها بساحات الحرب ، إلى معركة سياسية يمكن أن تقسم المجتمع إلى طرف مع وآخر ضد ، وهذا بدوره سينعكس بأسوأ النتائج على معنويات القوات المسلحة التي تستمد معنوياتها من وقوف الشعب موحدا وراءها ، وقد حرص الزعماء الأمريكيون بدء من الرئيس بوش ، ومرورا بنائبه ديك تشيني ، ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد ، على رفض أي حديث عن انسحاب أمريكي من العراق ، لأن ذلك سيبعث برسالة خاطئة ، إلى ما يسمونه بالإرهابيين ، هذا النمط من السلوك المكابر ظل سائدا لمدة طويلة ، رغم فداحة الخسائر ، التي حرصت الإدارة على التعتيم على حقائقها .


ولما وصلت إدارة الرئيس بوش إلى الحقيقة المرة ، شكل الرئيس لجنة مستقلة لرسم خارطة طريق للخروج من المستنقع العراقي ، وهي لجنة بيكر – هاملتون وقدمت حزمة من المقترحات ، بعد تحقيقات وتقصي حقائق ، أكدت أن أمريكا لا تكسب الحرب وأن عليها فتح حوار مع دول جوار العراق لإيجاد حل ، وخاصة مع إيران وسوريا ، وفي رد فعل اللحظة الأولى رفض بوش معظم ما جاء في تقرير الجنة ، وخاصة ما يتصل بالحوار مع سوريا و إيران ، ولكن اشتداد نشاط حركة المقاومة ، وبالتالي زيادة الخسائر الأمريكية ، والتي يعرف بوش أرقامها الدقيقة ، جعلت بوش ينفذ تباعا ما أعلن رفضه قبلا .


ولكن لجنة بيكر – هاملتون لم تأت بالحل السحري ، فمن جهة لم تتمكن قوات الاحتلال من القضاء على المقاومة ، ومن جهة اخرى ، منحت الولايات المتحدة لإيران دور اللاعب الحيوي في الشأن العراقي ، وشرعنته ، وأطلقت يدها لتحصد تضحيات المقاومة العراقية المتقاطعة أصلا مع إيران .


إن برامج المقاومة بكل فصائلها ، تشترط انسحابا أمريكيا غير مشروط ، فالمشهد بعد أكثر من أربع سنوات من كفاح بلا هوادة للمقاومة المسلحة ، أوصل المشروع الأمريكي إلى حافة الانهيار ، وأصبح مجرد مسألة وقت كما أكد قائد القوات الأمريكية في حديث له في 7/3/2007 عندما قال بأن الحل العسكري لا يمكن أن يوصل إلى نتيجة ، وأن الحل السياسي هو الذي يعطي ضمانات لكل الأطراف التي تشعر أن لا مكان لها في العراق الجديد ، وكان الرئيس بوش قد اعترف في تصريح لصحيفة واشنطن بوست في العشرين من كانون الأول / ديسمبر 2006  ( بأن بلاده لا تكسب الحرب في العراق ) ، وفي مؤتمر صحفي في اليوم نفسه ، قال بوش ، إنه سيتخذ قرارات صعبة جدا .


وعلى العموم يمكن إجمال أسباب أي انسحاب متوقع بما يلي


1-وصول الخسائر البشرية الأمريكية حدا لم يعد بإمكان الشعب الأمريكي قبوله ، وانعكس ذلك على رفض سياسية بوش في العراق ، أفرزتها نتائج الانتخابات التكميلية لنصف أعضاء الكونغرس ، والتي حققت للديمقراطيين أول أغلبية في مجلس النواب منذ 12 سنة بلغت 231 مقعدا مقابل 204 مقاعد للجمهوريين ، و51 مقعدا مقابل 49 مقعدا في مجلس الشيوخ ، هذا إضافة إلى التزايد الكبير في أعداد المصابين بالأمراض العقلية والنفسية من الجنود العائدين إلى بلادهم ، وهذا هو الذي دفع بالبنتاغون في 15/6/2007 إلى المطالبة بزيادة تمويل نظام الصحة العقلية للجنود العائدين .


2- أشارت نشرة ( معهد دراسات السياسة الأمريكي ) في 31/ 8/2005 إلى أن القوات الأمريكية تواجه مشكلات جدية في توفير المجندين ، لحرب بحاجة للمزيد منهم ، في حين أن التطوع للقوات المسلحة في أدنى مستوياته ، على الرغم من التخفيف من شروط الخدمة ، وزيادة المرتبات ، وتقول النشرة ( هناك مشكلة معقدة تواجه الجيش الأمريكي في العراق ، وهي نقص الاحتياط حيث تسود حالة من القلق في أوساط العسكريين ) .


3-انفراط عقد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 ، فبعد تصاعد نشاط حركة المقاومة المسلحة ، وتكبد القوات المحتلة للخسائر ، وفقدان الدافع لمواصلة البقاء في العراق وخوض حرب خاسرة ، وتلاشي الآمال بالغنيمة التي وعدتها الولايات المتحدة بها ، سواء من عقود إعادة اعمار العراق ، أو من المساعدات الأمريكية المباشرة ، كان متوقعا عدم إبقاء تلك الدول لقواتها ، فأخذت الدول تنسحب تباعا .


4- التكلفة المالية الباهظة التي تكبدتها أمريكا ، فقد زادت خسائر الولايات المتحدة على وفق ما ذكرته شبكة CNN في 21/ 9/2005 أن مقدار ما دفعته أمريكا للحرب في العراق وأفغانستان بلغ 500 مليار دولار ، وفي معرض تعليقه على الإنفاق المالي الحربي ، قال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون ( كل يوم من أيام السنة تذهب حكومتنا إلى السوق لتقترض مالا لتمويل حرب العراق وأفغانستان ، وإعصار كاترينا والسماحات الضريبية ، ولم نفعل ذلك من قبل أبدا ، لم يحدث في تاريخ جمهوريتنا أن مولنا صراعات خارجية أو تدخلات عسكرية بالاقتراض من دول اخرى ) ،أما صحيفة واشنطن بوست فقد كتبت في 18/5/2004 دراسة قالت فيها ، أن هناك تشابها بين الوضع في فيتنام والعراق ، فكلا الحربين أسهم في البداية في انتعاش اقتصادي كاذب ، سرعان ما انقلب إلى النقيض بعد ارتفاع معدلات التضخم ، وأكدت الصحيفة أن احتلال العراق خنجر قاتل في ظهر الاقتصاد الأمريكي ، خاصة وأن بقاء أمريكا في العراق يكلف واشنطن ما لا يقل عن ثمانية مليارات ونصف المليار دولار شهريا ، هذا بعد فترة وجيزة من الحرب فكيف هي الصورة الآن ؟


وهكذا يكون المشروع الأمريكي قد وصل إلى آخر مرحلة من عمره الحزين ، فبدلا من أن يكون العراق رأس جسر للقفز إلى أهداف اخرى ، تحول إلى مقبرة للحلم الأمريكي بتسجيل القرن الواحد والعشرين بالقرن الأمريكي ، وبهذا أرى أن من حق المقاومة العراقية أن تفخر بأنها قاتلت نيابة عن الإنسانية جمعاء ، ووقفت ببسالة بوجه أشرس هجمة تعرض لها بلد في العالم أو شعب من الشعوب ، ومن حقها قبل هذا بل والأهم هذا أنها وقفت بقدراتها الذاتية وحدها ضد أقوى تحالف دولي شهده تاريخ البشرية .


إذن ستنسحب قوات الاحتلال من العراق ، ولكن ماذا سيحصل بعد الانسحاب ؟ وكيف يمكن تدارك آثاره السلبية على العراق أو المنطقة ؟
غالب الظن أن الولايات المتحدة ستعترف بالفشل في نهاية المطاف ، وحينما تكون عواقب الاعتراف به مقبولة ، برغم أن هزيمة المشروع الأمريكي في العراق الذي صور على أن شعبه سيهب للترحيب بجنود الاحتلال وينثر الزهور على دباباتهم ، يعد بكل المقاييس أكبر هزيمة في تاريخ الولايات المتحدة منذ نشوئها حتى الآن .


تصر الولايات المتحدة أن انسحابها من العراق سيؤدي إلى انتشار الفوضى الشاملة ، والتي تعدها أكثر خطرا من الحرب الأهلية ، إذ يقول تيد غالين كاربنتر نائب رئيس معهد دراسات الدفاع والسياسة الخارجية ، في تقرير عرضه أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ، في 11/1/2007 ( إن الاضطراب المتصاعد في العراق ليس مجرد عنف طائفي بين السنة والشيعة فقط ، بالرغم من أن تلك هي الفكرة السائدة ، إذ يدور الصراع في كركوك بين العرب والأكراد والتركمان ، أما في البصرة والجنوب فإن العنف يتمثل في الصراع داخل صفوف الشيعة ) ، وقد أشارت مجموعة دراسة أوضاع العراق إلى أن ( معظم المدن العراقية فيها خليط طائفي وأنها ابتليت بالعنف المستمر ، وقد حذر رئيس الوزراء نوري المالكي من أن الصراع في مناطق عدة قد يصبح صراع شيعة ضد شيعة أو سنة ضد سنة ) .


تبدو هذه الصورة قريبة من الواقع ، ولكن أمريكا حينما تبالغ في رسم صورتها السوداوية ، فإنها لا تفعل ذلك حماية للعراقيين من أخطار الحرب الأهلية ، وإنما رغبة في إطالة أمد بقائها لأبعد مدى ممكن ، منتظرة إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة .
فماذا سيقع بالضبط ؟


من الصعوبة التكهن بصورة ما سيقع ، ولكن العراق سيكون مسرحا لأحداث معظمها نتيجة مخلفات ما سيتركه المحتلون من أزمات وصراعات متعددة المحاور ، ولعل في المقدمة منها التدخل الإقليمي ، و والمقصود به حصرا التدخل الإيراني ، بصورة مباشرة ، عن طريق قوى أعدها لهذا الغرض تحت مسميات مختلفة ، وبصورة غير مباشرة بواسطة أحزاب ارتبطت بإيران ، بحكم طبيعة النشوء داخل الأراضي الإيرانية خلال حرب الثماني سنوات ، مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي غير اسمه ، ونقل ارتباطه المعلن من مرجعية ولاية الفقيه في إيران ، إلى مرجعية علي السيستاني في النجف ، وهذا التشكيل يمتلك مليشيا من آلاف المسلحين هي فيلق بدر تم تدريبهم وتجهيزهم في إيران ولهم مرتباتهم من حرس الثورة الإيرانية ، وكذلك حزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامي ، وبعد الاحتلال برز على الساحة جيش المهدي الذي يرتبط بمقتدى الصدر ، والذي دخل عالم الحوزة بشكل مفاجئ ، فافتقد صفة عالم الدين ، ولم تمنحه سنوات عمره الخبرة أو الكياسة لقيادة هذا الحشد الهائل من مختلف الموارد والانتماءات والشرائح الاجتماعية والسياسية والعمرية ، فوجد هذا الكم الكبير السهل التحريك ، في إيران مصرفا جاهزا لتمويل كل راغب باللعب في الساحة العراقية بصرف النظر عما إذا كان الدور نزيها أم لا .


هذه القوى لا يمكن أن تترك للعراقيين حرية الاختيار ، وعلى هذا فمن المتوقع على نطاق واسع ، أن ترمي إيران بثقلها وراء الكتلة الشيعية الممثلة حاليا بقائمة الائتلاف العراقي  الموحد ، التي ترى أن فرصة حكم العراق من قبل شريحة واحدة قد وصلت مع الاحتلال ، ولا يمكن السماح لها بالإفلات ، مقابل ذلك لن يكون بوسع السنة القبول بتجربة الحكم الذي جاء به  الأمريكيون إلى العراق استنادا إلى معادلات سياسية أملتها ظروف المواجهة الساخنة مع نظام  الرئيس الراحل صدام حسين ، وإلى نسب سكانية مبنية على فرضيات لا يدعمها إحصاء سكاني نزيه ، وفي ظروف أمنية اعتيادية ، رغم أن الكثير من الدلائل تؤكد أن عمليات التهجير القسري من العراق إلى خارجه ، قابله تجنيس لإيرانيين ، هذا معناه أن الساحة العراقية ستشهد احترابا أهليا على أسس طائفية وعرقية وسياسية .


فكيف تتم مواجهة هذه التطورات الخطيرة ؟
إن من الواضح أن من أوصل المشروع الأمريكي إلى نهايته المرة ، هي حركة المقاومة المسلحة بفصائلها الوطنية والإسلامية ، وليس إيران أو القوى الداخلة في العملية السياسية ، ولذلك فإن الخطوة الأولى التي تجنب العراق ويلات مرحلة اقتتال لا رابح فيها إلا أعداؤه ، تبدأ بالاعتراف بالمقاومة ممثلا شرعيا للعراق وشعبه ، مع التأكيد على تحميل المحتلين المسؤولية الأخلاقية والقانونية للحرب والجرائم التي تم ارتكابها ، ودفع التعويضات عن جميع الأضرار ، على الصعيدين الرسمي والشخصي ، والتي سببها الغزو ، ولأن الاحتلال أوجد فراغا أمنيا ، بحله الجيش العراقي ، والأجهزة الأمنية الاخرى ، فإن انسحاب المحتلين يحب أن يتزامن مع تعهد من مجلس الأمن الدولي ، بإلزام جميع دول العالم ، وبخاصة دول الإقليم ، باحترام سيادة العراق واستقلاله ووحدة أراضيه ، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية ، لحين استكمال خطوات تشكيل حكومته الوطنية ، وسيكون لازما على مجلس الأمن إصدار قرار بموجب المادة 42 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

 

 





الاحد٢٩ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة