شبكة ذي قار
عـاجـل










إن صبر العراقيين تجاوز حدود أي صبر, وأصبحت حياتهم اليومية في ظل ساسة المنطقة الخضراء هي الجحيم بعينه. فتراهم يقضون أيامهم الكئيبة من سوء الى أسوء, ومن حيرة الى أمرّ منها وأقسى. ومن المؤكّد إن أجيالهم القادمة سوف تتذكّر دائما أن وطنهم, الذي تكالب عليه الغزاة والطامعون ورهط لا ينتهي من العملاء والخونة وباعة الضمائر, لم يمرّ في تاريخه مذ بدء الخليقة الى حتى يوم الاحتلال المشؤوم بفترة كالتي يمرون بهم الآن. فترة تعجز كل الأوصاف والنعوف البشعة والسيئة في تحديد معالمها ورسم حدودها. فأينما توجّه العراقي, بحثا عن أجوبة بسيطة لمشاكله المتفاقمة, لا يجد أمامه الاّ أبوابا موصدة ومناطق معزولة وشوارع مقطّعة الأوصال بالحواجز الكونكريتية والعجلات العسكرية ونقاط التفتيش.


أما حكامهم الجدد, الذين فشلوا على جميع الأصعدة والميادين, فما زالوا يتخبّطون وبعناد صبياني في تفسير المادة الدستورية التي تمنح الكتلة الفائزة في الانتخابات حقّ تشكيل الحكومة. ومع أن الجميع يعتبر نفسه, بهذا الشكل أو ذاك, فائزا وأن جميع مواد الدستور, الذي هو حمّال أوجه في صالحه, غير أنهم عجزوا عن التوصّل الى أي إتفاق سواء بين الكتل والأحزاب التابعة لجمهورية الملالي في طهران أو بين أولئك الذين يدورون حول كواكب أمريكية وصهيونية وعربية, مختلفة الميول والتوجهات والمصالح والأطماع.


إن التظاهرات العارمة التي إنطلقت في مدينة البصرة الفيحاء, والتي كان سببها الظاهر هو نقص الخدمات وخصوصا الكهرباء, دليل على أن نبض الحياة لم يمت في شريان شعبنا العراقي الصابر الصامد رغم الهجمة المجوسية الشرسة على مدن جنوب العراق بمختلف وسائل واساليب الشعوذة والخرافات واللطم والنواح وشراء ذمم الضعفاء. ولعل شعاع ولهيب انتفاضة وتظاهرة أبناء البصرة, وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد, سوف يصل الى مدن وقرى وبلدات أخرى في عموم العراق. فربّ شرارة أحرقت سهلا. كما قال ماو تسي تونغ.


ثمة شعوب كثيرة, ودون أن تسفك قطرة دم واحدة, إستطاعت أن تُسقط حكومات وتغيّر أنظمة وتُرغم ساستها العملاء الفاسدين على الهروب بجلودهم الى المجهول. وشعبنا العراقي الذي ذاق أنواع لا تُحصى من العذابات والظلم الاذلال والبؤس على أيدي حكامه الجدد لا يختلف عن سواه من الشعوب الحيّة, ولا تنقصة الارادة والعزيمة للتمرّد والانتفاض على واقعه المرير. ويكفي تظافر جهود وقوى جميع مكوناته والتحرك كالموجة العاتية نحو قصور ومقرات الخونة واللصوص وسرّاق لقمة خبزه, أولئك الذين إنتفخت جيوبهم وكروشهم وحساباتهم المصرفية بالمال الحرام بعد أن عاثوا في الأرض والوطن فسادا وإفسادا.


إن آمالا كبيرة جدا تُعقد على تحركات الشارع العراقي خصوصا في مدن الجنوب والوسط لوضع حدّ للمهزلة المسماة بالعملية السياسية وتبعاتها الكارثية من جميع النواحي على العراقيين. وهاهي رقعة التمرّد وصرخة التحدّي تتسع الى أكثر من محافظة ومدينة. وسنسمع عن قريب, بفضل الشرفاء والخيّرين من أبناء شعبنا الصابر, أن عروش الخونة واللصوص في المحميّة الخضراء بدأت ترتعش وتتأرجح رعبا وهلعا. وأن ثمة رؤوس كثيرة هناك قد أينعت وحان قطافُها. لأن منسوب الثقة والمصداقية بهؤلاء الحكام بلغ لدى العراقيين أدنى مستوى له.


ولا يمكن على أية حال أن يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه. ومّن أراد أن يخدع الشعب العراقي بكوميديا الانتخابات والدستور وما شابه ذلك فهو واهم وفي ضلال مبين. لأن أي شعب في العالم بحاجة أولا وقبل كلّ شيء الى الخدمات الأولية في حياته اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها, والذي يُعتبر توفيرها واجب أساسي من واجبات الحكومة ووزاراته المختصة, ولا توجد شعوب تعيش في الفقر والبؤس وإنقطاع أو إنعدام التيارالكهربائي مكتفية فقط بصناديق الاقتراع وبمئات الصحف والمجلات التي لا تختلف عن بعضها البعض, وبعشرات الفضائيات التي لا يعلم الاّ الله وحده مَن الذي يموّلها ويقف خلفها ويمدّها بالسموم الطائفية والعرقية المميتة لابادة العراقيين.


mkhalaf@alice.it





الاثنين٠٩ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة