شبكة ذي قار
عـاجـل










يتضمن الدستور المبادئ والقواعد الأساسية التي تحدد الواجبات والحقوق للمواطن في الدولة لضمان الحريات وحماية الممتلكات وتحقيق المساواة ويعتبر القانون الأسمى في البلاد وبموجبه يتم تحديد السلطات الموجودة في الدولة واختصاص كل سلطة وهو وليد الكثير من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن في زمن معين .

 

فلكل جماعة سياسية دستورها الذي يضع نظام الحكم فيها مهما كان شكل هذا النظام ومدى احترامه لسيادة الشعب وحقوق الإفراد فالقانون الدستوري هو قانون نظام الحكم في الدولة .

 

والرقابة على النصوص الدستورية هي رقابة وقائية تمارس قبل صدور الدستور لمنع صدور قانون مخالف للنص الدستوري لان السلطة التشريعية وهي سلطة منتخبة هي التي تعبر عن الإرادة العامة ومن غير المقبول ممارسة الرقابة عليها من سلطة لا تمتلك السلطة النيابية فتميل الى جانب السلطة التنفيذية دون أن تمارس عملها الرقابي بالحيدة اللازمة فتحكم بهوى النفس .

 

أسست المحكمة الاتحادية العليا في العراق بموجب المادة (92) من دستور عام 2005 باعتبارها هيئة قضائية مستقلة تتكون من :

 

ـ عدد من القضاة.

ـ خبراء في الفقه الإسلامي .

ـ خبراء في القانون .

يحدد عددهم وتنظيم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب وانتهت الدورة الانتخابية ولم يتم تأسيس المحكمة وفقا للنص الدستوري .

 

وبموجب المادة (93) تختص هذه المحكمة بجملة من الاختصاصات أهمها :

ـ الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة .

ـ تفسير نصوص الدستور .

 

بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية للانتخابات دعي المجلس الجديد الى الانعقاد فعقد المجلس جلسته الأولى يوم الاثنين الموافق 14 /6/2010 :

 

1ـ نصت المادة (49/سادسا) من الدستور على :

" لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب وأي عمل أو منصب رسمي آخر "

 

2ـ نصت المادة (50) منه على أن عضو مجلس النواب يؤدي اليمين الدستورية أمام المجلس قبل أن يباشر عمله بالصيغة المحددة في المادة.

 

3 ـ نصت المادة (54) منه على :

" يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الأعضاء سنا لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه ولا يجوز التمديد أكثر من المدة المذكورة أنفا ."

 

4 ـ نصت المادة (55) منه على :

" ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا ثم نائبا أول ونائبا ثانيا بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر "

 

5 ـ بموجب المادة (72/ب) منه يجب انتخاب رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوما من تاريخ أول انعقاد لمجلس النواب الجديد.

 

6 ـ يعتبر الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزما في أنحائه كافة وبدون استثناء (المادة/13 من الدستور).

 

ومن متابعة الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد نجد أن السلطة المنتخبة هذه في باكورة أعمالها  انتهكت الدستور :

اـ حضور أعضاء منتخبون الجلسة الأولى وهم يشغلون مناصب في السلطة التنفيذية وكان المفروض أن يبادروا الى تقديم استقالتهم منها لعدم جواز الجمع بين عضوية مجلس النواب وأي عمل أو منصب رسمي آخر (المادة/49/ب) من الدستور .

 

وهنا يثار تساؤل وقد بدأت الدورة البرلمانية الجديدة هل يعتبر هؤلاء نوابا في المجلس الجديد؟ فإذا كان كذلك كيف يمكن علاج مخالفة النص الدستوري ؟ وهل يعتبرون في حالة غياب عن المجلس أم في إجازة وما هو السند القانوني لذلك ؟

 

ب ـ لم يتم انتخاب رئيس المجلس ونوابه في الجلسة الأولى خلافا للمادتين (54و55) من الدستور .

 

ج ـ اعتبر المجلس نفسه في حالة انعقاد ولم نجد أساسا دستوريا أو قانونيا لذلك.

فإذا كانت سلطة منتخبة أسست أول أعمالها على انتهاك الدستور فماذا ستفعل خلال دورتها الانتخابية ؟

وأين هي المحكمة الاتحادية العليا من هذه الانتهاكات الدستورية التي لا تخفى على طلاب كلية الحقوق ؟

 

بينما تولت تفسير نص المادة (76) من الدستور بناء على طلب السلطة التنفيذية هذه المادة التي نصت على :

 

" أولا : يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية .

ثانيا: يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف .

ثالثا: يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة.

 

رابعا ـ يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب ويعد حائزا على ثقته عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة .

 

خامسا ـ يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح أخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة ."

إن المحكمة الاتحادية العليا تختص في إصدار قرارات تفسيرية ملزمة إذا كان النص غامضا أو مضطربا ومدى مطابقة النص القانوني المطلوب تطبيقه للدستور من ناحية الشكل والموضوع وعندئذ لا تملك الهيئات الأخرى سوى الإذعان لقضائها بالصحة أو البطلان أو باتجاه تفسيرها الملزم نحو تقرير الصحة أو البطلان أو الانعدام.

 

والمحكمة الاتحادية  العليا في مجال الرقابة على دستورية القوانين ليس لها حق التصدي لأنها إن فعلت ذلك وقضت من تلقاء نفسها بعدم الدستورية عن طريق التصدي فان قرارها يعتبر متعديا لأنها تكون قد تجاوزت سلطاتها المخولة لها بالقانون .

 

وحيث إن سلطة سن القوانين وتفسيرها منوط أصلا بالسلطة التشريعية التي يمثلها مجلس النواب ,فإذا كان الدستور قد أناط بالمحكمة الاتحادية سلطة تفسير النصوص القانونية التي تستدعي ذلك بسبب طبيعتها أو أهميتها ضمانا لوحدة التطبيق القضائي فان الذي أورده الدستور قد جاء محددا واستثناء من الأصل العام المقرر من أن سلطة تفسير القوانين تشريعيا من اختصاص السلطة التشريعية لأنها سلطة منتخبة .

 

فإذا خرجت المحكمة الاتحادية عن الحدود والأوضاع التي رسمها لها القانون فإنها تكون قد باشرت عملا ليس من وظيفتها وصدر من سلطة لا تملك حق إصداره لما في ذلك العمل من إغفال لمبدأ الفصل بين السلطات وخروج عن الاختصاص ويعد اعتداء وغصبا للسلطة ويسقط عن التفسير قوته الملزمة.

 

ولان من المسلم فقها وقضاء له عدم جواز الالتجاء الى التفسير التشريعي إلا إذا شاب النص غموض يراد توضيحه أو تعارض في تطبيقه يراد أزالته بحيث لا يلجا له إذا كان النص صريحا خاليا من الغموض.

 

فالتفسير التشريعي يعتبر كاشفا عن حقيقة مراد الشارع بالقانون محل التفسير منذ تقنينه لا منشأ لحكم جديد,بمعنى إن التفسير التشريعي لا يخلق قاعدة جديدة وإنما يوضح مضمون قاعدة سابقة لان السلطة التشريعية هي الجهة الوحيدة التي لها حق خلق وإنشاء قواعد جديدة وبالتالي يكون لهذا التشريع أو القاعدة الجديدة صفة الإلزام.

 

أما إذا كان التفسير التشريعي قد صدر من سلطة اخرى خولتها السلطة التشريعية حق إصداره فلا يجوز لهذه السلطة إن تنشئ قواعد جديدة لأنها بذلك تكون قد خرجت عن حدود المهمة الموكولة لها.

 

ولئن فعلت ذلك  فلا يعتد بما تصدرها ولا يكون قولها ملزما لان المحكمة الاتحادية ليس منوطا لها إصدار القوانين أو تعديل النصوص القانونية من خلال إصدار قواعد جديدة لان هذا الحق مخول الى مجلس النواب وحده وان خروج المحكمة الاتحادية عن نطاق السلطة المخولة لها بمثابة غصب لسلطة مجلس النواب ويكون قرارها قد صدر ممن لا يملك حق إصداره ومخالفا لحكم الدستور بشان الاختصاص , مما يجعل قرار التفسير مشوبا بعيب جسيم معدم له لإغفاله مبدأ الفصل بين السلطات ولخروجها خروجا تاما عن اختصاصها بمباشرتها اختصاصا تملكه السلطة التشريعية حصرا لان قرار المحكمة الاتحادية لا يعتبر تفسيرا لنص غامض وإنما إنشاء لقاعدة جديدة (اندماج كتلتين بكتلة واحدة وباسم موحد جديد لتكون الكتلة الأكبر) بمثابة تشريع جديد أو تعديل لنص تشريعي لم يصدر من السلطة التشريعية كما إن هذا التفسير يتعارض مع إرادة الشارع من النص الحالي للمادة (76) من الدستور منذ كتابته حيث طبق كما ورد بعد انتخابات عام 2005 ووفقا للقاعدة القانونية ( المعروف عرفا كالمشروط شرطا) فان المتعارف عليه في كل النظم النيابية إن الكتلة أو الحزب الذي يحصل على العدد الأكبر من الأصوات يكلف بتشكيل الحكومة وهذا ما جرى في بريطانيا مؤخرا

 

وخلاصة القول إن المحكمة الاتحادية قد حكمت بالهوى عند تفسيرها لنص لا لبس فيه ولا غموض وانشاءت قاعدة جديدة لا يحتملها النص ولم تكن إرادة الشارع كذلك عند صياغته وخضعت لإرادة السلطة التنفيذية وجعلت من نفسها طرفا في صراع القوى السياسية على السلطة فتسببت بالإضرار بحقوق الشعب وانتقصت من إرادته ورغبته في التغيير والتداول السلمي للسلطة .

 

وكان الواجب يحتم عليها إن تكون على الحيدة وان تقف حائلا دون طغيان سلطة على اخرى أو إساءة إحداها استعمال سلطاتها حفاظا وصمام أمان لحقوق المواطن دون استبداد أو طغيان وحرصا على احترام الدستور وسموه في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب العراقي لانتهاك لا مثيل له في حقوقه الانسانية وحرياته الأساسية إذ ليست العبرة في أن يكون للدولة دستور يتضمن الحقوق والواجبات للمواطن  وإنما بقدر ما يقترن ذلك من ضمانات حقيقية للممارسة الفعلية في احترامه وعدم انتهاك نصوصه.

 

أما القائمة العراقية فانه نزولا عند إرادة ناخبيها ليس لها خيار سوى التمسك بالاستحقاق الدستوري وعدم التفريط بهذا الحق وعدم القبول بأية مساومة سواء بمنصب رئيس مجلس النواب الذي هو منصب إداري وليس له سوى صوتا واحدا عند التصويت أما القول بتولي رئيس القائمة منصب رئيس الجمهورية بصلاحيات موسعة فهو مناورة سياسية يراد منها جر القائمة بالقبول بإنصاف الحلول لان ذلك يتطلب مداخلة دستورية بتعديل صلاحياته الواردة في الدستور والدستور الحالي من الدساتير الجامدة لا يمكن تعديله بسهولة حيث مضت دورة انتخابية كاملة ولم يتم تعديل نصوص اتفق على تعديلها وعليها أن تحترم إرادة ناخبيها وبغير ذلك ستفقد الكثير .

 

أما نحن كعراقيين عندما نقول أننا نقف في صف المعارضة للعملية السياسية التي أسس الاحتلال الغاشم لها فإننا لا ننطلق من فراغ أو المعارضة المجردة غير المستندة الى أسس قانونية وسياسية تضع مصلحة الشعب بنظر الاعتبار وإنما على حقيقة انه وبعد كل دورة انتخابية تطفو على سطح العملية السياسية مشاكل جديدة ضحيتها الأولى الشعب العراقي الذي يدفع بدمه الطاهر ثمن الرفاهية والسحت الحرام ونهب المال العام لقادة هذه العملية السياسية ليكون الشعب حقلا للتجارب فيها .

 

المحامي ودود فوزي شمس الدين / مدير المركز العراقي لحقوق الانسان - بغداد المحتلة





الجمعة٠٦ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي ودود فوزي شمس الدين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة