شبكة ذي قار
عـاجـل










ربما كانت قافلة الحرية التي حاولت الوصول إلى قطاع غزة ، أكثر المحاولات استقطابا لاهتمام الرأي العام العالمي وتعاطفه مع منظميها لأسباب عدة من بينها أن القافلة كانت تضم متضامنين من حوالي أربعين بلدا ، بينهم برلمانيون وقادة في أحزب أوربية وصحفيون من قارات العالم أجمع ، وهذا ما أعطى القافلة عمقا إنسانيا وتعاطفا واسع النطاق .


ومن بين الأسباب التي أحدثت انقلابا في مواقف الدول والمنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية ، الهجوم الذي نفذته قوات الكوماندوز الصهيونية على السفينة التركية مرمرة وأدى إلى مقتل حوالي عشرين متضامنا من بينهم تسعة أتراك ، وإذا ما غضضنا النظر عن هذه التضحية الجسيمة التي قدمها الشعب التركي من دماء أبنائه عربونا لوحدة القضية والوقوف بقوة مع الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه ومقدساته ، فإننا سنكون إزاء جريمة جديدة ترتكبها إسرائيل مستفيدة من مظلة الحماية الأمريكية ، مثلت اعتداء على القانون الدولي وحرية الملاحة في أعالي البحار ، وانتهاكا لحقوق الإنسان ، واستخدام القوة المسلحة لقتل مدنيين لم يحملوا معهم إلا مساعدات طبية وغذائية ، لشعب يجوّع دون أن يتحرك المجتمع الدولي لوضع لجريمة إبادة مليون وثلاثة أرباع المليون إنسان ، تضافرت عليهم أنياب الجوع وأسوار الحصار فوق الأرض وتحتها وأغلقت أجواءها ومياهها الإقليمية ، فتحول قطاع غزة إلى أكبر سجن فوق الأرض، وتحولت الأمم المتحدة إلى شاهد زور على ما يعانيه هذا الشعب من عمليات تذويب بفعل رصاص الفاقة بدلا من الرصاص الحي .


وتأتي الجريمة الصهيونية الجديدة وسط صمت دولي من معظم دول العالم بما فيها العربية ، والمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية .
إسرائيل لا تريد أن تبقي حصارها لغزة موضوعا حيا يتحرك بين آونة وأخرى من منظمات إنسانية غير حكومية وخاصة من أوربا ، لأنها لا تريد إحراج أصدقائها الذين يقفون إلى جانبها ويخرقون القواعد القانونية ويلاحقون أطرافا أقل خرقا لها من إسرائيل ألف مرة ، ولذلك جازفت بفضيحة كبرى تعتقدها ستضع حدا لمثل هذه الفعاليات الإنسانية بعد أن يعرف منظموها أن عليهم أن يتوقعوا ثمنا باهظا فيما لو أقدموا ثانية على تسيير رحلة جديدة ، إضافة إلى أن الخسائر التي وقعت في الجانب التركي من ناشطي الحملة ، يعد رسالة واضحة المعاني أرادت إسرائيل إرسالها إلى أنقرة ، كي تعيد الأخيرة النظر بسياساتها التي بدأت تبتعد عن الحلف التاريخي مع إسرائيل ، وعلى العموم إذا كانت إسرائيل ستحقق جانبا من هدف منع تنظيم قوافل جديدة وبهذا الحجم ، فإنها حققت إخفاقا مدويا في نتائج قتلها لتسعة من المواطنين الأتراك ، إذ أن قتل هؤلاء وحد الموقف التركي وخلق حالة التفاف مع الحكومة ما كانت لتحصل عليه في أي ظرف ، فقد تضامنت المعارضة التركية مع موقف الحكومة في التعامل مع ملف وطني أصاب الأمة التركية في كرامتها .


يضاف إلى ذلك فإن الحكومة التركية تعي جيدا أن دورها الإقليمي الجديد لا يخلو من تضحيات جدية لكي تلقى تركيا قبولا عربيا إسلاميا في تبني قضايا الأمة بعد اغتراب عن التاريخ والجغرافية والتشبث بوهم الالتحاق بالاتحاد الأوربي ، ويبدو أن خطوات تركيا الأخيرة وبدء من مؤتمر دافوس وحتى هذا اليوم ، قد تركت إيران تلهث وراءها بشوط بعيد ، خاصة إذا لاحظنا الموقف الضعيف حد التهافت لإيران وحزب الله من جريمة شرق المتوسط .


لقد كانت ردود الفعل على الجريمة الصهيونية أكبر من كل التصورات التي توقعتها حكومة نتنياهو حينما خططت لجريمة القتل دون قتال ، وكان الموقف التركي الحازم وخاصة ما طرحه الطيب رجب أردوغان من مواقف لا تقبل التأويل حول الموقف التركي رسميا وشعبيا من قضية حصار غزة وجريمة العدوان على قافلة الحرية في المياه الدولية شرق المتوسط .


ولعل الإصرار التركي على ملاحقة الجناة وتقديمهم إلى المحاكم الدولية ، هو الذي أحدث تغييرا ملموسا في مواقف الجهات الحقوقية والإنسانية تجاه جريمة العدو الصهيوني ، ومما عزز هذا التوجه الجديد أن مواطنين من جنسيات أوربية كانوا على ظهر سفن قافلة كسر حصار غزة ، وخاصة من فرنسا ، قد باشروا بإعداد ملفات جنائية لرفعها على المسؤولين عن الجريمة الصهيونية شرق المتوسط مما سيعني أن قادة الكيان الصهيوني ستضيق عليهم مدن العالم المختلفة .


لكن القضية الأساسية تبقى قضية تحرير الأرض والإنسان ، أما الحصار فهو واحد من إفرازات المحتلين ، ويجب أن يستمر التركيز على الهدف المركزي وبوتيرة عالية دون إعطاء العدو فرصة لاسترداد الأنفاس ، فالضغط المستمر هو الذي يدفعه لارتكاب المزيد من الجرائم التي تزيد من حجم عزلته الدولية ، وطالما بقي الحصار فيجب أن يبقى ملفه مفتوحا ، وعلى هذا يجب أن تستمر قوافل الدعم والتضامن مع شعبنا الفلسطيني في غزة والقدس دون توقف .


ومن المؤكد أن الصهيونية العالمية مدعومة من اليمين المتصهين وسائر القوى المتضررة من الدور التركي الجديد ، لن يسلموا بالهزيمة من الجولة الأولى ، ولذلك سيبذلون في المرحلة المقبلة جهودا مستميتة وعلى المحاور التالية لسحب البساط من تحت أقدام الأطراف التي تسعى لإدانة إسرائيل في المحافل الدولية :-


أولا : إعطاء تفسيرات مغرضة للدور التركي الداعم للشعب الفلسطيني ، يمكن أن تربطه بالسياسة الأمريكية والإسرائيلية عبر أدوات ومنابر البعض منها محسوب على القوى المناهضة للولايات المتحدة ، تسعى لتمرير فكرة أن الدور التركي يخدم المخطط الأمريكي من خلال المساعدة على إزاحة حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل والتي ألحقت أضرارا فادحة بالمصالح الأمريكية في الوطن العربي والعالم الإسلامي ، وربما تقف وراء التحرك على هذا المحور قوى محسوبة على مشروع إيران الشرق أوسطي .


ثانيا : التحرك المضاد لتركيا بصورة مكشوفة وعبر أكثر من ملف قابل للتوظيف :
1 – تقويض أمن تركيا الداخلي سواء عن طريق حزب العمال الكردي التركي ، عبر قنوات معروفة بتحركها على المحور الإسرائيلي ( تجربة الملا مصطفى البرزاني ) ، أو أية جهة تجد من مصلحتها لجم تركيا لسحبها إلى دواخلها ومنعها من التعاطي مع الملفات الخارجية ، وإشغالها بمشاكل داخلية قديمة كقضية الأرمن أو قضايا مستحدثة بما في ذلك الوضع الاقتصادي ، ويمكن أن تتصاعد حالة الاستهداف بحيث تطال زعامات تركية سياسية وحزبية بهدف التخلص من الوجوه القيادية الحالية .


2 – إعادة إنتاج سلبيات العلاقة التاريخية بين العرب والدولة العثمانية في أواخر عمرها ، وذلك بتحريض العرب ضد سياسات التتريك وما رافقها من مظاهر وأحداث ، أو بتحريض الأتراك ضد العرب لأنهم وقفوا ضد الدولة الإسلامية مع بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى .


إن الحصار الاقتصادي الآخذ بالتآكل ، لا يجب أن يستمر بصور جديدة وتحت سقف الأمم المتحدة بأي شكل من الأشكال ، وإذا لم يتم رفعه صفقة واحدة فيجب أن يبقى قضية ساخنة مطروحة على موائد الحوار وعلى صدر الصفحات الأولى لصحف العالم وفي بداية نشرات الأخبار لقنوات التلفزيون الدولية الكبرى ، ولا ينبغي أن يسمح لإسرائيل أن تمتص ردود الفعل الدولية على جريمتها اعتمادا على عامل الزمن .


لقد نجحت تركيا في وضع إسرائيل في قفص اتهام دولي حتى من أقرب حلفائها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ، ولا ينبغي أن تضيع التضحيات التي قدمها الناشطون الدوليون المتضامنون مع أهلنا في غزة ، بل يجب أن تستمر قوة الدفع باتجاه إحالة قتلة الشعب الفلسطيني وقتلة المتضامنين العزل ، إلى محاكم دولية لتقتص منهم ، وكذلك العمل على إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني كاملة ، وهذا يتطلب إرادة سياسية صلبة ودعما شعبيا ووضوحا في تحديد الأولويات .





الاحد٠١ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٣ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة