شبكة ذي قار
عـاجـل










وأن شرعية الحكومات لا تأتي وتتأكد فقط من خلال صناديق الاقتراع بل يكون  من الاكتساب الشرعي السياسي لها من خلال نجاحها في خلق التجاوب الشعبي مع قرارات الدولة وسلطتها التنفيذية وقدرة الشعب في محاكمة قراراتها وسلوك أفرادها عبر صيغ شرعية (القانون والدستور),وأن شكلا من هذا النوع من الحكومات لا يمكن إن يتحقق في دولة ناشئة أو نامية بعصا سحرية أوبإنقلابات عسكرية أو بغزوٍ أو احتلال ولكنه يتحقق عبر عملية تهيئيه تثقيفية ويتم من خلالها تهيئة المجتمع والدولة معا للمرحلة الديمقراطية.أن النتيجة التي يمكن أن نتوصل إليها من خلال ما تحدثنا عن الديمقراطية ,


أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق عبر الصراعات الدينية أو المذهبية أو العرقية أو المساومات والتقلبات في المواقف والمبادئ أو عبر الانقلابات والاحتلال ,إنما عبر تنضيجها من خلال التثقيف والممارسات المتطورة وليس بقذفها على واقع و حشرها كتجربة غريبة عن بيئتها في النشئة والتطور,ومن ثم اختيار الدخول الصعب والمعقد للتجربة المفروضة, وتغير كل الظروف الموضوعية والذاتية من أجل ملائم للتجربة المستوحاة أو المستنسخة .وأن تحقيق الديمقراطية يتطلب أولا وقبل كل شئ أن تتوفر النية الصادقة وثانياً البيئة الناضجة فكرياً ومقدرةً وثالثاً وعي الفقرات التالية واستيعابها في حالة استقدام تجارب ديمقراطية غربية:


(أولاً)التطورالتأريخي للتجربة الديمقراطية في الغرب,واستيعاب الحقيقة الواحدة في هذه الممارسة بكونها جاءت وتمت عبر عملية نضالية تاريخية  طويلة ولم تصل إلى هذه الدرجة من النضج عبر ضربة واحدة أو كلمة سحرية أعادت ترتيب المجتمع ديمقراطياً.


(ثانياً)إن العملية الديمقراطية في الغرب تتم عبر سيناريوهات تظهرها بأنها خاضعة للاعتبارات السياسية ولصراع كبير للمصالح والاتجاهات السياسية لفرض هالة من المثالية في تحقيقها ولخلق عناصر جذب وانبهار كاذبة نحوها, ولكنها وفي  معظم التجارب الغربية كانت تعبر عن مصالح طبقية وتَوزع لمراكز القوة والقوى,القوة في داخل المجتمع الواحد والقوى في داخل المجتمع الدولي.أي الديمقراطية في بعض جوانبها الضيقة لا تتعدى في كونها إحدى الوسائل لخداع الناس بإعطائهم حرية شخصية لا تتعدى في تأثيرها على مصالح القوى والطبقات المستنفذة,ولكنها تبقى محصورة في حدود الإنسان الغربي.   


(ثالثا) ولادة الديمقراطية في الغرب لم تكن هدفاً ووسيلة نقية بالكامل لتحقيق جانبً من جوانب إنسانية الفرد والمجتمع, بل كانت وسيلة أكثر من كونها هدفاً  ولم تكن بسبب عوامل أخلاقية وتربوية بل فضاء مناسباً يسمح فيه بتوزيع أفضل للثروات وإرضاء الخواطر والمصالح معاً وصولاً لتأسيس الدولةووالتي لا يمكن إن تلغى فيها ظواهر الاستغلال والصراعات بكافة أنواعها الطبقية والاجتماعية والاقتصادية. وان توفرت هذه الخصائص في الديمقراطية الغربية يعني بالأساس إلى أنها ولدت وترعرعت في هذه البلدان ضمن إطارات متحققة من الهيمنة العالمية بدءاً بمرحلة الاستعمار ووصولاً لمرحلة الامبريالية  .


(رابعاً) أن التاريخ العربي الإسلامي يزودنا بالكثير من التجارب والممارسات الديمقراطية النسبية , وبحسابات الحتمية التاريخية وكنتيجة لهذا التراث كان لابد للعرب من الأسبقية على الغرب في مجالات التي تخص الحرية والتجارب الديمقراطية ,ولكن بحكم السيطرة الاستعمارية العثمانية ومن ثم التوارث الاستعماري وبشكل خاص الانكليزي والفرنسي والايطالي وهيمنتهم على مقدرات الشعب العربي,وفرض كل هذه العوامل الاستعمارية قيود على تطور الحياة العربية وقطعها للتواصل في الفهم أي في الثقافة الديمقراطية وتطوير الحياة الديمقراطية في حياة العرب,جعلت عملية التواصل الثقافي والتطبيقي الخاص بالديمقراطية غير ممكناً,وكرد فعل من قبل الحركات الوطنية والقومية والتي نشاءت مع مرحلة النهوض القومي العربي   على التسلط الاستعماري العثماني على الدولة العربية, كان في تبنيها للكثير من ظواهر الحياة الغربية كجزء من محاولات هذه الحركات لإخراج الأمة من حالة التخلف والضعف الذي تسبب بهما الاستعمار وخاصة في مرحلة الاحتلال العثماني ومن بعده الاستعمار الغربي,وقد أضافت ثقافة المهجرين والمغتربين شيئاً أساسيا لمحاولات الخروج من الوضع المأساوي الذي كان تعيشه الأمة العربية,وان هذه التطلعات كانت تتركز في اقتباس نظريات سياسية واجتماعية واقتصادية من النموذج الغربي,سواء التي كانت تحمل السمات الليبرالية أو الراديكالية والرأسمالية في مقابل الماركسية اللينينة,وحيث كان مروجي هذه الخصائص الغربية لا يمتلكون وضوحاً كاملاً في بنية القواعد التي نشاءت عليها هذه النظريات فكان عجزهم واضحاً في الإضافات أو في محاولات التطوير عليها وخاصة في مجال السياسة وبالذات في النظرة والتعامل مع الحرية والديمقراطية فأتسم تأـثرهم  بالجمود والنقل الاستساخي للتجارب.وفي نفس الوقت ظهرت اتجاهات وحركات وفي بعض الأحيان أحزاباً تتأدب بالفكر الإسلامي السلفي و تنادي وتطالب باعتماد التجارب الإسلامية وبدون النظر إلى عاملين مهمين هما الظرفين ألزماني و المكاني وخاصة في نظريات الحكم وعلاقتها بالدين,وبعضها كان نشاء كرد فعل على مروجي النماذج الغربية وخاصة الماركسية وقد حصلت على دعم كامل من الأنظمة الرأسمالية الغربية في تصادمها مع أصحاب النظريات الاشتراكية ومن ثم تحولت في محاربتها وعدائها إلى الاتجاه القومي الاشتراكي في منتصف القرن الماضي. وقد استغلت تخلف النظريات المقتبسة من التجارب الغربية في نقدها بل في مهاجمتها والى الحد الذي أجتهد البعض بتكفيرها وقد لاقت رواجاً في بعض الأوساط العربية وبذلك تم اعتبار كل ماله علاقة بالغرب هو كفرٌ والحادٌ ولا زالت هذه الاجتهادات إلى يومنا هذا.وأستمر هذا العجز الفكري السياسي والاجتماعي القابضين على ألاتجاهين المتنافرين في الحياة العربية,عجزٌ لأنهما غير قادرين إن يلتقيان في نقطة أو محطة وسطية ذات أُسس عربية وبسكة عصرية تحمل سمات جوهرالحياة العربية وتتحاور بعقل متحضر مع إفرازات الحضارة الغربية,وتحل المعضلات في المجتمع العربي حلاً انقلابيا  وثوريا بقدر ارتباطه بالواقع العربي ويعتبر هذه الأمة في حالة ثورة حقيقية وتحتاج للتغير وليس للرجوع لحياة الماضي أو الاقتباس من حياةالاخرين ويقول المفكر العربي والمناضل الكبير الأستاذ ميشيل فعلق(رحمه الله) في هذا الخصوص:( والآن أعود فأقول إن حركة البعث اختلفت اختلافاً نوعياً لا كمياً عن كل ما سبقها من حركات في الوطن العربي، فطرحت قضية الأمة العربية طرحاً ثورياً لأول مرة منذ مئات السنين، طرحاً انقلابياً كما اعتدنا إن نقول، واعتبرت الأمة العربية في مرحلة ثورة أصيلة، ثورة تاريخية، وإنها مهيأة كل التهيؤ لتحقيق هذه الثورة إذا انتشر وعيها بين الجماهير. هذا الطرح الانقلابي للقضية القومية)(1)


وكانت هذه النقطة الوسطية محكومة بعامل الزمان والمكان والقدرة,ولم  يرتقي إلى هذا الشرف في التمثيل الزمني والمكاني وبقدرة التعبير إلا البعث الخالد,حيث استطاعت هذه الإيديولوجية أن تبني الأسس الفكرية لهذه المحطة الفكرية الوسطية على حصيلة الفكر العربي الإسلامي والذي استمدته من التاريخ العربي الإسلامي وملئت العامل المكاني بقوة الفكر والروح النضالية لقادة الفكر ومناضلو الحزب,وفي نفس كانت قدرة البعث في الكم الهائل من القدرات النضالية الذي أمن بها الحزب وخاصة في موضوعة الانقلاب والانقلابية والى جانب البناء الايديولجي للمناضلين .فأستحق وبكل جدارة هذا التمثيل التاريخي لقيادة الثورة العربية المعاصرة.وبالتأكيد كان حظ الحرية والديمقراطية موجداً ومتضمنا هذه الصراعات الفكرية والقدرة التمثيلية وحالات المواجهة بين التجارب أيضا.والأمر الأخر الذي يستحق الإشارة إليه في مجال التطبيقات الديمقراطية أن مناصري الأخذ بتجربة الغرب كان يتحرجون من التناقض الكبير الذي وقعت به الدول الاستعمارية ففي الوقت التي كانت هذه الدول تعيش و تؤكد على بناء الدولة الديمقراطية في داخل مجتمعاتها,كانت تمارس كل أنواع الفرض والقسر وتضييق الحريات التي تتيح للشعوب المُسْتَعْمَرة إن تطالب بحريتها و في مقدمتها  الاستقلال والتحرر,وإذا ما اضطرت الدولة المٌستعْمِرة أو حتى المُحتَلة لان ترحل بعض الفقرات الديمقراطية للحياة العملية كالانتخابات البرلمانية واستطاعت القوى الوطنية والتي تنادي بالاستقلال من تحقيق نجاحات فيها,وحيث إن هذا الوضع سيجعل حالة الاصطدام معها مؤكداً. فيُصار إلى حل البرلمان فوراً والعودة إلى أحكام الطوارئ ومواجهة الاضطرابات الشعبية بحجج حماية الديمقراطية في البلد. وبكلمة أدق أن الموقف الرسمي الغربي من الديمقراطية في بلدان المستعمرات المحتلة كان ولازال سلبياً من حيث الأساس، أو مزدوجاً ففي المركز(مجتمع الدولة الاستعمارية) ديمقراطية حيث الصورة والدعاية باحترام الإنسان وحقوقه لان الإنسان فيها يستحقها وهو جدير بها لرقيه في ثقافته, وفي الأطراف (الدول المستَعمَرة أو المحتلة) قهر وديكتاتورية مجموعة أو طبقة موالية للمحتل وقساوسة ضد الإرادة الشعبيةوالعدوانية لان الإنسان فيها غير ذلك الموجود في المركز فهو هنا عدائي إرهابي عدواني ولا يتعاطى مع الديمقراطية،فكان من البديهي أن تتعارض الديمقراطية مع الاستعماروالاحتلالات الذي كانت ولا زالت الدول الغربية الكبرى تمارسه إلى اليوم ولكن بنهج متطور وسيناريو جديد,    


,وحيث لم يواجه مناصرو الفكر الإسلامي التقليدي بأي حرج لان الاستعمار العثماني كان يقوم على التسلط والانفراد بالسلطة من قبل الخليفة العثماني وحاشيته في داخل الدولة المركز وأما في الدول المستعمرة والمحتلة فيكون الحكم أكثر تسلطاً و قساوسة ولكنهم وقعوا في نقيض أكبر عندما أدعى(زوراً) تمثيلهم للعقيدة الإسلامية وهي تحمل في جوهرها كل سمات ومظاهر وحقائق الحرية والديمقراطية في الحكم وتؤمن  بحرية الفرد في كل خياراته ولا تكفر أحداً إلا من يشرك بالخالق العظيم,


فعندما أقول أن الإيديولوجية العبثية كانت شاملة في نظرتها للواقع العربي وبامتداد عرضي ليشمل العلاقات الإنسانية وبامتداد طولي ليشمل علاقة الإنسان بربه من خلال قوانين اجتماعية واقتصادية وسياسية وضعية لا علاقة الدين بها الأمن خلال ما تستمده من جوهره وليس بشكليات التعبير وصيغ الإدراج القانوني للحياة العربية الشاملة (الشمولية أعني بها قدرة فكر البعث الخالد في استيعابه لكل أنواع و أشكال التناقضات التي يعيشها المجتمع العربي ونزوعه المقتدر إلى حلول مستقبلية معقولة وواقعية ويقول المفكر العربي الكبير الأستاذ ميشيل فعلق(رحمه الله):( إن المستقبل هو المهم، وأهمية الماضي طأني من كونه تراثا، إن مهمتنا هي سد حاجات المستقبل دون التقيد الشديد بالماضي إلا كروح وتراث..)(2).وليس كما ينعتونه بعض السفهاء وأصحاب العقد من الذين جاءوا مع أسراب الجراد الأسود المحتل عند غزو العراق في عام2003بأن الشمولية وبكل مغالطة تعني محو لكل ما له علاقة بالخصوصيات الدينية والقومية.وليست مغالطتهم هذه مبنية على حرصهم على المحافظة على الهوية بل متأتية من الضياع الذي ينتظرهم في الاحضان الوطنية والقومية وأن كل القيم المعنوية والاعتبارية قد أكتسبوها من المناخات الطائفية والعرقية,وإنها لمفارقة يعلنون إيمانهم بالعمل الإنساني المشترك وعلى نفس لحن سيدهم المحتل وهم لا يهظمون الفكر الوطني القومي ولا يرتقون للتعامل معه,فإن كانوا وسيدهم المحتل(الذي جاء من الشرق أو من الغرب)و الذي جاء بهم يهابون مدرسة الفكر العربي وعمالقة النضال ,فهذا شأنهم في العجز والعقم في الانفتاح على النظرية القومية الاشتراكية  ,   

 
(1)(الوحدة ثورة تاريخية) في23/شباط/198
 (2) كلمة في الدورة الأولى من اجتماعات اللجنة الفكرية المنبثقة عن المؤتمر القومي العاشر في أيار 1970  





الثلاثاء١٧ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة